إمبابة تبكي وأسر الضحايا يروون تفاصيل ساعات الرعب.. "الفجر" ترصد القصة الكاملة لحريق أبوسيفين (فيديو وصور)
"ألعاب أطفال، وأكياس حلويات، وأحذية، وصور للعذراء ملقاة على الأرض".. هي كل ما تبقى من يوم مأساوي عاشته عدد من الأسر داخل كنيسة أبو سيفين بإمبابة، عندما ذهبوا صباح أمس الأحد لحضور القداس الإلهي، الذي يترأس فيه الصلاة كاهن الكنيسة "عبدالمسيح بخيت"، داخل مبنى الكنيسة المكون من 4 طوابق على مساحة نحو 200 متر، تاركين أطفالهم الصغار الذين لا يتعدى أعمارهم 5 و10 سنوات في الحضانة بالطابق العلوى، حتى يلهون مع بعضهم، لا يعلمون أن هؤلاء الملائكة ستكون هذه هي لعبتهم الأخيرة.
كان الجميع يصلون بروح واحدة داخل الكنيسة، وفي الساعة الثامنة صباحًا، انقطع التيار الكهربائي، وبعد بضع دقائق بدأ العامل في تشغيل المولد الكهربائي التابع للكنيسة الملحق بها الحضانة، وفي لحظة لم يشعر بها أحد وقع ماس كهربائي في أحد المكيفات الخاصة بالمبنى فور عودة التيار الكهربائي، فانتبه الجيران لاشتعال المكيف، وعلى الفور أسرعوا للصعود لإنقاذ الموجودين بالكنيسة.
الدخان الأسود الكثيف كان يملأ المكان، ونظرًا لتكدسهم وضيق المكان، لا يستطيعون الحركة والخروج سريعًا، فبدأت الأمهات والآباء في الصراخ على أطفالهم الموجودين بالحضانة، ليصعد الجيران لإنقاذهم وحملهم على أذرعهم، حيث كانوا في حالة لا يرثى لها، وهؤلاء الملائكة ما بين الموت والحياة.
وعلى الجانب الآخر، حاول الكاهن "عبدالمسيح بخيت" إنقاذ الأسر وأطفالهم الصغار، حيث ضحى بنفسه لكي يعيشوا، ولكن كان القدر في يتربص بهم جميعًا.
بلاغ بنشوب حريق وفاة 41 شخصا
على الفور، تلقت مديرية أمن الجيزة بلاغًا يفيد نشوب حريق بكنسية أبو سيفين بمنطقة إمبابة، انتقل رجال الحماية المدنية إلى محل الواقعة، وتبين أن النيران اشتعلت بالكنيسة، ما أسفر عن وفاة 41 شخصًا من بينهم 18 طفلًا، وإصابة 14 شخصًا
وبدأ رجال الحماية المدنية في محاصرة الحريق وإخماده، كما انتقلت سيارات الإسعاف لنقل المصابين إلى المستشفى.
وانتقلت محررة "الفجر" لمسرح واقعة الحريق، لكشف كواليس الواقعة، والتحدث مع الجيران للوقوف على ملابسات الحريق.
شاهد عيان: اشتعال في الكنيسة والحضانة
الجميع في دهشة من هول الموقف، والحزن يسيطر على الجميع بالمنطقة، يقفون شهود العيان للتحدث عن اللحظات الأليمة التي عاشوها، فيقول "محمود" إنه في حدود الساعة الثامنة صباحًا أثناء إقامة قداس بالكنيسة، بدأ اشتعال الحريق.
ويتابع الشاهد في حديثه إلى "الفجر"، أن الحريق اشتعل في مبنى خدمي الدور الثالث والرابع.
انقطاع النور وتشغيل مولد كان السبب
وأوضح الشاهد، أن الحريق نتج إثر، انقطاع النور، وأثناء تشغيل المولد حدث ماس كهربائي بأحد التكيفات أدى إلى اشتعال النيران.
شاهد عيان: نقلت طفلين كانا حالتهم حرجة
تحدثنا مع شاهد عيان آخر، وهو "أحمد" أحد سكان المنطقة، الذي قال “إن هناك أيضًا أطفال بداخل الكنيسة، وأنه قام بنقل طفل يبلغ من العمر 7 سنوات، وطفل آخر 13 عامًا، وكانت حالتهم حرجة، نتيجة اختناقهم من الدخان".
وأشار الشاهد، إلى أن المتوفين من بينهم أطفال وكاهن الكنيسة.
الكاهن المتوفى حاول إنقاذ الأطفال
وأوضح الشاهد في حديثه، أن الكاهن الذي توفى إثر حريق كنيسة أبو سيفين بإمبابة، كان نتيجة كثافة الدخان، ويدعى أبونا "عبد المسيح"، مشيرًا إلى أنه شاهده خالعًا جلبابه، حتى يحاول ينقذ هؤلاء الأطفال، ولكنه توفى معهم، حسب وصفه.
النائب العام وعدد من الوزراء بموقع الحريق
وكانت للدولة جهود كبيرة في هذا اليوم وبذلت قصاري جهدها، فحضر العديد من القيادات الأمنية، وعلى رأسهم النائب العام "حمادة الصاوي"، وعدد من الوزراء، من بينهم وزير الصحة ووزيرة التضامن، وعدد من النواب والشيوخ، لتفقد الحالة الأمنية، وتقديم العزاء لأخواتهم في الوطن
نشوى الديب: الحادث ليس إرهابيًا
وحضرت النائبة نشوى الديب، عضو مجلس النواب، وتحدثت للفجر، إن الحادث المروع حدث تقريبا الساعة التاسعة، وأجهزة المطافي وجدت صعوبة في الإطفاء لأن السلم "ضيق جدا"، وهذا أدى لاشتعال الحرائق، ووقتها كان هناك قداسًا وبه أطفال وسيدات، ولذلك عدد الوفيات كان كبيرًا من الأطفال.
وشددت "الديب"، في بث مباشر لـ "الفجر"، على أن الحادث ليس إرهابيًا ولا يوجد به أي تطرف، ولا أي شيء، وهو حدث نتيجة مولد كهرباء، وفقا للمعلومات الأولية، معربة عن خالص تعازيها لأسر الضحايا.
عضو مجلس النواب: الكاهن المتوفى محبوب من الجميع وصديق عزيز
وأكدت أن الكاهن المتوفى في الحادث صديق عزيز عليها، ويحب المسلمين والمسلمون يحبونه، مشددة على أنه لا يوجد أي إرهاب أو فتنة في الحادث، موضحة أن وزيرة التضامن قررت صرف 100 ألف جنيه لأسر ضحايا الحادث.
وكيل المنطقة الأزهرية: هو مصابنا جميعًا
وحضر أيضًا لموقع الحادث، شيوخ الأزهر، ومن بينهم، سمير أبوالخير، وكيل المنطقة الأزهرية بالجيزة، قائلًا،"إنه حضر إلى موقع حريق كنيسة أبوسيفين في إمبابة، ليشارك الأهالي في مصابهم، مؤكدًا: "هو مصابنا جميعا، ولا نتأخر عنهم في أي مناسبة حزينة أو سعيدة، وهم لا يتأخرون عنا في شيء".
وأضاف "أبوالخير"، في بث مباشر لـ "الفجر": "أنا جاي أعزيهم في هذا المصاب، وأقول للجميع، إننا نشعر بمدى الألم، وأقولهم شدوا حيلكم إحنا معاكم".
وكيل وزارة الأوقاف: المصاب جلل أصابنا في قلوبنا جميعا
من جانبه، قال الدكتور سيد مسعد، وكيل وزارة الأوقاف بالجيزة، إن المصاب جلل أصابنا في قلوبنا جميعا، قبل أخوتنا المسيحيين، وندعو الله بالرحمة للأموات، ونقدم لأسرهم خالص الضحايا.
وأضاف "مسعد"، في حديثه لـ "الفجر": "وجودنا ومشاركتنا دور إسلامي ووطني، لأن إسلامنا وديننا يعلمنا الحفاظ على شركاء في الوطن".
وكيل لجنة الشكاوي بمجلس النواب: سنعمل على نقل كنيسة لمكان آمن
وأعرب الدكتور نافع عبدالهادي، وكيل لجنة الشكاوى والمقترحات بمجلس النواب، عن أمنيته في سرعة الشفاء العاجل للمصابين، مقدمًا خالص التعازي لأسر الشهداء، وأن يتغمدهم الله بواسع رحمته، والدولة ستقف معهم في هذه المحنة، وتقدم لهم كل ما يضمن الأمان في أثناء الصلاة مستقبلا.
وأضاف "عبدالهادي"، في حديثه لـ "الفجر"، أنه سيعمل على نقل مقر الكنيسة إلى مكان آخر، لأنه مكان لا يصلح لإقامة التجمعات وبه خطورة، ويجب تخصيص قطعة أرض أخرى لإقامة مكان آمن لهم.
الأقباط نسيج مهم من المجتمع المصري
وشدد على أن الأقباط جزء مهم من نسيج المجتمع المصري، والمصيبة واحدة، ونحن كلنا شعب واحد، والجميع يهتم بها، مؤكدًا أن كاهن الكنيسة كان بطلا شجاعا، وكان في الخارج ودخل للكنيسة لإنقاذ الشعب.
الأسر تصرخ من أمام المستشفى
في هذا التوقيت، كانت الأسر أمام المستشفيات في انتظار ذويهم، متألمين في فقدانهم، وكان الصراخ يهز حوائط المستشفى من الآلام والحسرة التي تملأ قلوبهم، وهم يشترون الصناديق لكي يستلموا أطفالهم وأسرهم لدفنهم.
ورقة على باب المستشفى: 41 متوفى
في منظر يهز القلوب، الذين يعرفونهم والذين لا يعرفونهم، كانت هناك ورقة بيضاء معلقة على باب المستشفى، وبها أسماء الوفيات، وكل من يمر أمامها، يدعوا بالصبر والرحمة لأسرهم.
أسماء المتوفين في الحادث
وكانت أسماء المتوفين هم، إيريني عاطف رمزي، 34 سنة، ماجدة نبيه، 61 سنة، ميرنا عاطف رمزي، 25 سنة، مريم تامر وجيه، 5 سنوات، بارسينا تامر وجيه، 5 سنوات، مينا صالح فاخر، 16 سنة، ميرنا عاطف مرسي ٢٥ سنة، بالإضافة إلى، كل من عبدالمسيح بخيت (الكاهن 50 سنة)، عادل أيوب، 45 سنة، نادية بطرس، 45 سنة، مهرائيل باسم، 5 سنوات، يوسف باسم، 5 سنوات، فلوبتير باسم، 4 سنوات، ماري نعيم شاكر، 28 سنة، مينا زكريا زكي، مينا أشرف عزمي، 3 سنوات.
وأسفر الحريق عن وفاة فرج كمال فرج، 75 سنة، كورلس نورمطا، 5 سنوات، روماني عزت، 35 سنة، إبرام تامر وجيه، 5 سنوات.
وعند دخولنا المستشفى، كان انهيار الأسر يأخذ الألباب، بعضهم ينتظر بداخل المستشفى لاستلام ذويهم، والآخرين خارجها مفترشين الأرصف في حالة انهيار.
قريبة أسرة كاملة راحت ضحية حريق: “التكييف انفجر وملحقوش الأطفال”
"أسرة كاملة راحت" كانت أول الكلمات لقريبة هذه الأسرة، قائلة، أن الأسرة مكونة من الجدة، ونجلتهيها و3 أطفال بينهم عروس على وشك الزواج، كانوا اعتدن على الذهاب إلى الكنيسة معًا للصلاة والحصول على البركة، إلا أن حريق كنيسة أبوسيفين في إمبابة تسبب في انتقالهم إلى السماء.
وأضافت قريبة الأسرة، ضحية حادث حريق كنيسة أبوسيفين، إن العائلة مكونة من 6 أفراد، وهم: الجدة وأرملة وتعول 3 أبناء، بينهم 3 أطفال توأم، وهم "ماجدة نبيه 61 سنة (الجدة)، وابنتها "ميرنا عاطف رمزي" 25 سنة، وهي عروس على وشك الزواج، و"إيريني عاطف رمزي" 34 سنة وهي أرملة لديها 3 أطفال ومنهن توأم، “مريم وبارسينا تامر وجيه -5 سنوات- وشقيقهما الصغير أبرام -3 سنوات”.
“النور انقطع والتكييف انفجر”
وعن كواليس الحادث، قالت في حديثها إلى "الفجر"، إن النور انقطع فشغلوا مولد الكهرباء في الكنيسة، فحدث "شرز" وتسبب في حريق السجاجيد، ثم اندلع الحريق، والتكييف انفجر فحدث الحريق.
وشددت، على أن الجدة ماجدة من خدام الكنيسة، وتحضر مع أحفادها وبناتها للصلاة في الكنيسة، وأصبنا بصدمة كبيرة لأن أسرة كبيرة ضاعت في الحادث.
إحدى جيران ضحايا كنيسة أبوسيفين: “هيكملوا القداس في السماء”
وعلى الجانب الآخر، يقف الجيران وخدام الكنيسة، بداخل المستشفى، داعمين الأسر بكلمات المواساة، فتحدثت إحدى الجيران، وهي خادمة بذات الكنيسة، قائلة: "اللي ماتوا دول ولادنا وكلهم ملايكة ودايما بيجوا الكنيسة وإحنا اللي مربيينهم".
شاهدة: “كان في كاهن تاني هيصلي معاه”
وأضافت في كلامها إن اثنين من الكهنة اعتادا على صلاة القداس معًا، وهما "أبونا عبدالمسيح"، و"أبونا رافائيل"، ولكن في هذا اليوم كان القس رافائيل مريضا، وأراد الله أن يأخذ أحدهما فقط.
الشاهدة: معلم الكنيسة توفى في يوم عيد ميلاده
وأوضحت في بث مباشر لـ "الفجر"، أن المبنى به حضانة للأطفال، وكانوا موجودين في الكنيسة مع ذويهم، مشددة على أنها منذ الصباح تعمل على مواساة أسر الضحايا، والمعلم روماني عزت، أحد الضحايا كان اليوم عيد ميلاده، وغالبية الضحايا كانوا من الأطفال.
وشددت على أن غالبية الضحايا من أسر واحدة، موجهة رسالة لأسر الضحايا قائلة: "هما كانوا بيصلوا القداس، وربنا أراد إنهم يكملوا القداس في السماء".
تجمع الأسر سريعًا، وسط حالة من الانهيار، فور استلامهم ذوييهم من المشرحة، للصلاة عليهم، ومن بينهم خرج جثمان كاهن الكنيسة "عبد المسيح بخيت"، ورفقته، عدد من جثامين الأطفال والأسر، للذهاب بهم، لكنيسة السيدة العذراء والملاك بالوراق، للصلاة عليهم
أكثر من 8 سيارات خرجت من مستشفى إمبابة، في مشهد أليم، يحملون جثث ضحايا الحريق، للصلاة عليهم
أجراس الكنيسة تدق فور وصول عربات الإسعاف لكنيسة العذراء مريم والملاك ميخائيل بالوراق، والالآف من أهالي المناطق المحيطة، في انتظار الجثامين لحملهم لداخل الكنيسة للصلاة عليهم، وكان على رأس الأساقفة الأنبا رافائيل، وعدد من الأساقفة والكهنة.
وفور الانتهاء من الصلاة، ودع الأهالي الجثامين، وسط صراخ وانهيار أسرهم، لدفنهم لمثواهم الأخير.