الأمن القومي خط أحمر.. لاءات مصرية في وجه ترامب

مقالات الرأي

أحمد سامي
أحمد سامي

لا يوجد وصف آخر للعجرفة التي يتحدث بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، إلا وصفا واحدا وهو «وقاحة»، ذلك أن الرجل لم يخجل في إملاء شروط على دول مستقلة ذات سيادة، مثل مصر والأردن، إذ أنها شروط مجحفة في حق أشقائنا الفلسطينيين، لم تراع حقوقهم المسلوبة على مدار السنوات الماضية، وفي حق أمننا القومي.

يبدو أن ترامب توهّم، ولو لوهلة، أن مصر قد ترضخ لإملاءات عبثية تمسّ أمنها القومي، متجاهلًا أن ما يسعى إليه ليس سوى جزء من حلم صهيوني مفضوح، جوهره استهداف الجيش المصري، الحصن الحصين والكيان العسكري الأقوى والأكثر تدريبًا وتسليحًا في المنطقة. 

ذاك الجيش الذي طالما كان العقبة الكبرى أمام المخططات التوسعية للكيان المحتل، والذي يحلم الصهاينة بتفكيكه واحتلال أرضه ضمن أوهام مشروعهم الأكبر "من النيل إلى الفرات"، ولكن هيهات أن يتحقق لهم ذلك.

فمنذ اللحظة الأولى، أدركت مصر بذكاء أبعاد هذا المخطط الخبيث، ووعت جيدًا حجم الخطر المحدق بها منذ اندلاع هجوم السابع من أكتوبر، فهي تعلم أن الهدف الحقيقي ليس غزة ولا الضفة ولا جنوب لبنان، بل سيناء، التي يعتبرها إعلام الاحتلال التهديد الأكبر لكيانه. 

بل إن بعض الأصوات الصهيونية لم تتردد في الدعوة علنًا إلى فتح جبهة مع القاهرة، ضمن محاولات توسيع رقعة الصراع، مدعومة بالدعم الأمريكي والغربي غير المحدود، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، لتحقيق الحلم الصهيوني على حساب الأمن القومي المصري.

القيادة السياسية تدرك جيدًا أن دعوة ترامب ليسن لمجرد إعادة إعمار غزة وإعادة سكانها إليها، بل الحقيقة تكمن في مخطط إسرائيلي خبيث، لنقل مركز عمليات الحرب من غزة إلى سيناء. 

فبمجرد استقرار الغزيين هناك، ستدّعي إسرائيل أن أمنها بات مهددًا من سيناء، وسترفع شعار «حق الدفاع عن النفس»، ليهرول الغرب -الذي لا يعترف إلا بمنطق القوة- لدعمها بالأسلحة والعتاد، تمامًا كما يفعل منذ 15 شهرًا من القصف المستمر على القطاع.

إن موافقة مصر على تنفيذ طلب ترامب -وهو ما لن يحدث أبدًا- ستسجل في صفحات التاريخ كوصمة عار لا تُمحى، وستُذكر إلى الأبد أن القاهرة كانت كخنجر مسموم في قلب القضية الفلسطينية، والمسمار الأخير في نعش الدولة التي ناضلت لأكثر من 70 عامًا من أجل حقها المشروع في الوجود.

كما أن القبول بهذا المخطط لن يكون سوى تعرية لظهر الجيش المصري، الحصن العربي الأخير في المنطقة، وإعلانًا غير مباشر لحرب محتملة بينه وبين الكيان الصهيوني، وهو ما تدركه القيادة السياسية جيدًا، وتتعامل معه بحكمة ووعي استراتيجي.

وإذا كان ترامب يبحث عن بديل لمخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن، فالحل أمامه بسيط للغاية: يمكنه أن يطلب من إسرائيل استيعابهم في صحراء النقب الشاسعة، وإن لم يكن ذلك مقبولًا لديه، فليعرض على حليفته تل أبيب خيارًا آخر أكثر إنصافًا، وهو استضافة اليهود في أي ولاية من ولايات بلاده الخمسين، بدلًا من فرض حلول ظالمة على دول أخرى.

والواقع أن المصريين جميعًا، اليوم أكثر من أي وقت مضى، يقفون صفًا واحدًا خلف الرئيس عبد الفتاح السيسي في رفض مخطط التهجير، إذ لم تعد الأسعار أو أي هموم أخرى تشغلهم بقدر ما يشغلهم التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية. 

وليس رفضهم لهذا المخطط نابعًا من عدم الترحيب بالأشقاء الفلسطينيين، بل على العكس، فكل مصري يتمنى لو يتمكن من استقبالهم اليوم قبل الغد، لحمايتهم من القصف ولحين إعادة إعمار بيوتهم. 

ولكن الحقيقة التي يدركها المصريون -كما يدركها الفلسطينيون أنفسهم- أن إخراجهم من أرضهم ليس إلا جزءًا من مخطط خبيث يهدف إلى إحكام السيطرة على القطاع وطمس القضية الفلسطينية نهائيًا.

وكذلك فإن المصريين -بفطرتهم الراسخة- يرفضون بشكل قاطع أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، ليس رهبة من مواجهة الصهاينة، بل إدراكًا لحقهم التاريخي وموقفهم الثابت، ولعل في نصر أكتوبر 73 درسًا بليغًا لمن ظن ولو لوهلة أنه قادر على انتزاع شبر واحد من أرض مصر.

إن ثقتنا في القيادة السياسية راسخة لا يتطرق إليها شك، وولاؤها للوطن أمر محسوم لا يقبل المزايدة، ونوقن تمامًا أنها لن ترضخ لتلك الإملاءات العبثية، فأن نحيا بكِسرة خبز وملح أشرف ألف مرة من أن نكون أداة في تصفية القضية الأم، أو نخون أشقاءنا، أو نفرط في الأقصى، أو نسمح لعدو لا يعرف إلا لغة القوة بأن ينال من جيشنا الحصين.