منال لاشين تكتب : عيد التضحيه بالثوار والفلول ..

مقالات الرأي


فى آخر حجة للرئيس المخلوع مبارك سأل الدكتور نظيف مبارك: هتضحى بإيه ياريس؟ فرد مبارك: خلاص إحنا ضحينا بالشعب المصري.

وأحدث نكتة سمعتها بمناسبة عيد الأضحى أن مسئولا حكوميا كبيرا سأل المجلس العسكري: هل تذبح الحكومة كام خروف ونضحى السنة دي؟ فجاءه الرد: لا ما إحنا ضحينا خلاص بالثورة.

المثير أننى سمعت فى نفس اليوم نفس النكتة بنهاية مختلفة. فقد كان رد المجلس العسكري. لا خلاص ما إحنا ضحينا بمبارك. وبين النسخة الثورية للنكتة، ونسخة الفلول تكمن أزمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو بالأحرى أزمة مصر التى قادتنا إليها سياسات المجلس الأعلي.

فالمجلس لم ينحز للثوار انحيازاً واضحًا وكاملاً ولم يستكمل خطوات الثورة وبدأ فى بناء نظام جديد بالفعل على أنقاض وغضب النظام القديم. تمسك بشرعية دستور 71، ورفض فكرة الشرعية الثورية وتباطأ كثيرا فى عزل الفلول، ومطاردة رموز النظام فى كل موقع.

وهو بالطبع لم يستطع الحفاظ على كل ثوابت النظام القديم فاهتزت أركان النظام دون أن تقع على رءوس أصحابها. وحبس رأس الأفعى لم يمنع ألف ذيل وذيل لها من تخريب مصر.

ولو أخذت الشرطة كنموذج لحالة اللا اختيار ستكتشف كم صار الوضع بائسا. فلا الشرطة تغيرت فحفظت روحى عصام عطا ومعتز، آخر شهيدين للإهمال والتعذيب، ولا هى ظلت على بطشها فمنعت آلاف البلطجية من العبث بأمن المواطنين والمسيرات. وهكذا لم تتحسن حالة حقوق الإنسان، وتدهورت أيضا حالة الأمن والاستقرار النسبى الذى كان متاحًا قبل ثورة 25 يناير.

وفى الاقتصاد تكررت حالة اللا اختيار. فالمجلس لم يتحمس بالطبع لأفكار استرجاع شركات القطاع العام وتأميم هذه الشركات. ولم يعطِ آذانا لأفكار بدت له اشتراكية وثورية بأكثر ما تتحمل الظروف. ولكنه فى الوقت نفسه لم يستطع أن يتخذ موقفا حاسما من التصالح مع رجال الأعمال المصريين والعرب الذين وجدوا أنفسهم متورطين فى قضايا فساد. وهكذا لم يضع المجلس مصر على أعتاب اقتصاد اشتراكى جديد، ولم يستطع أن يحمى القطاع الخاص الموروث من نظام مبارك.

وفى الاقتصاد والسياسة لا يمكن أن تؤدى حالة اللا اختيار إلى أية نتائج، ولا حتى تثبيت الأوضاع، أو الحد الأدنى للاستقرار .

الحقيقة أن الاختيار فريضة مهمة وخطوة أساسية للمضى قدما فى الطريق. ولا يمكن تصور أن نمضى قدما دون أن نختار فى البداية الطريق الذى نمضى فيه.

والحقيقة أننى لا أتذكر اسم المفكر الأجنبى الذى قال «إن الاختيار هو الحياة نفسها، ونحن نمضى حياتنا ما بين اختيار إلى آخر». ولا أظن أن الأمر يتعلق بالاختيار فى الاقتصاد أو السياسية فقط، ولكنه أيضا أمر حاكم فى الحب. فى شريعة نبى الحب نزار قبانى لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار. ولكننى اكتشفت أن هذه المنطقة موجودة بالفعل على خريطة مصر، وأظنها تحتل المساحة الأكبر من الصورة العامة والتفصيلية لمصر.

وليست النكتة التى بدأت بها سوى تعبير ساخر عن هذه الحالة، فالبعض يرى أن المجلس لم يساند الثورة، وضحى بالثوار، وآخرون يرون أنه ضحى بمبارك والاستقرار.

وهكذا عاد عيد الأضحى إلينا، ومصر على موسم انتخابات برلمانية جديدة. فالمجلس السابق سقط بعد أقل من ثلاثة أشـهر. ولكن انتخابات المجلس الجديد تسير بنفس الخطى ونفس الاختيارات. أى بكيلو لحم من الأضحية، تصوروا أن سعر المصرى لا يزال كيلو لحم. تصوروا أن انتخابات بعد الثورة أو برلمان الثورة لا يزال طريق العبور إليه (حتة لحمة من أضاحى العيد). وكل عيد ومصر والثورة والمجلس بخير وسلامة