بحلول 2030: المغرب يخطط لإنتاج 3 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر
يُنتَج الهيدروجين الأخضر من الماء عبر فصل جزيئات الهيدروجين فيه عن جزيئات الأوكسجين باستخدام كهرباء مولّدة من مصادر طاقة متجددة بدلًا من الوقود الأحفوري ومن خلاله، يمكن إنتاج مشتقاته أخرى مثل الأمونياك والميثانول بكميات أكبر، ويُخطط المغرب لإنتاج نحو 3 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وفق سيناريو متفائل، بالاعتماد على إمكاناته في مجال الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر، ما من شأنه تسريع تحقيق هدف الحياد الكربوني في 2050.
انتاج الهيدروجين الأخضر
أكد بدر إيكن، المدير العام السابق لمعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، وهو مؤسسة حكومية، إن إنتاج 3 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر، يتطلب طاقة نظيفة بقدرة 16 غيغاواط، ويتطلب رفع الإنتاج إلى 13 طنًا في 2040، طاقة بـ80 غيغاواط، فيما يمكن زيادته إلى نحو 26 طنًا في 2050 تقريبًا، في حال توفير 160 غيغاواط من الطاقات المتجددة وفقًا لمجلس الطاقة العالمي يُعتبر المغرب من الدول الست في العالم التي تمتلك إمكانات كبيرة في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وهو ما شأنه أن يؤهل البلاد للاستحواذ على 4% من الطلب العالمي بحدود عام 2030.
اكتشاف الهيدروجين
كشف خبير الهيدروجين والصناعات الغازية لدى منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، وائل حامد عبدالمعطي، أن بداية معرفة الإنسان بغاز الهيدروجين كانت حديثة.
وأوضح إنه تم اكتشاف الهيدروجين بواسطة العالم البريطاني الشهير "بويل" قبل 350 عامًا، عندما وضع قطعة من المعدن في حمض، وحدث تفاعل، نتجت عنه فقاعات غازيّة، قد تشتعل إذا وجد مصدر اشتعال، ولكنه لم يتوصل لطبيعة هذا الغاز، ولا استخداماته وأهميته وبعد 100 عام، جاء عالم بريطاني آخر، أجرى التفاعل نفسه، وجمع الفقاعات الغازية لاستخدامها في الاشتعال، فوجد أن هذا الاشتعال ينتج عنه تكثيف بخار الماء، فأطلق عليه وقتها "هيدروجين"، وهو لفظ من شقّين، "هيدرو" وهي تشير للاشتعال، و"جين" وهي بخار الماء.
وكانت بداية التعامل التجاري مع الهيدروجين في مطلع القرن العشرين، حيث كان يُستخدم بصفته غاز رفع، لأنه مادة خفيفة جدًا، فكان استخدامه بالمناطيد وسفن الهواء في الولايات المتحدة، خاصة أن تكلفة الهيليوم في ذلك الوقت كانت مرتفعة، عكس الهيدروجين الذي كان مادة متوافرة ورخيصة، ويمكن استخدامه لهذا الغرض، وكان ذلك قبل اختراع الطائرات النفاثة.
وبدأ استخدام الهيدروجين في شكل الوقود، مع انطلاق وكالة ناسا الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي وقامت وكالة الفضاء الأمريكية باستخدامه وقودًا من خلال استغلاله في رحلات مركباتها إلى الفضاء، بسبب طبيعته منخفضة الوزن وعالية الطاقة، والوكالة كانت مهتمة بالوزن، فهي لا تريد استخدام أوزان كبيرة من الوقود في بعثاتها الخارجية.
إمكانات كبيرة لدي المغرب
وتصل إمكانات الطاقة الشمسية في المغرب إلى 1،000 غيغاواط، وطاقة الرياح إلى 300 غيغاواط. وتبلغ القدرة المتاحة حاليًا من الطاقة المتجددة نحو 4،151 ميغاواط، تمثل 38% من القدرة الكهربائية المركبة في البلاد، مع وجود خطط أيضًا لزيادتها إلى 52% بحلول 2030.
قال محسن جزولي، وزير الاستثمار المغربي الأسبوع الماضي، إن “تكلفة إنتاج الطاقة من مصادر متجددة في المغرب، تبلغ 35 سنتيم درهم (نحو 3 سنتات أميركية) للكيلوواط/ساعة، وهي تكلفة تنافسية جدًا مقارنة بأسواق كثيرة”.
كما توجد في المغرب حاليًا 9 محطات لتحلية مياه البحر بقدرة إجمالية تصل إلى 231 ألف متر مكعب في اليوم. وجرى إطلاق مشاريع عديدة لبناء محطات للتحلية في مدن ساحلية، منها الدار البيضاء وآسفي والناظور والداخلة، لمواجهة شح الموارد المائية التقليدية.
توقعات نجاح المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر
قال بدر إيكن إن نجاح المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر يتطلب حشد شراكات بين القطاعين العام والخاص، واستقطاب مستثمرين أجانب لرفع حجم إنتاج الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته التي سيرتفع عليها الطلب في المستقبل.
وفقًا للتوقعات الرسمية، فإن الإيرادات السنوية للطلب على الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في المغرب، ستناهز 22 مليار درهم (2.1 مليار دولار) سنويًا بحلول 2030، وسترتفع إلى 330 مليار درهم (31.2 مليار دولار) بحلول 2050، حيث سيأتي الجزء الأكبر من هذا الطلب في مرحلة أولى من قطاع التصدير، وفيما بعد من قطاع النقل حين يتم تطوير أنواع الوقود الاصطناعي بتكلفة تنافسية مقارنة بالوقود العادي.
استثمارات ضخمة لتلبية الطلب
أشار إيكن، إلى أن الاستجابة للطلب المحلي والدولي على الهيدروجين الأخضر، تتطلب استثمارات تراكمية بـ90 مليار درهم (8.5 مليار دولار) بحلول 2030 و760 مليار درهم (72 مليار دولار) في عام 2050، على أن تخصص لزيادات قدرات إنتاج الطاقة المتجددة والمحللات الكهربائية ومصانع تحلية مياه البحر ومصانع لإنتاج الوقود الاصطناعي.
في 22 نوفمبر، وجه ملك المغرب محمد السادس الحكومة لإعداد برنامج خاص لقطاع الهيدروجين الأخضر يشمل الإطار التنظيمي والمؤسساتي، ومخطط للبنية التحتية الضرورية. ومن المرتقب أن يتم تحديث خارطة الطريق التي أعدتها الحكومة العام الماضي.
قال إيكن، الذي يشغل منصب الشريك الإداري في مكتب “جي إي 2” للاستشارات في مجال الطاقة المتجددة، إن المغرب يُعتبر من البلدان التي تمتلك إمكانات كبيرة في مجال الهيدروجين الأخضر، بالنظر لما حققه من مشاريع كبرى لإنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة بتكلفة تنافسية. كما أشار إلى أن البلاد تتمتع بشروط مناخية مناسبة وأماكن استثنائية، تجمع بين مصدري الرياح والشمس لإنتاج الطاقة على مدار الساعة.
الأمونياك والميثانول
يسعى المغرب في مرحلة أولى لإنتاج الأمونياك الأخضر الذي يستعمل في قطاع إنتاج الأسمدة الفوسفاتية، ويتجه في مرحلة ثانية لإنتاج الوقود الاصطناعي مثل الكيروسين والديزل، وفي مرحلة ثالثة لتعميم استعمالات الهيدروجين الأخضر على الصناعة والتصدير نحو الخارج.
استورد المغرب في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري الأمونياك لصالح قطاع الفوسفات بتكلفة ناهزت 17.4 مليار درهم، مقابل 5 مليارات درهم في الفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار على مستوى العالم.
محمد يحيى زنيبر، رئيس تجمع الهيدروجين الأخضر، وهي هيئة تجمع ممثلين عن القطاعين العام والخاص والجامعات والمراكز البحثية، قال إن الهيدروجين الأخضر يمكن تخزينه أو تحويله إلى منتجات سهلة الاستعمال والتخزين والنقل، مثل الأمونياك، الذي يستورده المكتب الشريف للفوسفاط من الخارج، إضافة إلى الميثانول وهو مادة أولية في الصناعة الكيميائية.
يمكن استعمال الميثانول الأخضر في إنتاج الوقود الاصطناعي الموجه للسيارات والبواخر، كما يستعمل في الصناعة البلاستيكية والمجال الصيدلاني وإنتاج شاشات الأجهزة التكنولوجية الحديثة، مثل الأجهزة اللوحية والحواسيب والهواتف الذكية.
قال زنيبر، الذي يرأس الشركة المغربية للصلب، إن إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته يتطلب توافر آليات التحليل الكهربائي، وكهرباء مولدة من طاقة نظيفة، وهو ما يمتلكه المغرب، إضافة إلى بنية تحتية للتخزين والنقل، متوقعًا أن يتم أول إنتاج محلي في 2030 بعد مرحلة تقييمية تمتد لسنوات.
أنواع الهيدروجين
ويوجد خمسة أنواع من الهيدروجين، هي الأخضر والرمادي والأزرق والفيروزي والوردي، وفيما يلي بعض التفاصيل عنها:
الهيدروجين الأخضر
يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، التي يمكن أن تشمل مزارع الرياح البحرية والطاقة الشمسية، لتشغيل محطات التحليل الكهربائي التي تستخرج الهيدروجين من الماء ويمكن تخزين الهيدروجين الأخضر أو نقله عبر خطوط الأنابيب أو الناقلات إلى المستهلكين لخدمة محطات تعبئة الهيدروجين على سبيل المثال.
الهيدروجين الرمادي
يُستخرج الهيدروجين الرمادي من الفحم أو الغاز الطبيعي باستخدام عملية إصلاح الميثان بالبخار، وهو الإجراء القياسي في الصناعة حاليا.
الهيدروجين الأزرق
يتم إنتاج الهيدروجين الأزرق بنفس الطريقة المتبعة في إنتاج الهيدروجين الرمادي ولكن يتم استخلاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ثم حقنها في مرافق تخزين تحت الأرض أو تحت سطح البحر، مثل حقول النفط والغاز المستنفدة.
وغالبا ما ينظر إلى الهيدروجين الأزرق باعتباره حلا انتقاليا لحين توفر إمكانية زيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر.
الهيدروجين الفيروزي
يطلق على الهيدروجين الفيروزي أيضا اسم الهيدروجين منخفض الكربون، وهو متوفر بكميات ضئيلة جدا حتى الآن ويتولد الهيدروجين الفيروزي من الغاز الطبيعي ولكن باستخدام الانحلال الحراري، وفيه يتم تمرير الغاز عبر معدن منصهر مما ينتج عنه تكون الكربون الصلب كمنتج ثانوي له استخدامات مفيدة.
الهيدروجين الوردي
وأخيرا الهيدروجين الوردي، والذي يتم توليده من خلال التحليل الكهربائي الذي يعمل بالطاقة النووية.
إنتاج الهيدروجين
يتم إنتاج نحو 120 مليون طن من الهيدروجين سنويا على مستوى العالم، وتعتمد الجهات المصنعة على الغاز والفحم الأحفوري لإنتاج 95% من الكميات المتاحة عالميا من الهيدروجين.
ودعت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير أصدرته عام 2019، إلى الاستثمار في الهيدروجين باعتباره وسيلة مرنة متعددة الاستخدامات، بحيث يمكن استخدامه وقودا نظيفا يوازن بين مصادر الطاقة المتجددة الأخرى في توليد الكهرباء وتوفير الطاقة منخفضة الكربون لمسافات طويلة، وتخزين الكهرباء.
وتتجه دول كثيرة نحو الاستثمار في إنتاج الوقود الأخضر، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط الماضي، والمعاناة العالمية من أزمة الطاقة، وتنشط في ذلك بشكل خاص كل من فرنسا وألمانيا والدانمارك وإسبانيا وبلجيكا والهند.
ويُتوقع وصول الاستثمارات في هذا السوق إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2050، حيث سيُستخدم الهيدروجين الأخضر بشكل رئيسي في قطاعات الصناعة والنقل والإنشاءات والطاقة وبحسب إحصائيات مؤشر بلومبرج لإقتصاد الهيدروجين في عام 2019، وقبل بداية جائحة كوفيد 19، كانت أبرز خمس دول في إنتاج الهيدروجين بالعالم، هي أستراليا، اليابان، النرويج، كوريا الجنوبية، والسعودية.