ثلاث مناسبات تحدث فيهم المسيح قبل الصلب.. تعرف عليهم
قال القمص يوحنا نصيف، راعي كنيسة السيدة العذراء مريم، للاقباط الارثوذكس في ولاية شيكاغو، بالولايات المتحدة الامريكية، في تصريح له عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: إنهتحدّث السيّد المسيح عن حَمْل الصليب، قبل أن يُصلَب، على الأقل في ثلاث مناسبات متنوِّعة..
المناسَبة الأولى: عندما قال للجموع: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي." و
المناسبة الثانية (وهي التي نقرأها في الأحد الثالث من هاتور): عندما كان سائرًا ووراءه جموع كثيرة، فالتفت وقال لهم: "مَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا."
المناسبة الثالثة: في حديثة مع الشّابّ الغنيّ الذي جاء يسأله عن كيف يرث الحياة الأبديّة، فأجابه: "يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ" وهنا نلاحظ أنّ التلاميذ والجموع في الثلاث مرّات لم يستفسروا عن معنى حَمْل الصليب، إذ يبدو أنّه كان شيئًا معروفًا لهم..!
عقوبة الإعدام صَلبًا كان معروفة للناس في ذلك الوقت، وكان مُعتادًا من حينٍ لآخَر أن يَرى الناسُ أحدَ المحكوم عليهم بالصّلب يسير في شوارع المدينة حاملاً صليبه ذاهبًا إلى موقِع تنفيذ حُكم الإعدام خارج البلد، إذ أنّ منظر المصلوب المُعلّق عريانًا هو منظر صعب جدًّا، وليس من المناسب أن يكون موقعه أحد شوارع أو ميادين المدينة أو القرية، فكان الصلب يتمّ تنفيذه خارج الأسوار.
كانت مسيرة المُجرم المحكوم عليه بالإعدام حاملاً صليبه، في شوارع أيّ مدينة قبل صلبِه، إجراءًا إجباريًّا كجزء من العقوبة بحسب القانون الروماني، وله معنى هام تريد الدولة توصيله للشعب.. وهو أنّ هذا المُجرم الذي كسر القانون يجب أن يعرف، ومعه كلّ الشعب، أنّه ليس أحدٌ فوق القانون، والجميع يجب أن يخضعوا للقانون.. فالصليب الموجود فوقه وهو يسير منحنيًا تحته أمام الجميع يشير إلى أنّ القانون فوق الكلّ، يجب على الجميع احترامه، وإلاّ ستكون النتيجة الحتميّة هي الموت لمثل هذا الشخص الذي يتعدّى على القانون.
إذا وضعنا في أذهاننا الخلفيّة السابقة، بجوار ما حدث بالفِعل في حياة السيّد المسيح؛ الذي حمَل الصليب، وارتضى أن يتّخذه وسيلة اقتحام الموت، ليخلّص البشريّة من براثنه، ويأخُذها معه ويدخُل بها إلى المجد.. نستطيع أن نفهم أنّ حَمْل الصليب يتضمّن هذه الثلاثة معاني:
أوّلاً: حمل الصليب معناه خضوعنا بالكامل لمشيئة الله في حياتنا، وتنفيذ وصيّته بدون شكوى أو تذمُّر..
ثانيًا: حمل الصليب هو مسيرة وراء المصلوب، تنتهي بالصّلب ثمّ القيامة.. فحمل الصليب ليس نُزهةً لبعض الوقت، وليست اختياريّة في حياة تلاميذ يسوع المصلوب الذين يتبعونه طول الطريق.. هم يُدركون أنّهم في الطريق إلى الصلب والموت معه، وهم مستعدون لهذا، بل ويفرحون به.
ثالثًا: حمل الصليب مع المسيح هو قبول واحتمال الآلام من أجله، كوضع يثبّتنا ويضبطنا في الطريق الضيّق المؤدّي إلى الحياة والمجد.. وهذا ما أوضحه الرب يسوع في عتابه لتلميذيّ عمواس بعد قيامته: "أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟" .. وهو أيضًا ما أكّده القديس بولس الرسول في رسالته للعبرانيين: "يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ.. وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ.. يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ."
لهذا يحمل أولاد الله الصليب بفرح، خلف رئيس خلاصهم، خاضعين لمشيئته، مستعدّين للموت بلا خوف، متيقّنين أنّهم في الطريق للمجد الأبدي الفائق للوصف.