أحمد ياسر يكتب: تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم
يشهد العالم أحداث شرسة متصاعدة للعنف في الشرق الأوسط، بالتزامن مع بدء كل من حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة، والجيش الإسرائيلي، عمليات عسكرية واسعة النطاق.. والعالم يراقب مرة أخرى، ويأمل بفارغ الصبر وضع حد لسفك الدماء وإيجاد طريق نحو السلام.
وجاءت عملية "طوفان الأقصى"، كما تسميها حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، ردا على الهجمات المتواصلة التي تشنها القوات الإسرائيلية والمستوطنين ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته، وأبرزها المسجد الأقصى في الشرق المحتل.
لا يمكن المبالغة في تقدير قدسية الأقصى وأهميته التاريخية، وأي تهديد محتمل لسلامته لا يتردد صداه بعمق لدى الفلسطينيين فحسب، بل أيضا في العالم الإسلامي الأوسع.
على الجانب الآخر، تم وصف "عملية السيوف الحديدية" الإسرائيلية بأنها آلية دفاعية، ردًا على الهجمات الصاروخية والتهديدات القادمة من قطاع غزة، وشهدت هذه العملية غارات واسعة النطاق على عدة مناطق في قطاع غزة المكتظ بالسكان والذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني.
إن الوضع الإنساني في غزة، غير المستقر أصلًا بسبب الحصار الإسرائيلي منذ عام 2006، قد تفاقم بسبب التصعيد الحالي.
إن تبادل اللوم بين الجانبين يشكل تذكيرًا مؤلمًا بالعداء التاريخي والتعقيد الذي يتسم به الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومع ذلك، خلف الروايات والمناورات السياسية تكمن حقيقة صارخة: المدنيون، والعديد منهم أطفال، يتحملون وطأة هذا الصراع.
إن تدهور الظروف المعيشية في غزة، كنتيجة مباشرة للحصار، بالإضافة إلى نقص الإمدادات الطبية الكافية والمياه والكهرباء، يجعل العمليات العسكرية الحالية أكثر تدميرًا لسكان القطاع، وقد أثار العديد من المراقبين الدوليين مخاوف بشأن الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدولي.
ويقع على عاتق المجتمع الدولي التزام أخلاقي ليس فقط بإدانة أي وجميع الأعمال التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمدنيين، بل أيضا بدفع الجانبين نحو التوصل إلى حل سلمي.
لقد أثبت التاريخ أن المواجهات العسكرية في المنطقة لا تسفر عن حلول دائمة، بل تمهد الطريق لمزيد من العنف في المستقبل.
وهناك حاجة ملحة لاستئناف الجهود الدبلوماسية بقوة، ويجب أن يكون الهدف واضحا: حل الدولتين حيث يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون التعايش، كل منهم في دولته ذات السيادة، ويعيشون جنبا إلى جنب في سلام وأمن.
ومع تطور الوضع، من المهم ألا يفقد العالم حساسيته تجاه أعمال العنف المتكررة في المنطقة، إن كل ضحية، وكل منزل مدمر، وكل عمل من أعمال العدوان يؤكد الحاجة الملحة إلى إيجاد حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي هذه الأوقات المضطربة، يتعين على المجتمع الدولي أن يتكاتف لضمان سيادة السلام، وإنقاذ أرواح الأبرياء، وتحويل الحلم القديم المتمثل في التعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى حقيقة واقعة.
دور الإعلام الغربي: تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم
لعقود من الزمن، وجد الفلسطينيون أنفسهم على مفترق طرق الجغرافيا السياسية، وهم يتنقلون في مشهد مضطرب محفوف بالعنف والتهجير والسعي المتواصل من أجل تقرير المصير.
ومع ذلك، وراء الصراعات الجسدية التي تلفت انتباه وسائل الإعلام الدولية، يكمن تحدي أعمق وأكثر غدرًا - المعركة من أجل الكرامة الإنسانية.
لم يتعرض الفلسطينيون، طوال هذه السنوات، للاعتداء الجسدي فحسب، بل عانوا أيضًا من التآكل الدقيق والمنتشر لهويتهم وإنسانيتهم في الخطاب الشعبي ووسائل الإعلام.
اللغة، وهي أداة أساسية للتواصل والفهم، تم التلاعب بها في كثير من الأحيان على حساب القضية الفلسطينية… تتمتع الكلمات بالقدرة على تشكيل الحقائق، وتأطير الروايات، والتأثير على التصورات.
على مر السنين، تم التحدث عن الفلسطينيين في كثير من الأحيان، ولم يتم التحدث معهم… لقد تم تحويلها إلى إحصائيات مجهولة الهوية، وغالبًا ما يتم رسمها بفرشاة واسعة من الصور النمطية.
هذه اللغة اللاإنسانية تفعل أكثر من مجرد تحريف - فهي تكتم أصوات عدد لا يحصى من الأفراد الذين لديهم آمال وأحلام ونضالات يومية تمامًا مثل أي إنسان آخر.
إن التغطية الإعلامية، بتأثيرها القوي على الوعي العالمي، كثيرًا ما تقع في فخ التحيز الضمني. وبدلًا من الخوض في القصص المتعددة الأوجه لحياة الفلسطينيين، كانت منصات وسائل الإعلام الرئيسية في بعض الأحيان مذنبة بتقطير المواقف المعقدة وتحويلها إلى روايات مفرطة في التبسيط.
وتصور هذه الروايات، في أغلب الأحيان، الفلسطينيين على أنهم المعتدين، أو، الأسوأ من ذلك، على أنهم ضمانات في لعبة سياسية أكبر.
ولعل أحد الأمثلة الصارخة على عدم الحساسية هذه هو وصف الفلسطينيين بأنهم "دروع بشرية"، هذا المصطلح لا يجردهم من فاعليتهم فحسب، بل يلومهم أيضًا، بشكل مخيف، على وفاتهم.
إن تصنيف شعب بأكمله على أنه مجرد "ناقلات للإرهاب" يعني تجاهل تطلعات الأم، أو أحلام الطالب، أو طموحات رجل الأعمال الشاب.. فهو يحول مجموعة متنوعة من الأفراد إلى مجرد بيادق في مخطط أكبر، مما يلغي حقوقهم الإنسانية الأساسية.
ومع ذلك، من الضروري أن نفهم أن هذه ليست قضية معزولة تقتصر على القضية الفلسطينية، والتاريخ حافل بأمثلة عن مجموعات مهمشة تم تحويلها إلى صور كاريكاتورية من قبل أولئك الذين يمسكون بالسلطة.
غالبًا ما يكون هذا التجريد من الإنسانية مقدمة لتبرير الظلم… عندما نبدأ في رؤية الناس على أنهم أقل من البشر، يصبح من الأسهل قبول معاناتهم.
ومع ذلك، في عالم أصبح أكثر ترابطا من أي وقت مضى، لدينا مسؤولية مشتركة، يجب أن نسعى جاهدين للتشكيك في الروايات المقدمة لنا، والاستماع بنشاط، وإضفاء الطابع الإنساني على أولئك الذين تم تجريدهم من إنسانيتهم.
وهذا لا يعني استهلاك وسائل الإعلام بشكل نقدي فحسب، بل يعني أيضًا التعامل مع المصادر الأولية والروايات الشخصية والحسابات التي تقدم صورة شاملة.
إن القضية الفلسطينية، مثل قضايا أخرى كثيرة، هي شهادة على صمود الروح الإنسانية، ولا يقتصر نضالهم من أجل الأرض أو الاستقلال السياسي فحسب، بل من أجل الاعتراف بإنسانيتهم المتأصلة.
دعونا نتأكد من أننا جزء من الحل، ونعطي صوتًا لمن لا صوت لهم، ونضمن عدم محو أي مجتمع من صفحات التاريخ.