أحمد ياسر يكتب: تحالفات شرق المتوسط بديلا للغاز الروسي
أعادت الحرب على أوكرانيا إحياء الاهتمام بتطوير موارد الغاز الطبيعي وتنفيذ مشاريع البنية التحتية التي يمكن أن توفر الطاقة للمستهلكين في جميع أنحاء أوروبا، ويمكن لشرق المتوسط أن يلعب دورًا متزايدًا في أمن الطاقة الأوروبي حيث يتم فتح العديد من الموارد في المنطقة، وتستطيع مصر وإسرائيل إثبات أنهما مصدران رئيسيان لفائض الغاز إلى أوروبا وتعويضهما عن الخسائر التي تكبدتها بسبب الحرب على أوكرانيا.
توقعت مذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة، التي تم توقيعها مؤخرًا بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر في مقر منتدى غاز شرق المتوسط، بتوريد الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، كما هو منصوص عليه في مذكرة التفاهم، ويلتزم الاتحاد الأوروبي بتشجيع شركات الطاقة الأوروبية للمشاركة في مناقصات التنقيب عن الغاز في المناطق البحرية الإسرائيلية والمصرية، للوفاء بأهداف التصدير المحسنة لأوروبا مع قيام إسرائيل بإدخال حقول جديدة على الإنترنت، ويجب على مصر توسيع قدرة مرافق الغاز الطبيعي المسال في دمياط وإدكو عن طريق إضافة قطارات تسييل جديدة، وهي مؤسسة فعالة من حيث التكلفة يمكن تحقيقها في غضون ثلاث سنوات علي حد وصف المختصيين، والجدير بالذكر أن إسرائيل بإمكانها تصدير الغاز الفائض إلى أوروبا بنحو 500 مليار متر مكعب خلال العقدين المقبلين.
لا شك في أن مصر يمكن أن تساعد أوروبا في مواجهة التحديات القادمة في سوق الطاقة العالمي وتلبية احتياجاتها من الغاز، حيث تتمتع القاهرة بوضع جيد يسمح لها بزيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا، ولكن أحد القيود الإضافية هو أن محطات الغاز الطبيعي المسال في الدول الأوروبية لديها قدرة محدودة على استقبال الإمدادات، وبالتالي، يتعين على الدول الأوروبية إما تحديث المحطات القائمة أو إنشاء محطات جديدة لتوسيع قدرتها على استقبال الغاز الطبيعي المسال من شرق البحر الأبيض المتوسط.
توفر الحرب على أوكرانيا فرصة ذهبية لبلدان المنطقة لإنتاج الغاز ونقله بشكل مشترك إلى أوروبا، ويمكن أن يساعد هذا الأخير دول شرق البحر الأبيض المتوسط على الالتقاء وصياغة اتفاقيات تعاون طويلة الأجل في مجال الطاقة من شأنها أن تعود بالنفع على اقتصادات جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي مساعدة دول شرق البحر الأبيض المتوسط على تطوير الموارد المغلقة بسبب النزاعات البحرية التي لم يتم حلها والتي يمكن تسويتها من خلال المحادثات المباشرة أو وسائل أخرى مثل الوساطة.
و يندرج الخلاف البحري الإسرائيلي اللبناني في هذه الفئة، حيث تسمح الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر ودول المنطقة مثل اليونان وقبرص باستخراج كميات أكبر من الغاز الإقليمي من خلال التنقيب المشترك وربط خطوط الأنابيب الوطنية، ولقد خلقت اتفاقيات ترسيم الحدود هذه، "سابقة إيجابية" لبلدان المنطقة الأخرى على الاقتداء بها، ومن المعروف أن النزاعات البحرية طويلة الأمد في شرق البحر الأبيض المتوسط تعيق حاليًا نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب، وهو أرخص لمسافات قصيرة نسبيًا.
تستكشف دول، مثل اليونان، طرقًا لجلب الغاز الإقليمي إلى أوروبا، حيث قد يكون خط أنابيب الغاز المقترح في شرق البحر الأبيض المتوسط مكلفًا وبالتالي فرص الاعتماد عليه أقل، وتركز الحلول البديلة على محطة الغاز الطبيعي المسال في فاسيليكوس، جنوب قبرص، وهي قيد الإنشاء بالفعل، ومن المقرر أن تستقبل الغاز في منتصف عام 2023.
أدت الحرب على أوكرانيا إلى تسريع الجهود المبذولة لتنفيذ المشاريع ذات الأهمية الإقليمية مثل مشروع "كابل الربط الكهربى"، وهو طريق سريع للكهرباء بسعة 2000 ميغاواط يربط شبكات الكهرباء في مصر وقبرص واليونان من خلال كابل تيار مباشر عالي الجهد، تحت سطح البحر بطول 1،396 كيلومتر، هذا من شأنه أن يخلق طريقًا بديلًا موثوقًا به لنقل الطاقة الكهربائية إلى أوروبا.
بشكل عام، يجب حصر البحر الأبيض المتوسط في استراتيجية أوروبية، تدعو الدول من جميع أنحاء المنطقة إلى أن الغاز الطبيعي المسال، الذي تم قبوله كوقود أحفوري صديق للبيئة، يجب أن يحل محل إمدادات الطاقة الروسية في المدى المتوسط، حيث أثارت الحرب على أوكرانيا مناقشات ومبادرات مكثفة تم الاضطلاع بها في بروكسل لشراء موارد الطاقة بشكل مشترك في وقت قصير نسبيًا... الالتزام الأمريكي بتزويد أوروبا بـ15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال هذا العام و50 مليار متر مكعب في عام 2023 سيحل عمليًا محل ثلث الإمدادات الروسية إلى أوروبا، وبالتالي تعزيز الشراكة عبر المحيط الأطلسي.
في العقدين المقبلين، يمكن أن يغير الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة قواعد اللعبة في أوروبا، ومن المتوقع أن تقوم مشاريع مثل " جرين أيسلاند" في جزر البليار الإسبانية، ومشروع "نيمو"، على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، بتحويل الهيدروجين إلى أوروبا ومساعدة القارة على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55٪ على الأقل بحلول عام 2030، وتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
ومن الواضح أن مشاريع الغاز والهيدروجين في شرق البحر الأبيض المتوسط تقع في بؤرة أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، الذي يتم بناؤه من خلال الانتقال السريع للطاقة البديلة، ويتعلق الأمر بمسار يتفاعل فيه شرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا بهدف تحويل قطاع الطاقة وبناء مستقبل خالٍ من الكربون للأجيال الحالية والقادمة.