رامى المتولى يكتب: «بين السما والأرض».. أن يختار صانع الدراما الطريقة الأصعب

مقالات الرأي




العديد من التفاصيل تضع مسلسل «بين السما والأرض» فى صدارة الأعمال التليفزيونية المعروضة خلال شهر رمضان 2021 من حيث الجودة، على الرغم من كونه مسلسلاً قصيراً وانتهى عرضه فى النصف الأول من الشهر ولم يستمر فى المنافسة بشكل فعلى، لكن إخلاص صناعه وعلى رأسهم المخرج محمد جمال العدل والمؤلف إسلام حافظ للفكرة وتنفيذها جعل منه واحدًا من أفضل ما عُرض خلال الموسم وأيضًا خلال العام حتى الآن.

اختيار الصناع لفكرة المسلسل رفع مستوى صعوبة تنفيذه وتلقيه، فارتباط المسلسل بالقصة السينمائية التى ألفها الأديب الكبير نجيب محفوظ والتى كانت الأساس الذى بُنى عليه سيناريو الفيلم الذى يحمل نفس العنوان، من تأليف السيد بدير ومخرجه صلاح أبو سيف، ويعد واحداً من أيقونات السينما المصرية ويحتل المرتبة الـ 58 فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى فى الاستفتاء الذى أجراه مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1996.

عند ذكر «بين السما والأرض» يستحضر الملايين من المصريين ذكريات مرتبطة بهذا الفيلم وأبطاله وصناعه، نستدعى للذاكرة الفنانة ناهد (هند رستم) والمجنون (عبد المنعم إبراهيم) والخادم عبد الغنى النجدى و زعيم العصابة محمود المليجى وعلاقه الخيانة التى جمعت العشيقين محمود عزمى وقدرية قدرى والأم التى تضع مولودها فى الأسانسير نعيمة وصفى، هم شخصيات عاشت مع أجيال وارتبطت بأسماء النجوم الكبار الذين قدموها على شاشة السينما عام 1960، من هذه النقطة تأتى أولى الصعوبات وهو وجود اسم نجيب محفوظ إلى جانب شهرة الفيلم، والصعوبة فى هذه المرحلة ملقاة على عاتق المؤلف إسلام حافظ.

ثانى صعوبة رئيسية فى تحويل الفيلم لمسلسل متعلقة باختيار أبطال المسلسل وخيارات الصورة مع الخيارات الفنية الأخرى والتى تقع صعوبتها على عاتق المخرج محمد جمال العدل والموضوع فى مجال المقارنة مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف بسبب اختياره، هذا بالإضافة إلى الصعوبة البديهية الناجمة عن الاعتماد على قصه سينمائية عُرضت من خلال فيلم مدته أقل من ساعة ونصف ومقرر تقدمها فى مسلسل مكون من 15 حلقة يتخطى زمنه الفعلى 6 ساعات.

بهذه الصعوبات بدأ التحضير للمسلسل، الذى يستلهم تجربة القصة السينمائية والفيلم وفى الوقت ذاته يقف على مسافة بعيدة كل البعد عنه، تتشابه صفات معظم الشخصيات سنجد شابا وفتاة مرتبطين بعلاقة والمجنون وزعيم العصابة والفنانة والخادم، لكن الجزء المتطور والذى تخطى أكثر من 60 عاماً تغير من خلالهم شكل المجتمع المصرى مرات عديدة، نجح إسلام حافظ أن يعبر عن هذه التحول المجنون تحول لمريض نفسى لشخصيته بعد درامى يحمل من روح العصر الحالى وقسوته بعد أن كان مجرد مجنون هارب فى الفيلم يصبح جلال (محمد ثروت) الشاب الذى ضاع حلمه مريض اكتئاب حاول الانتحار بسبب تدمير حلمه، نفس الشيء فيما يتعلق بالمحبين اللذين تحولا من الحب العذرى والرغبة فى الانتحار معًا لاستحالة إتمام ارتباطهما فى الفيلم إلى علاقة مستحيلة وحب من طرف واحد استغلها الطرف الثانى بين حميد (هانى سلامة) وكريمة (ندى موسى)، أما العشيقان فتحولا لواحدة من أكثر قضايا الوقت الحالى تهديدًا للسيدات وهى ابتزازهما بصور أو مقاطع فيديو والتأثير السلبى لهذا الفعل ومن خلالهم نشاهد تفاعل سامى (عمرو صالح) مع مرام (يسرا اللوزي)، وبالطبع طرح إسلام القضية الرئيسية وآفة المجتمع المصرى فى وقتنا الحالى، وهو التطرف الفكرى والإرهاب من خلال استحداث شخصيات شاكر (أحمد بدير) صاحب المكتبة والرمز الذى يمثل ثقافة وطبيعة مصر ما قبل أواخر السبعينيات والتحول الرهيب للتطرف والهوس الدينى، وعوض (محمود الليثي) الذى يمثل الضد من شاكر ويرمز لثقافة ما بعد العشرية الأولى من الألفية الثالثة والمرتبطة بتأثير المد الدينى الوهابى فى سبعينيات القرن الماضى، ليخرج لنا هذا المزيج المشوه لحبيب مغدور من طليقته التى تحولت لممثلة شهيرة فيما كان هو مغنى مهرجانات مغمور قبل أن يتدين بإفراط.

بالطبع عناصر مثل اختيار الممثلين والأداء التمثيلى والسيناريو والديكور والمونتاج الذى كان له عامل كبير فى نجاح المسلسل خاصة أنه يعتمد بشكل كبير على شكل الـ«فلاش باك» لنتعرف على الشخصيات وتاريخها وعلاقتها ببعضها البعض والتى خلافًا للفيلم، جميعهم يتصلون ببعضهم، الحرفة والجودة واضحين بشكل رئيسى خلال حلقات المسلسل، وحافظ المخرج والمؤلف على جاذبية الشخصيات وبعض الغموض الذى ساهم فى استمرار الفضول عند المشاهد لمعرفة التفاصيل وكشف الغائب عن معرفته، هذه الجودة أتت ثمارها فى الحلقة الأخيرة المعنونة بـ«فات المعاد» والتى احتل فى نهايتها صوت أم كلثوم بمقطع من الأغنية الشهيرة ليضفى بعدًا دراميًا يضيف لعناصر الجودة فى المسلسل عنصرى الموسيقى التصويرية ومونتاج ومكساج الصوت، الذين تحولوا لأبطال مشهد النهاية مع المؤثرات البصرية والأداء التمثيلى، استخدام تفاصيل مثل صوت أم كلثوم وسيرة بليغ حمدى ترسخ للفن المصرى وتأثيرة فى الثقافة العامة، والمقارنة بين الفيلم والمسلسل تكشف حجم الفراغ الكبير الذى حدث فى الفن المصرى وتأثير ذلك على الهوية المصرية والمجتمع، كما يرسم المسلسل وجودته منهجاً واضحاً لما يجب أن يتوفر من عناصر وأساسيات عند التصدى إلى إعادة إنتاج عمل كلاسيكى شهير، الفارق هنا واضح بين وجود رؤية فنية وراء إعادة الإنتاج كما الحال مع مسلسل «بين السما والأرض» أو مجرد استغلال لشهرة ونجاح العمل الكلاسيكى كما الحال مع مسلسلات (العار، الكيف، رد قلبى) وغيرها الكثير.