لما ذكر الإنجيل سقطة داود البار؟.. راعي كنيسة شيكاغو يجيب

أقباط وكنائس

يوحنا نصيف
يوحنا نصيف

تحتفل الكنيسة القبطية الارثوذكسية بنهضة داوود النبي بدءا من يوم 1 يناير الله كاتب المز  امير التي تقرأ في صلوات المسيحيين أكثر من 80 مرة في اليوم الواحد.

وعن داوود النبي قال القمص يوحنا نصيف، راعي كنيسة السيدة العذراء مريم للأقباط الأرثوذكس في شيكاجو، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن مملكة إسرائيل كانت في حالة حرب مع العمونيّين، فذهب يوآب مع باقي الجيش إلى الحرب، أمّا داود فأقام في أورشليم.

جاءت مراحل السقوط بالترتيب التالي: كسل - فراغ - عدم وضوح الهدف - نظرات حائرة - نظرة شريرة - عدم طلب معونة الله - عدم الابتعاد عن مصدر الخطيّة وعدم طرد الفكرة بقوّة - السماح بدخول الشهوة إلى القلب - السقوط بالفِعل.
هنا نفهم معنى الآية: الشهوة إذا حبلت تلد خطيّة، والخطيّة إذا كملت تُنتِج موتًا (يع1: 15).

الشيطان دائمًا يزيِّن الخطيّة.. فمع أنّ داود كان متزوّجًا من نساء جميلات، فقد بدا له أنّ "المرأة جميلة المنظر جدًّا" (2صم11: 2)، تمامًا مثل ثمرة شجرة معرفة الخير والشرّ، التي بدَت أنّها جيّدة للأكل، وبهجة للعيون، وشهيّة للنظر (تك3: 6).

الشيطان يهيِّئ فخاخه جيِّدًا، فقد كانت المرأة مُطهَّرة من طمثها.. أي تأكّد داود أنّها جاهزة للعلاقة الجسديّة، وليس هناك مخالفة شرعيّة من ناحية هذا الأمر، بينما احتقر الوصيّة القاطعة والأهمّ التي هي: "لا تَزْنِ".

ربّما أحسّ داود بالتعالي، لكون أوريّا الحثّي وزوجته غير يهوديّين في أصلهما، أو على الأقلّ أوريّا لم يكُن.

جاءت العواقب سريعة، حبلت المرأة وأخبرت داود، الذي أراد أن يغطّي على فعلته الحمقاء باستدعاء أوريّا الحثّي من الحرب إلى بيته.

عندما طلب داود من أوريّا أن يذهب إلى بيته، خرجت من ورائه حصّة من عند الملك، والمقصود هديّة كما جاءت في النسخة السبعينيّة.. ولعلّها مأكولات ومشروبات للاحتفال مع زوجته في بيته، لماذا نام أوريّا على باب بيت الملك ولم يذهب إلى بيته؟!

 كان قلب أوريّا مُركّزًا في عمل الربّ، وفي الجهاد من أجل شعبه، فلم يكُن مستعدًّا لعمل أيّ شيء آخَر، لذلك قال لداود: التابوت، وإسرائيل، ويهوذا، ساكنون في الخيام، وسيّدي يوآب، وعبيد سيّدي، نازلون على وجه الصحراء، بينما يُطلَب منه أن يتنعّم في أجازة مع امرأته في بيته.. حاشا.

حاول داود بأسلوب الملاطفة ثمّ الخداع مع أوريًّا، بأن يجعله يأكل معه على مائدته ويسكر.. ولكنّ داود لم يُفلِح في هدفه، ولم يذهب أوريّا إلى بيته.

حتّى هذه اللحظة كان يمكن لداود أن يتوب، ويعترف بخطيّته، ويعتذر لأوريّا ويتحمّل أيّ نتيجة يمكن أن تحدث، ولكنّه تمادى في الخطأ محاوِلًا التغطية على فِعلته الشنيعة. ولمّا لم يُفلِح في التغطية، تمادى فيها بإضافة جريمة مُخيفة عليها، وهي جريمة القتل.. لعلّ هذا يذكّرنا بالتي تسعى لإجهاض نفسها بعد ارتكابها لخطيّة زنى.

قد لا ينتبه الناس لخطورة أفعال الشرّ.. لكنّ الله يفحص كلّ الأعمال، ويَزِنُها بميزان العدالة الكاملة، فالأخطاء التي أراد داود أن يخفيها، قد صارت معروفة ومفضوحة لمئات الملايين من البشر، عبر كلّ التاريخ.

لا ننسى أنّ داود كان كبيرًا في عينيّ الله، لذلك فأخطاؤه أيضًا لم يكُن من السهل التغاضي عنها.. فمَن يأخُذ وزناتٍ أكثر يُطالَب بأكثر، حسب كلام السيّد المسيح الديّان العادل: "كُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ" (لو12: 48).

هل طوال هذه الفترة، غابت الصلاة عن حياة داود.. ولو لمرّة واحدة، حتّى يتحرّك قلبه للتوبة..؟!!!. هنا نلاحظ مخاطر الغفلة الطويلة.. فكما يقول القدّيس أنبا صموئيل المعترف: احذروا الغفلة فهي أمّ الأوجاع، وهي تُرَبِّي الزوان.

كَتَبَ داود رسالة إلى يوآب، وأرسلها بيد أوريّا: اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة، وارجِعوا من ورائه، فيُضرَب ويموت،
نلاحظ مدى أمانة وإخلاص هذا الرجل البريء أوريّا، الذي يوصِّل بيديه الرسالة التي تقضي بإعدامه، دون أن يفتحها.

ماذا تفعل يا داود؟!. انتبه، إنّك لا تكتب فقط قرارًا بقتل أوريّا، إنّك تكتب ايضًا أمرًا بدخول السيف لبيتك ولهلاك أولادك.. ماذا تضع في كأسك يا داود؟، كلّ المرارة التي تضعها سوف تشربها أنت بكلّ تأكيد، لأنّ كلام الإنجيل حقّ: بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم (مت7: 2)، والذي يزرعه الإنسان إيّاه يحصد أيضًا (غل6: 7).

هل كان أخيتوفل وراء هذه الخِطّة والمشورة الجهنّميّة لقتل أوريّا؟! قد يكون هذا.. لا نعرف.. ولكن ما نعرفه أنّ التصرّفات التي نراها، كأنّها لشخص آخَر تمامًا، غير داود النبي القدّيس.

كان داود دائمًا حريصًا على حياة شعبه وجنوده، ويسأل عن سلامتهم.. ولكن الخطيّة شرّيرة وتُقَسّي القلب، فنراه يقول ليوآب: لا يسوء في عينيك هذا الأمر (مقتل أوريّا الحثّي)، وجاءت في السبعينيّة: "لا تعتبر هذا شرًّا في عينيك"، لأنّ السيف يأكل هذا وذاك.. أو كما جاءت في السبعينيّة: "السيف أحيانًا يفترس في هذه الناحية أو في أخرى".

واضح أنّ داود قد فقد اتّزانه، وحِسّه الروحي، ووصل إلى درجة فظيعة من اللامبالاة والتبلُّد بسبب الخطيّة، فصارت الجرائم لا تسوء في عينيه، بل لقد غَيَّر موازينه، لدرجة أنّه يطالِب مَن حوله ألاّ تسوء الجريمة في أعينهم أيضًا، لذلك فإنّ خطيّتهم تكون بالتأكيد مُضافةً عليه.

عندما سمعت امرأة أوريّا أنّ زوجها قد مات ندبته، وبعد هذا أخذها داود، بعد أن تسبّب في ترمُّلها، لتصير زوجة له، فعاشت المرأة مع داود وولدت له ابنًا.

حتّى هذه اللحظة، يبدو أنّ القصّة قد انتهت، والموضوع لا أحد يعرفه، وسيطويه الزمن، ولكن لا يمكن أن تمُرّ الأمور هكذا، فالله عادل.

إنّ ما فعله داود قد قبُحَ في عينيّ الربّ.. لأنّ الله ينظر إلى الداخل، ويَزِن الأمور بميزان الحقّ الثابت، وليس كما ينظر الناس إلى المظهر الخارجي، وتتأثّر نظرتهم بالعواطف، وبآراء واتّجاهات الآخرين.

قد يقول البعض عن هذه المصيبة التي فعلها داود النبي: لا داعي أن تُكتَب.، وليس من اللازم أن يعرفها الناس.. وليس من المستحَبّ أن نتكلّم عنها.. فلا يجب أن نُشَوِّه صورته الجميلة في أعيننا، يردّ الوحي الإلهي قائلًا: لا، لا بدّ أن تُكتَب القصّة، وبالتفصيل.. ويكون هذا لمنفعتنا جميعًا.