حسين معوض يكتب : مليارات مصر المنسية فى السعودية

مقالات الرأي

حسين معوض يكتب :
حسين معوض يكتب : مليارات مصر المنسية فى السعودية

تحتاج مصر الآن إلى ثورة تصحيح.. تحتاج أن يشعر كل من تولى المسئولية أنه يعيش فى بلد ثائر متحرك لا يقبل أنصاف الحلول، ولن ينتظر فى صفوف البيروقراطية حتى يشعر بالتغيير الحقيقى، ولا يشفع للحكومة الجديدة أنها مؤقتة، ولن يشفع للرئيس الجديد أنه رئيس طوارئ، كل من قبل تولى منصب عليه أن يثبت أنه يستحق حالة التمرد التى رفضت الفاشلين.

الآن يجب أن تتحرك كل عجلات الإنتاج، بأقصى طاقتها، فى اتجاه التنمية والعدالة والحرية والكرامة.

المقدمات حتى الآن تدعو للتفاؤل، فالحكومة بدأت فى إرسال إشارات جيدة للعالم الخارجى والداخلى، سربت أن مصر ترى أن الوقت غير مناسب للعودة لطاولة التفاوض حول قرض صندوق النقد الدولى، حسب التصريح الوحيد لأشرف العربى قبل توليه وزارة التخطيط رسميا، ولم تطلب إعانات من الخليج أو من الدول الغربية، وإن تطوع الأشقاء فى الخليج بتقديم حزم المساعدات، كما أعلنت روسيا عن استعدادها لتقديم دعم اقتصادى لمصر، خاصة توفير القمح.

الإشارة الأكثر تطمينا هى توجه الحكومة لطلب استثمارات من الخليج ومن الشركاء الغربيين، وليس قروضًا.

لكن قبل القروض أو الودائع أو الاستثمارات يجب أن تنظر الحكومة فى الاستثمارات المعطلة، وخاصة برنامج الدعم السعودى لمصر، وهو برنامج وقعته السعودية مع مصر فى شهر يونيو 2011، وكانت القيمة الإجمالية للدعم تقترب من 4 مليارات دولار، وحجم الأموال المعتمدة فى هذا البرنامج سواء منحا أو قروضا كافية لتجنيب مصر عددا من الازمات التى بدأت تضغط على اقتصادها.

الغريب أن الحكومة المصرية تراخت فى متابعة هذا البرنامج، وتم تجميد كم هائل من الأموال لم يسأل عنها أحد.

بموجب هذا البرنامج دعمت السعودية الموازنة العامة للدولة بقرض ميسر بقيمة 500 مليون دولار، وتعهدت السعودية بمنحة أخرى لا ترد قيمتها 500 مليون دولار لم يتم تحصيلها حتى الآن، وشراء سندات بـ500 مليون دولار، وتخصيص مبلغ 500 مليون دولار للمشاريع الإنمائية كقرض ميسر من الصندوق السعودى للتنمية تم استخدام 230 مليون دولار منها ويتبقى 270 مليون دولار.

كذلك تقديم 200 مليون دولار كمنحة تودع بصندوق أو حساب دوار لتمويل المشاريع المنتجة مثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة يتفق على اسلوب إدارته مع الصندوق السعودى للتنمية.

وخط ائتمان لتمويل الصادرات السعودية لمصر بمبلغ 750 مليون دولار خصص منها 250 مليون دولار للمشتقات البترولية، وتبقى لمصر فى هذا الحساب 500 مليون دولار تطالب به فى أى وقت حسب رغبتها.

وتم إيداع مبلغ مليار دولار فى البنك المركزى المصرى حسب الترتيبات التى تم الاتفاق عليها بين مؤسسة النقد العربى السعوى والبنك المركزى السعودى.

يقف النظام الجديد فى مصر الآن أمام اختبار صعب، فالوضع الاقتصادى سيئ، والاحتياطى من النقد الاجنبى وصل مرحلة حرجة، والنظام الإخوانى أفرط فى الاقتراض، واقترض مليار دولار شهريا، ليصل إجمالى قروضه الى 12 مليار دولار.

العروض العربية تبدو مقبولة حتى الآن، الكويت قالت إنها ستقدم مساعدات عاجلة لمصر بقيمة 4 مليارات دولار فى صورة وديعة بقيمة 2 مليار دولار ومليار دولار منحة لا ترد ومشتقات نفطية بقيمة مليار دولار، وقالت المملكة العربية السعودية إنها ستقدم مساعدات بقيمة 7 مليارات دولار لمصر، وأعلنت الإمارات عن تقديم حوالى 3 مليارات دولار لمساندة مصر فى المرحلة الانتقالية.

للأموال الخليجية دور مهم آخر فى دعم عملية تصحيح مسار الثورة بعد الاإاحة بحكم الإخوان المسلمين، وكانت الإمارات هى أكثر الدول العربية قدرة على المواجهة والدخول على خط التهديدات التى تواجهها مصر من أنصار الإخوان فى الخارج وعلى رأسها تركيا.

مصرف الامارات المركزى بادر بإرسال علامات الغضب من الموقف التركى تجاه مصر، وأرسل المصرف خطاب للبنوك الإماراتية يطالبها بكشوف تعاملاتها مع تركيا أو استثماراتها هناك، وهو ما يمثل عملية مراجعة للاستثمارات الإماراتية الضخمة فى تركيا.

بوادر الازمة الاقتصادية بين الخليج وعلى رأسه الامارات وتركيا عززت من المخاوف التى تحيط بالاقتصاد التركى بعد تراجع الليرة التركية بنسبة 9 بالمائة منذ مايو الماضي بسبب مخاوف المستثمرين من الاحتجاجات على الحكومة وعزم الولايات المتحدة خفض برنامج التحفيز النقدي، وكانت البنوك الإماراتية مشتريًا رئيسيًا للديون التركية خلال الفترة الأخيرة وخاصة الصكوك.

ننتظر من الخليج بعد الثورة أن يدعمونا باستثماراتهم لا بديونهم، ونحتاج من حكومتنا أن تخرج علينا بحلول سحرية، وعصا موسى، ومصباح علاء الدين، فهى حكومة ولدت من رحم أضخم مظاهرات عرفها التاريخ، وعليها أن تقدم إجابات عن أسباب فشل الإخوان، وعليها أن تعالج أسباب الفشل، وتبتكر أدوات النجاح.

والقيمة الحقيقية للعروض الخليجية أنها تصنع حالة توازن فى مواجهة التغول القطرى فى الاقتصاد المصرى، وقروضها لمصر خلال عام واحد من حكم مرسى، التى وصلت الى 8 مليارات دولار، وهو رقم يسبب أزمة حقيقية فى حالة انسحابه المفاجئ من مصر.

ضخامة القروض القطرية وشروطها الصعبة تكشف أهم سبب من أسباب فشل الإخوان، فهم لم يروجوا لاستثمارات حقيقية، ولذلك لا نجد قيمة حقيقية لاستثمارات قطرية فى مصر خلال حكم مرسى. كما أن الإخوان رفعوا سقف التوقعات والطموحات لدى العاطلين الذين يبحثون عن فرصة عمل، وروجوا لاستثمارات وهمية بعشرات ومئات المليارات من الصين وقطر وروسيا.

الآن يعرف المصريون حجم التحديات، واكتشفوا الخدع والأوهام، ولا يتعجلون تحقيق مطالبهم الفئوية، شريطة أن يشعروا بالعدل، وأن الحكومة لا تنحاز لفئة كبار الموظفين ورجال الأعمال، وتنحاز للإنجاز، وللملفات الشعبية مثل الدعم والبطالة، وأنها لن تورطهم فى قروض فوق طاقتهم.