«من ملوك مصر القديمة».. الملك الذي تزوج ابنته وأجلسها على العرش مكان أمها
يُعد عصر الرعامسة من العصور التي تركت آثار هامة ومتميزة والتي تعتبر ثروة أثرية لا تضاهيها ثروة أخرى في العالم، ومن أبرز ملوك تلك الفترة هم الذين حملوا الاسم رع مس سيس من الأول وحتى الحادي عشر، ولذلك يحمل العصر لقب عصر الرعامسة، واليوم نتناول شخصية من شخصيات تلك الفترة وتحديدًا حول جانبها الاجتماعي أكثر من الإنشائي.
حكم الرعامسة مصر 225 عامًا مقسمين على أسرتين، وهما الـ 19 والـ 20، وحمل أبرز ملوكها اسم رمسيس وهو بالهيروغليفية، رع مس سيس وتعني ابن الإله رع، وأسس الأسرة التاسعة عشرة الملك رمسيس الأول ثم تلاه في الحكم سيتي الأول ثم حكم من بعد ابنه الملك رمسيس الثاني.
الملك رمسيس الثاني
ويُعد الملك رمسيس الثاني أو بالهيروغليفية، رع مس سيس، واسمه عند الولادة أوسر ماعت رع ستب إن رع، حكم من 1279 إلى 1213 ق.م، تولى ولاية العهد في حياة أبيه سيتي الأول وهو في عمر الرابعة عشرة، وحكم فترة طويلة وصلت إلى 66 عامًا، ولُقب بالملك البنّاء لكثرة ما ترك من مباني ومنشآت، ومنها معبد أبو سمبل وعدد كبير من المباني في ميت رهينة، والصرح الأول في معبد الأقصر، ومعبد الرامسيوم غربي الأقصر والذي يضم تمثال 1000 طن من الجرانيت، وكان من أكبر انتصاراته معركة قادش ضد الحيثيين، حيث استطاع تحجيم توسعاتهم.
حياته الاجتماعية
تزوج الملك رمسيس الثاني من نفرتاري، واسهما (نفرتاري ماري-معت أو معت-نفرتاري) وكانت من عائلة نبيلة، فأخيها أمينوس شغل منصب عمدة طيبة، وقد تزوجها وهي في الـ 13 من عمرها، وفي هذا الوقت كان رمسيس الثاني وليًا للعهد ثم تولى رمسيس الحكم وهي في عمر الـ 15، وظلت أهم زوجاته الـ 8 المعروفات له لمدة لم تقل عن 20 عامًا كاملة.
وكلمة نفرتاري تعني المحبوبة التي لا مثيل لها، أو جميلة الجميلات، واشتهرت نفرتاري بشدة بسبب العناية التي حابها بها زوجها الملك رمسيس فقد زين مقبرتها بشكل ملفت وهي الأكبر والأبرز في وادي الملكات، كما صنع لها معبدًا كاملًا بجانب معبده في أبو سمبل، وجعل حجم تماثيلها يماثل حجم تماثيله.
وكلمة نفر هنا معناها الطيب أو الحسن، وترجمها المؤرخون لأحسنهم أو أفضلهم أو أطيبهم، وسميت نفرتاري تيمنًا بأحمس نفرتاري ملكة الأسرة الـ 18، وألقابها الأميرة الوراثية، الزوجة الملكية الكبرى، وسيدة الأرضين، ربة مصر العليا والسفلى، زوجة الإله، مليحة الوجه، والوسيمة ذات الريشتين، ويُعتقد أن زواج رمسيس الثاني منها كان لتعضيد مركزه في جنوب الوادي، نظرًا لمكانتها الكبيرة في طيبة، خاصة وأن أصوله ترجع إلى شرق الدلتا.
الملكة الابنة
تعد الزوجة الثانية للملك رمسيس الثاني وأبرز زوجاته هي ابنته من زوجته الأولى نفرتاري وهي الملكة ميريت آمون ومعناها محبوبة آمون، وكان ترتيبها بين أولاده الرابعة، وجلست على عرش مصر بعد وفاة أمها، وحملت لقب الزوجة الملكية، وكانت الكاهنة للربة حتحور، وأوصافها كما جاء في كتاب موسوعة أقاليم مصر القديمة، “إنها جميلة المحيا مضيئة لقصرها، حبيبة سيد القطرين، تقف دائمًا إلى جانب مليكها رمسيس الثاني كما يجاور نجم الشمال الجوزاء عازفة الشخشيخة سيستروم للآلهة موت وعازفة الهارب للآلهة حتحور منشدة طروب لباقي الآلهة”.
ومن ضمن أبرز آثار الملكة ميريت آمون تمثالها الضخم الذي يقف شامخًا بطول 13 مترًا في أخميم بسوهاج، ويطلق عليه الأهالي لقب العروسة وهو أجمل التماثيل التي جسدها المصري القديم، حيث برع في تجسيد ملامح الملكة الرقيقة، والتي هي مصرية أصيلة ابنة ملك مصري أصيل، وهو الملك رمسيس الثاني، وهو مصنوع من الحجر الجيري الأبيض.
زواج الملك رمسيس من بناته
وعن سبب زيجات الملك رمسيس الثاني من بناته قول بسام الشماع المؤرخ المعروف والمرشد السياحي الشهير، في تصريحات إلى الفجر، إن هذا يرجع للأعراف المصرية القديمة، والتي كانت تشترط أن يكون الملك متزوجًا، وليس هذا وفقط، بل يجب أن تكون زوجته من الدماء الملكية الخالصة، لأنه في حالة وفاة زوجته الملكية الأولى يجب أن تكون هناك زوجة ملكية من دماء ملكية خالصة.
وهنا يجب أن نسرد الموضوع بدقة، -والكلام للشماع- فقبل أن يصعد رمسيس للعرش كان متزوجًا من إيزيس نفرت وله منها ولدين، وكانت أم أكبر بناته وهذه الابنة كانت تدعى بنت عنات، ونجد أنه لا مشهد واحد لإيزيس نفرت لمدة 20 عامًا، حيث ظلت نفرتاري هي الزوجة الملكية العظيمة، وظهرت إيزيس نفرت تدريجيًا بعد وفاة نفرتاري، كما بدأت تظهر في الوثائق الرسمية، وفي لوحة تذكارية بأسوان تظهر إيزيس نفرت خلف رمسيس الثاني كزوجة ملكية عظيمة.
وقد تزوج رمسيس الثاني ثلاثة من بناته، منهن ميريت آمون، وهي ابنته من نفرتاري، وكذلك تزوج من إبنته «بنت عنات» وهي ابنته من ايزيس نفرت، وتم تصوير «بنت عنات» في أبو سمبل كزوجة ملكية عظيمة، وقد تزوجها بعد وفاة أمها إيزيس نفرت، وبعد موت رمسيس الثاني تزوجت بنت عنات من أخيها مرنبتح، وهو خليفة الملك رمسيس الثاني على العرش، وذلك كي تعطية الشرعية الكاملة في الحكم.
ويبدو أن ميريت آمون لم يتزوجها رمسيس الثاني إلا بعد زواجه من «بنت عنات» ابنته من إيزيس نفرت، أي أن ميريت آمون أصبحت زوجة ملكية عظيمة لأبيها، بعد موت كل من أمها نفرتاري، وزوجة أبيها إيزيس نفرت، ويبدو أنه جمع بين الأختين «بنت عنات» وميريت آمون في وقت واحد، ولكن صارت ميريت آمون هي الزوجة الأعظم.