رامى المتولى يكتب: رجال الظل فى «الاختيار 2» و«هجمة مرتدة»
الدراما تحتفى بأبطال مصر المجهولين
لسنوات ظلت الأكاذيب التى تروجها جماعات الإسلام السياسى الإرهابية وعلى راسها جماعة الإخوان تجد متسعًا كبيرًا لها فى الفضاءين الإعلامى والإلكترونى، لكن التفات الدولة المصرية لخطر انتشار مثل هذه الأكاذيب جاء ليحد من السيطرة التى فرضتها، وذلك عن طريق استخدام الفن والبث الفضائى والقنوات الإليكترونية لتجد هذه الأكاذيب حائطًا لصدها.
مسلسل «الاختيار» العام الماضى كان له أثر كبير فى تقويض الآله الإعلامية الكاذبة فى تصوير الدولة وكفاحها لصد هؤلاء الإرهابيين وأفكارهم التى تدلس وترغب فى أن تجعل الأمر وكأنه اعتداء غاشم على مجموعة من المعارضين العزل أصحاب الظهير الشعبى الكبير، وفى أحيان أخرى يساوى بين هذه الجماعات والدولة.
ولأن الحقيقة أكثر تعقيدًا من اختزالها فى صراع بين الدولة ومن يرون أنفسهم معارضين، ومحاولة تفكيكها وتبسيطها من خلال عمل فنى أتى بثمار إيجابية بناء على تأثر القنوات التى يستخدمها الإرهابيون السلبى واندفاع لجانهم الإلكترونية المحموم للهجوم على المسلسل وشخص الشهيد أحمد منسى العام الماضى، لذلك جاء استكمالا لهذا الخط مسلسل «الاختيار 2.. رجال الظل» فيما يمثل استمرار عمل حائط صد الأكاذيب، والذى يتضح من عنوانه أنه يتناول نوعًا آخر من البطولة خلافًا للجزء الأول الذى تابعنا من خلاله استجابة أفراد القوات المسلحة المصرية للعناصر الإرهابية، أى أننا تابعنا الجهود التى تتم فى نهاية سلسلة طويلة من الجهود التى تقوم بها أجهزة وأنواع مختلفة من القوات المختلفة كل حسب طبيعة عمله.
معرفة تفاصيل سلسلة الجهد المتواصل من أجهزة الدولة المصرية المختلفة للقضاء على هذا الخطر وجد طريقه فى 3 مسلسلات معروضة خلال شهر رمضان 2021 «القاهرة كابول» و«هجمة مرتدة» و«الاختيار 2: رجال الظل»، المصادفة التى جمعت بين المسلسلات الثلاثة فى موسم واحد بعد أن كان مقررًا أن يعرض مسلسلى «القاهرة كابول» و«هجمة مرتدة» العام الماضى وجرى تأجيلهما، جعلت من صورة الجهود التى تقوم بها الدولة فى هذا المجال بشكل أكثر وضوحًا، فالمعلومات التى تمنح للقوات المسلحة والشرطية مساحة للتحرك وصد الخطر قبلها سلسلة من التضحيات والعمل المستمر غالبا ما يكون غائبا عن وعى المشاهدين الذين يتأثرون بشكل متفاوت من دعاية جماعات الإسلام السياسى، بالشكل الذى يجعل من عنوان الجزء الثانى من مسلسل «الاختيار» وهو «رجال الظل» أكثر ما يعبر عن هذه الحالة التى تصاحب رجال الظل، نوع آخر من الأبطال لا نعرفهم أو نسمع عنهم إلا بعد وفاتهم حافظًا على سرية وأهمية عملهم، وفى كثير من الأحيان لا نسمع عنهم على الإطلاق، من خلال الثلاثة مسلسلات سنجد اعتماد الأجهزة الاستخباراتية المختلفة تقوم بمهامها طبقًا لطبيعتها وتتواصل معًا لتوفر المعلومة فى النهاية، وفى كثير من الأحيان التدخل ميدانيًا لتوفير الأمن سواء داخل حدود مصر، كما الحال مع جهاز الأمن الوطنى، أو خارج حدودها مع الأجهزة الأخرى.
ما يمنحه مسلسل «القاهرة كابول» هو لمحة تخيلية عن نوع مختلف من الإرهابيين، والذى يضع أمام أعيننا احتمالية بعيدة عن التصور، هو ما يمكن أن يصنعه فرد يتم تجنيده من قبل قوى ودول أخرى ليتحكم فى مصائر ملايين من البشر سواء عن طريق الإعلام أو لإحداث تأثيرات جيوسياسية، كيف يمكن أن يتحول واحد من أبناء منطقة شعبية شهيرة فى مصر كحى السيدة زينب وهو رمزى (طارق لطفى) إلى زعيم دينى نفوذه ممتد فى عدة دول من ضمنهم الدولة التى يحمل جنسيتها، لذلك يحمل المسلسل بعدًا تاريخيًا واجتماعيًا ويعود بالزمن لأحداث وتفاصيل بعينها ويكشف تأثيرها المختلف على أربع شخصيات رئيسية كل منهم تلقى نفس الأحداث بعوامل مختلفة، ولتقريب الصورة للمشاهد وتبسيطها أكثر يأتى دور مسلسل «هجمة مرتدة» فى توضيح دور الأجهزة الاستخباراتية التى تمنع وتجمع المعلومات حول أشخاص مثل «رمزى» وغيره فى «القاهرة كابول» والتى عادة ما تكون ضمن نشاطات أجهزة استخباراتية من دول أخرى خارج حدود مصر، التعامل معها يستوجب شكلاً آخر ومختلفًا عن الأجهزة داخل حدود مصر، لذلك سنجد أن ما أثر على شخص ما فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى فى مصر، له آثاره على أفراد وأشخاص آخرين فى القرن الحالى بقارة أوروبا والولايات المتحدة، وليس شرطًا أن يكون هذا التأثير مسلحًا بل يفتح المسلسل آفاقًا أخرى لمعرفة تأثير خطر بعض منظمات المجتمع المدنى على سبيل المثال التى تتخذ من قضايا إنسانية ستارًا لتنفيذ أجندة اختراق أمنى لدولة أخرى بمقابل مادى، أى أن بعضًا ممن يتصدون للعمل المدنى ويراهم مواطن إحدى الدول مسالمين يدافعون عن قيم خيّرة هم فى الحقيقة جواسيس وعملاء لدول أخرى تستغل جنسية هؤلاء الأشخاص وما كونوه اجتماعيًا ليكونوا ثغرة لتنفيذ مهام قد تبدو بسيطة، لكن توجيهها واختيار توقيتها له بالتأكيد تأثير سلبى على الدولة التى يحملون جنسيتها.
هؤلاء الأشخاص وغيرهم والذين ترصدهم الأجهزة الرسمية للدولة المصرية وترصد تحركاتهم، تبنى دفاعًا عن هوية الدولة وطبيعتها بالإضافة لاستقرارها وأمانها، وبناء على ما يتم جمعه والتعامل معه والتصدى له على المستوى العالمى يأتى دور جهاز حساس آخر هو «الأمن الوطنى» الذى يعد جزءًا من أجزاء هذه السلسلة الممتدة التى تعمل بشكل مستمر، وشاهدنا قمة جبلها الجليدى فى الجزء الأول من «الاختيار»، فمن خلال حدث ما زال عالقًا فى أذهان المصريين من فترة قريبة وهو القضاء على بؤرتين إرهابيتين تكونتا فى ميدانى «النهضة» بالجيزة و«هشام بركات» رابعة العدوية سابقًا فى القاهرة، لنعرف من خلال المسلسل حجم الجهد الذى يبذله هذا الجهاز فى القضاء على الأنشطة الإجرامية من هذا النوع والتى تأتى عنيفة مسلحة موجهه للقضاء على الهوية وطبيعة البلد المستهدفة لتنغلق الدائرة وندور فى فلكها مرة أخرى بأشخاص ومعطيات جديدة، وتحاول الأجهزة الأمنية من جديد تحليلها وصدها.
التفاصيل الثرية التى تمنحها المسلسلات الثلاثة معًا تجعل فى الإمكان تصور الخطوط العريضة لما يُبذل من جهد لرجال لا نعرفهم ومن المؤكد اننا نحتك بهم فى الكثير من الأحيان دون أن نعرف طبيعة ما يقومون به من جهود للحفاظ ليس فقط على الأمن لكن عن الهوية والطبيعة المصرية، ومن خلالهم نعرف أن فساد فكر شخص واحد على مستوى القاعدة أو فى منصب الرئيس يمكن أن يؤدى إلى نتائج كارثية بغض النظر عن أهمية الموقع الذى يحتله الشخص، فتأثير محمد مرسى يتساوى فى ضرره على مصر بتأثير خطيب (محمد يوركا) من «الاختيار: رجال الظل» فكلاهما ينفذ مخططًا ضرره ليس أمنيًا ولكن على الهوية، لذلك اختيار الفن والمسلسلات التليفزيونية تحديًدًا فى هذا التوقيت – أهم موسم للمسلسلات فى المنطقة- له ابعاده وخطوة مهمة لإعادة صياغة وتشكيل صورة عامة تغير من النظرة الضيقة التى تناولت من خلالها مسلسلات الجاسوسية السابقة الاخطار التى تواجه الدولة المصرية، بالإضافة للدور المهم الذى يمكن أن يمنحه الفن لتثمين وتوضيح هذه الجهود.