رامى المتولى يكتب: مهرجان الإسماعيلية ٢٢.. دورة التأجيلات والتحديات تتحول لنتائج مبهرة

مقالات الرأي



 

بعد عدة تأجيلات بسبب اتباع إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا، انطلقت الدورة الـ ٢٢ من مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، وانعقاد أى مهرجان فى هذه الظروف وانطلاق عروضه المتنوعة ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم هو حدث يجب الاحتفاء به.

فإلى جانب الصعوبات المتتالية التى تواجه الانعقاد والعروض بداية من التجمعات ثم العروض ثم حضور لجان التحكيم والضيوف الأجانب، يستلزم جهودا إضافية فى الترتيب والتحضير واختيار الأفلام ثم إعادة الاختيار واستبعاد ما لا يتوافق مع لائحة وظروف أى مهرجان، كل هذه التفاصيل مرت على فريق عمل مهرجان الإسماعيلية الدولى للفيلم الوثائقى والقصير الذى كما يدل عنوانه أنه مهرجان متخصص يضم بين أقسام مسابقاته تنافسا بين الأفلام القصيرة الروائية والوثائقية والأفلام الوثائقية الطويلة وأفلام الرسوم المتحركة كما يضم أيضًا مسابقة لأفلام الطلبة مع تاريخ يضعه مع مهرجانات عالمية أخرى تسعى الأعمال الفنية للمنافسة فى أقسامها.

تواجد العديد من صناع الأفلام والمكرمين مع الجمهور والمتخصصين من مصر والمنطقة وباقى دول العالم معًا، صنع حالة من التبادل الثقافى والذى يعد واحدا من أهم مميزات المهرجان المهم، بعيدًا عن الصخب والاهتمام الإعلامى والصحفى بتواجد النجوم على السجادة الحمراء مرتدين أفضل الثياب والمجوهرات، وهو بالتأكيد مطلوب ومناسب لعدد كبير من المهرجانات والتظاهرات والمسابقات السينمائية، لكن طبيعة مهرجان الإسماعيلية مختلف، حيث يكون المهرجان متحررًا من هذه التفاصيل ويركز أكثر على الأفلام والنقاشات التى تتبعها، التى يحضرها متخصصون ومهتمون من أعمار وثقافات مختلفة، حتى مع اتجاه المهرجان لتكريم أسماء نجوم حرص أن تكون اختياراته لأسماء المكرمين من النجوم الذين أثروا العمل فى الفيلم القصير، أى أننا أمام نجوم مؤمنين تمامًا بأهمية الفيلم القصير وتفرده كشكل فنى يصنع لذاته، لا كما يعتقد البعض أنه خطوة لصناعة فيلم روائى طويل أو مرحلة تدريب، هؤلاء النجوم هم صبرى فواز، أحمد وفيق، أحمد بدير، أحمد كمال، سلوى محمد على، بسمة، التفاعل مع هؤلاء النجوم فى ندوات تكريمهم واهتمام العديدين بالحضور والتعبير عن حبهم للنجوم وتوجيه الأسئلة لهم.

فيلم الافتتاح «فرح» الذى يتناول قضايا مصرية اجتماعية ومن إخراج السويسرية جوليا بانتر، لكن اختيار النماذج الثلاثة على الرغم من تنوع خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والدينية إلا أن جاذبيتهم ليست على نفس القدر، الأمر الذى انعكس على بعض مواضع الفيلم بالملل بينما كان العكس فى مواضع أخرى، حيث استمدت حيويتها من حيوية النماذج التى يتتبع الفيلم حياتهم، لكن على الرغم من هذه التفصيلة التقنية، إلا أن الفيلم مهم جدًا لتوثيقه عادات وتفاصيل الزواج والارتباط فى مصر من خلال عيون أجنبية تنظر للتفاصيل بشكل مختلف.

مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة ضمت ١٠ أفلام، متنوعة فى طبيعة ما تتناوله والقضايا التى تناقشها، وهذا التنوع منح المسابقة قوة، على الرغم من تفاوت المستويات الفنية إلا أن عددا منها يتسم بتفوق وتفرد لكن العدد الأكثر ومنها «عندما نما البرسيمون» When Persimmons Grew من أذريبجان للمخرج هلال بايدروف الذى يصنع أفلامه التسجيلية عن عائلته بشكل رئيسى ولسنوات تُعرض أفلامه فى المهرجانات المصرية ولا تخرج عن هذه الفقاعة الآمنة التى يستقى منها أفكاره، بالشكل الذى يجعل أفلامه متوقعة خاصة أنها تخرج دائما بنفس الإيقاع والأسلوب.

المسابقة تضم عددا من الأفلام الجيدة، منها اللبنانى «بيت اتنين تلاتة» A Home One›s Own الذى يتناول وبشكل شاعرى وإنسانى علاقة بين أم وابنتها، الظروف الحياتية والمواقف السياسية جعلت من هذه الأسرة مثالا حقيقيًا على أهمية الوطن والمبادئ السياسية، فنتيجة خروج هذه الأسرة من وطنها الأصلى لبلد المنفى، جعل لمشاعر الابنة تفاصيل شديدة الخصوصية، هذه التفاصيل كانت هى محور الفيلم بين الأم صاحبة التاريخ النضالى والأدبى والقانونى والابنة التى ما زالت تعانى من آثار هذا التاريخ عليها وهى فى عقدها الرابع من العمر، الابنة هى مخرجة الفيلم رُبى عطية والأم هى حياة حويك، ما بين السيدتين صراع، كلتاهما صلبتان يبدو هذا واضحًا من تاريخ حياتهما الذى تظهر أحداثه فى الفيلم أو الحوار الدائر بينهما.

صلابة وقوة الأم نراها بوضوح فى كادرات الكاميرا المتلصصة عليها فى بداية الفيلم، والتى تلتقط التفاصيل الحياتية لحياة وفى المقابل ابنتها التى تقود الحوار وتدفع الأم دفعًا للحديث عن سنوات نضالها وتاريخها، ومن خلال هذا السرد نتعرف على الخلفيات التاريخية وبلد المنفى وتفاصيله والمشاعر الإنسانية التى تبدو ظاهرة وواضحة فى انفعالات الأم، وكذلك من خلال شرائط الفيديو القديمة التى تحمل صورة حياة كإعلامية ومناضلة، وعلى الرغم من كاريزمية شخصية الأم حياة وجاذبيتها، إلا أننا كمشاهدين لم نتفاعل مع النموذج بشكل متكامل، بل تعاملنا مع حالة محددة للاجئة سياسية وأديبة ومحامية وإعلامية وربة أسرة، تعاملنا مع هواجس الابنة وأفكارها وتأثير قرارات والديها عليها، لكن يظل التكامل والتواصل بين الحالتين مفقودا واعتماد الفيلم على مشاهد للقطات طبيعية أو تمثيلية تعود بنا للماضى لتصف مواقف فارقة فى حياة أفراد الأسرة لا يكفى إطلاقًا لسد فراغ عدم التكامل بين مشاعر الأم والابنة وهو موضوع الفيلم بالأساس وكان الأولى التركيز عليه.

التجارب الإنسانية العابرة للزمن أيضًا فى أفلام المسابقة الدولية فيلم «خريطة أحلام أمريكا اللاتينية» والذى من خلال فكرة بسيطة هى كتابة حلم بالطباشير على لوح صغير من قبل شخصيات الفيلم ثم يعود مخرجه مارتين ويبر بعد سنوات لنفس الشخصيات ليرى آثار التغير ويسجلها فى الفيلم. من خلال مرور الزمن أيضًا نستكشف تركة إنسانية كبيرة فى فيلم «سجالو: جزيرة الأرواح» Sjalo: Island of Souls، مراحل معاناة وعذاب الكثير من البشر على سطح جزيرة سجالو، من خلال التركيز على أشكال الحياة الطبيعية وربطها من خلال سرد لعدد من النصوص بشكل غير مباشر مع تاريخ الجزيرة الذى يحمل أبعادًا اجتماعية تتعلق بوضع المرأة، نبدأ الدقائق الأولى من الفيلم بظهور مخطط هندسى لمبنى يبدو عليه البساطة وتحكى الراوية قصة المبنى الذى بُنى بأمر من الملك جوستافوس أدولفوس ليكون مستشفى للجذام وتحول من الوقت لمأوى للعجزة ثم مصحة للنساء تحمل تاريخًا مرعبًا لموت العديد من الأرواح وتشهد على التعامل اللاإنسانى مع المرأة فى السويد منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين.

اليوم المستشفى يحول إلى مركز أبحاث بيئى يعمل فيه عدد كبير من العالمات والباحثات، لكن تظل الجزيرة تحمل أرواح المعذبات على مدار عشرات السنين قبل أن يصل الحال إلى ما هو قائم حاليًا، الفيلم إلى جانب كونه يميل للجانب الفنى ويركز على لقطات وتكوينات إبداعية للطبيعة فى الجزيرة بكل كائناتها محل بحث المركز العلمى، لكن أيضًا ترتبط بشريط صوت يضم أصوات الجزيرة الطبيعية وموسيقى ذات طابع مؤثر لتتناسب مع تاريخ المستشفى فى الجزيرة والأرواح التى ما زالت تسكنها والتى عبر عن معاناتها الفيلم من خلال خطاباتهم التى لم ترسل لذويهم وتُقرأ بواسطة عدة أصوات فى الفيلم.

المسابقة الرسمية للمهرجان وبشكل أساسى حققت معادلة صعبة وهى التنوع مع الجودة، وهذا تم بجهود فريق عمل المهرجان بالكامل وحتى مع ظروف فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة مع تداعيات فيروس كورونا إلا أن هذا لم يمنع عددًا كبيرًا من الجمهور من الحضور، الحقيقة أنه أقل قليلا مما هو معتاد بالنسبة لعروض وفعاليات مهرجان الإسماعيلية وبتأثير من الظروف القهرية التى فرضها التعامل مع انتشار الفيروس، وليس تقصيرًا سواء فى اختيارات الأفلام أو حتى على مستوى اللوجستيات، على سبيل المثال جودة عرض فيلم الافتتاح «فرح» على مستوى الصورة والصوت غير مسبوقة فى المهرجانات المصرية التى تعانى دائما من تجهيزات الصوت فى الأماكن المفتوحة التى تفرضها إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا وكذلك تعانى من دقة ونقاء صورة الفيلم مقارنة بقاعات العرض المغلقة. لكن عرض فيلم افتتاح الدورة الـ ٢٢ من مهرجان الإسماعيلية أثبتت أنه من الممكن أداء الأفضل.