الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج وتعدد الروايات فيها
لقد روى أحاديث الإسراء والمعراج كثير من الصحابة- رضوان الله عليهم- وتلقّاها عنهم الرواة العدول الضابطون، وخرّجها أئمة الحديث والتفسير بالمأثور في كتبهم، كالأئمة: البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، وابن جرير الطبري، وغيرهم، وذكرهاالإمامان محمد بن إسحاق، وعبد الملك بن هشام في سيرتيهما. قال العلّامة ابن كثير في تفسيره: «قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية فيكتابه «التنوير في مولد السراج المنير» بعد أن ذكر حديث الإسراء والمعراج من طريق أنس بن مالك، وتكلم عليه فأفاد وأجاد: “ وقد تواتر الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وشدّاد بن أوس، وأبيّ بن كعب، وعبد الرحمن بن قرظ، وأبي حبة ، وأبي ليلى الأنصاريين، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر،وحذيفة، وبريدة، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي أمامة، وسمرة بن جندب، وأبي الحمراء، وصهيب الرومي، وأم هانىء بنت أبي طالب، وعائشةوأسماء ابنتي أبي بكر الصديق- رضي الله عنهم أجمعين- منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع من المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحيح، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة، والملحدون يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون".
قول ابن كثير
قال ابن كثير: " وقد رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جبريل ـ عليه السلام ـ على صورته التي خلقه الله عليها مرتين: الأولى عقب فترة الوحى، والنبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ نازل من غار حراء، فرآه على صورته فاقترب منه، وأوحى إليه عن الله ـ عز وجل ـ ما أوحى، وإلية أشار الله بقوله: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِما أَوْحى }(النجم الآية 5: 10)، والثانية: ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي المشار إليها في هذه السورة " النجم " بقوله تعالى: { وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى }(النجم الآية 13: 14 ).
تعدد الروايات فيها
وقد تعددت روايات الإسراء والمعراج في السيرة والأحاديث النبوية الصحيحة، وليس هناك حديث واحد يجمع ما ورد من أحداث خلال هذة الرحلة المباركة، وإنما هناك أحاديث كلٌّ منها يُشِير إلى جزء أو جانب، وقد أورد السيوطي: " أن الإسراء ورد مطوَّلًا ومختصرًا من حديث أنس وأُبَيِّ بن كعب وبُرَيْدَة، وجابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان وسَمُرة بن جُنْدُب، وسهل بن سعد وشدَّاد بن أوس وصُهَيب، وابن عباس وابن عمر وابن عمرو، وابن مسعود وعبد الله بن أسعد بن زرارة وعبد الرحمن بن قُرْط، وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ومالك بن صعصعة،وأبي أُمَامَة وأبي أيُّوب وأبي حبَّة، وأبي الحمراء وأبي ذَرٍّ وأبي سعيد الخدري، وأبي سفيان بن حرب وأبي ليلى الأنصاري وأبي هريرة،وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر، وأم هانئ وأم سلمة.. وعدَّ الإمام القسطلاني في المواهب اللدنِّيَّة ستَّة وعشرين صحابيًّا وصحابيَّة رَوَوْاحديث الإسراء والمعراج، لذا فهو حديث متواتر مع نصِّ القرآن عليه في سورتي الإسراء والنجم ".
نهر الكوثر
ورأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رحلته المباركة الكوثر، وهو نهرٌ خصه الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إكرامًا له، فعن أنس بن مالك ـرضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت ما هذا ياجبريل، قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر ) رواه البخاري.
وشاهد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الجنة ونعيمها، وفي المقابل، وقف على بعض أحوال الذين يعذّبون في نار جهنم، ومنهم الذين يقعون في الغيبة ويخوضون في أعراض المسلمين، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لما عُرِجَ بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) رواه أبو داود.
ورأى أقوامًا تقطَّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار، فقال له جبريل - عليه السلام -: ( هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟ ) رواه أحمد وصححه الألباني.