رامي المتولي يكتب: مهرجان الإسماعيلية ٢٣.. برامج موازية تحيى التراث السينمائى فى العالم
المهرجانات السينمائية تحمل هدفًا رئيسيًا على اختلاف إدارتها وجمهورها وجنسيتها، وهو نقل الثقافة السينمائية بين الشعوب والثقافات، مع مرور الزمن منذ اختراع السينما بشكلها الحالى على يد الأخوان لوميير فى جراند كافيه عام ١٨٩٥، وحتى الآن تطورت الصناعة بشكل كبير فى كل العناصر، وظهرت المهرجانات السينمائية العالمية والمحلية لتكون كشريان يسمح بتدفق عشرات الساعات من الإبداع من كل مكان فى العالم إلى كل مكان، هذه السيولة تسمح أيضًا بالتعرف على صناع وآراء مختلفة للموضوع الواحد، تسمح المهرجانات السينمائية أن يحدث بشكل منتظم ودائم كل حسب توجهه وطبيعة القائمين عليه.
أصبحت المهرجانات السينمائية الآن إلى جانب وظيفتها الآساسية فى نقل أحدث الأفلام بين الشعوب المختلفة مع صناعها مما يضمن حوارًا يثرى التواصل الإنسانى، تهتم أيضًا وبشكل كبير بإعادة إحياء هذا التراث، لأنه على مر السنوات منذ التاريخ المذكور صٌنعت آلاف الأفلام فقد عدد كبير منها وتلف عدد آخر جزئيًا، وتحولت توجهات الصناع والمخرجين ورحل الكثيرون منهم تاركين مشاريع معلقة ومفتوحة لن ترى النور، لذلك عندما تقرر إدارة مهرجان تكريم صانع أفلام أو أحد نجومها فإنها بشكل ما تبعث برسالة لمن لم يعاصروه أو عاصروا فترة محددة من مشواره أن يعيدوا قراءة ما أنتجه وإعادة تقييمه مرة أخرى.
الدورة الـ٢٣ من مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة نجحت لحد كبير فى أن تحقق هذه المعادلة، بين اختيار عدد كبير من الأفلام المميزة الحديثة والمتنوعة، كما الحال مع أى مهرجان سينمائى فى العالم، وفى الوقت ذاته دعمت برنامجها بعدد من البرامج الموازية التى تعمل على إعادة تقديم وإحياء التواصل مع ألوان وفنون سينمائية غير سائدة بسبب عدد من العوامل منها تفضيل أشكال محددة من السينما حتى فى مهرجان متخصص فى فنون سينمائية نوعية كما الحال مع الفيلم الوثائقى والقصير، وهى القوالب التى يٌحتفى بها فى عدد مهرجانات أقل من حيث العدد مقارنة بالأفلام الروائية الطويلة.
التوازن بين ما هو قديم تحول إلى إرث سينمائى وحديث يناقش القضايا والهموم الحالية توفر فى برنامج دورة هذا العام، ولم يكن الاهتمام فقط بما هو مصرى فقط بل امتد لما هو عالمى أيضًا، فإلى جانب الاحتفاء ببدايات المخرج الكبير خيرى بشارة وعرض أفلامه التسجيلية الثلاثة «صائد الدبابات» و«طبيب فى الأرياف» و«طائر النورس»، ودعمت عرض هذه الأفلام بندوة مع المخرج الكبير، وكتاب بعنوان «خيرى بشارة السينما والواقع» الذى يضم يوميات المخرج ومراحل الإعداد للأفلام الثلاثة مع سيناريوهاتها، بالشكل الذى يفتح الآفاق للتواصل مع مشروع خيرى بشارة فى بداياته التسجيلية قبل التحول للفيلم الروائى وأن يصبح واحدا من أهم الأسماء فى موجة الواقعية الجديدة فى مصر.
وكذلك الحال مع تكريم المخرج عواد شكرى المنحدر من عائلة فنية وإعادة إلقاء الضوء على أفلامه التسجيلية التى تعد جزءا حيا من التاريخ فى مصر تحديدًا فى محافظات الصعيد، مع عرض فيلميه «الحلق» و«المحجر» واللذان يعبران –كما الحال مع معظم افلامه- عن التفاصيل الحياتية للبسطاء فى القرى الصغيرة فى قلب الصعيد، كما نُظمت ندوة بعد عرض الأفلام مع شكرى تحدث فيها عن الأفلام، كما أصدرت إدارة المهرجان كتابًا عنه بعنوان «عواد شكرى» ابن الصعيد، كما احتفت أيضًا إدارة المهرجان بواحد من أبرز وأهم مخرجى السينما التسجيلية فى مصر وهو صلاح التهامى وذلك بعرض اثنين من أفلامه هما «سباق مع الزمن» و»ذكريات مهندس».
كان هناك برنامجً خاصً للسينما التجريبية، هذا الشكل من السينما الذى يعد نوعيًا وتذوق فنونه لا يحظى بالانتشار مثله مثل الأفلام ذات الصبغة التجارية وثائقية كانت أو روائية، الاحتفاء بالسينما التجريبية جاء من خلال برنامج خاص لها ضم سبعة أفلام متنوعة فى تناولها وليكونوا معًا نوعا من التعريف ومجالا يفتح آفاقًا لهذا الشكل الثرى فنيًا، والذى أولته إدارة المهرجان هذا العام اهتمامًا خاصًا، فمع هذا البرنامج الخاص كان هناك برنامجً آخر للاحتفال بمئوية ميلاد المخرج جوناس ميكاس، وتنظيم عروض جماهيرية لأفلامه خلال أيام فعاليات المهرجان، هذه الأفلام تحمل خصوصية هذا المخرج وطريقته الفريدة فى التعامل مع الفيلم الوثائقى، كما أصدرت إدارة المهرجان كتابًا بعنوان «هذه السينما التى لا حدود لها» والذى يضم عددا من المقالات التى تٌعرف وتٌحلل السينما التجريبية، بهذا الشكل حظى الجمهور فى الإسماعيلية ببداية وانطلاقة نحو هذا الشكل بالتأكيد سيفتح آفاقًا مختلفة فى تذوقه.
ربما تكون درة التاج فيما يتعلق بإعادة الإحياء ولفت النظر للتراث السينمائى العالمى، هو ترميم فيلم «كرسى توت عنخ آمون» للمخرج الكبير الراحل شادى عبد السلام، والذى عُرض احتفالًا بمئوية اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون، واختيار شادى وفيلمه تحديدًا هو أكثر من موفق، لارتباط اسم هذا المخرج بتراث مصر القديمة وتخصصه فيه وهو ما انعكس فى عدد من أفلامه القصيرة وفيلمه الروائى الطويل الوحيد «المومياء» ومشروعه غير المكتمل «إخناتون»، هذا بالطبع إلى جانب الاهتمام بتنظيم عروض للأطفال بأفلام رسوم متحركة سبق إنتاجها ولقى هذا البرنامج إقبالًا كبيرًا من قبل الأطفال فى محافظة الإسماعيلية.
كل هذه الفعاليات الهادفة إلى الاحتفاء وإحياء الفنون السينمائية على تنوعها، شهدتها أيام المهرجان جنبًا إلى جنب مع مسابقاته المتعددة المعروفة لأفلام الرسوم المتحركة والروائى القصير والتسجيلى القصير والطويل وأفلام الطلبة، وهذا التوجه أيضًا امتد للمسابقة الرسمية فى المهرجان للفيلم التسجيلى الطويل من خلال فيلم Film the Living Record of our Memory أو الفيلم السجل الحى لذاكرتنا، الذى يتناول من خلال آراء العديد من الخبراء فى مجال حفظ وترميم الأفلام التى تعد نقاط التقاء بين الماضى الذى كان يومًا ما حاضرًا والوقت الحالى، ويوضح أهمية الافلام السينمائية فى مجال الحفاظ على التاريخ خاصة أنها وثائق مصورة تمثل نقطة فى تطور البشرية، وبالشكل الذى يفتح المجال مرة أخرى للحديث عن السينماتيك المصرى وأهمية إنشائه للحفاظ على التراث السينمائى المصرى، ونحن ما زلنا نملك الكثير منه على الرغم من تلف وضياع الكثير، وجهود إدارة المهرجان فى توفير فعاليات موازية تعتمد بالكامل على التراث وإقبال الجمهور عليها يمثل تأكيدا على أهمية البدء فى تجميع التراث السينمائى المصرى ليكون متوفرًا ليس فقط للمهرجانات المحلية التى تعانى فى الاحتفاء بواحد من فنانى السينما فى مصر من حيث توفر أعماله أو متعلقاته المتفرقة بين عدة جهات، ولكن أيضًا لتسهيل نشر هذا التراث عالميًا واحتلال مكانة مستحقة لسينما عريقة مثل السينما المصرية.