أحمد ياسر يكتب: مصير خطة العمل الشاملة المشتركة
في الأيام الأخيرة، كان هناك الكثير من التحليلات والتكهنات حول احتمالية الاقتراح النووي للاتحاد الأوروبي ورد إيران والولايات المتحدة عليه، يراه البعض أنه قرب مسافات الاتفاق ودخلت مرحلة تقييم الفوائد الاقتصادية لخطة العمل الشاملة المشتركة، وتعتقد المجموعة أيضًا أنه لا يزال هناك طريق طويل للتوصل إلى اتفاق.
لكن التركيز على التنبؤ بمستقبل المفاوضات بناء على تكهنات من اقتراح الاتحاد الأوروبي ورد فعل طهران وواشنطن يصرف العقول عن أهم القضايا في الملف النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا يثير الأسئلة التي يمكن أن توفر إجاباتهم رؤية أوضح لمصير المشاورات الحالية مع الجمهورية الإيرانية أو أي مفاوضات مستقبلية.
هل تبحث سلطات طهران عن حل دائم للأزمة النووية؟.. هل يمكن التوصل إلى اتفاق مستقر دون تطبيع العلاقات الإيرانية الأمريكية ومع استمرار التهديد بتدمير إسرائيل؟ لماذا انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة، وهل أوقفت طهران أنشطتها الأيديولوجية الإقليمية؟ هل تستطيع الجمهورية الإسلامية التصرف بشكل مستقل عن روسيا وفي المراحل اللاحقة من الصين في اتخاذ قرارات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة أو أي صفقة أخرى مع الغرب؟
الأزمة النووية الإيرانية، والتي مرت مؤخرًا الذكرى السنوية العشرين لتأسيسها، هي قضية مسربة أجبرت سلطات طهران على التفاعل والتفاوض مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحتى الكشف الأنشطة النووية الإيرانية عام 2002، كانت هذه البرامج تنفذ سرًا ولغرض محدد، والأرشيف المتعلق بأنشطة تلك السنوات، والذي هو الآن في حوزة إسرائيل وأصبح أحد القضايا الرئيسية الخلافية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، يظهر أن إيران كانت تسعى لأنشطة نووية ذات طبيعة عسكرية، علي الأقل حتى الكشف هذه البرامج.
في كل هذه السنوات، طورت إيران أنشطتها النووية، عندما تمت الموافقة على قرارات عقوبات مجلس الأمن الدولي الواحدة تلو الأخرى، أو خلال فترة خطة العمل الشاملة المشتركة، والآن بعد أن مرت إدارة بايدن بسياسة الضغط الأقصى لحقبة دونالد ترامب،أصبحت هذه العملية أبطأ أو أسرع في بعض الأحيان، لكنها لم تتوقف أبدًا.
على مدى أكثر من عقدين، أنفقت جمهورية إيران مئات المليارات من الدولارات بشكل مباشر وغير مباشر على الأزمة النووية بهدف الردع، والاتفاق الذي من شأنه الإفراج عن 100 مليار دولار من الأصول المُحجوبة ليس سوى فرصة لسلطات طهران، وليس حافزا لإهمال هدف استراتيجي.
من ناحية أخرى، أعلن النظام الحاكم في إيران أن الولايات المتحدة وإسرائيل أعداء منذ البداية... واليوم، ليس هناك فقط ما يشير إلى تغيير هذا النهج أو التخلي عن التهديد بتدمير إسرائيل، بل إن طهران تهدد سلطات الولايات المتحدة على أرض هذا البلد. في الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة هي الطرف الرئيسي في المفاوضات النووية مع إيران، وإسرائيل هي أهم شريك استراتيجي لها في المنطقة.
كما تُظهر تجربة الضغط الأقصى في الإدارات الجمهورية والتفاعل مع طهران في الإدارات الديمقراطية للولايات المتحدة في العشرين عامًا الماضية أن استمرارية الاتفاق، إلى جانب عوامل أخرى، تعتمد على تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وإسرائيل أو على الأقل تنحية العداء معهم.
ومن أهم أسباب انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة المخاوف الأمنية لإسرائيل ودول المنطقة وطبعا مخاوف الجمهوريين من الأمن في المنطقة، وهذه العوامل ظلت ثابتة في حالة وجود أسلحة نووية بحتة، مع إضعاف حظر الأسلحة ضد إيران، أصبحت المخاوف الأمنية لدول المنطقة أكثر مما كانت عليه عندما تم تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة.
في غضون ذلك، لا يمكن تجاهل دور روسيا ثم الصين في قرارات السلطات الإيرانية، وهذا يجعل قرارات طهران تعتمد على اعتبارات موسكو لتنظيم العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن الصعب التنبؤ بالسياسة، بل إنه من الصعب التنبؤ بسلوك دولة لا تفكر إلا في البقاء.. لكن تاريخ البرنامج النووي دليل واضح على هشاشة أي اتفاق.. وبالتالي، فإن التاريخ أهم من التنبؤ.