"هنا في مصر" تمثال فرعوني ذو طلاسم سحرية شافية
تمتلئ الحضارة المصرية القديمة بالكثير من الأسرار ويعد أبرز تلك الأسرار التي تجتذب الكثير من المهتمين بها، والدائرين بفلكها، والآملين أن ينتهلوا من عبيرها كي ينظموا فيلمًا أو رواية أو مسلسلًا، هو اهتمام أجدادنا بالسحر وقوة الكلمة المكتوبة.
وفي هذا الشأن يقول الدكتور حسين عبد البصير مدير متاحف آثار مكتبة الإسكندرية، في تصريحات إلى الفجر، إن أجدادنا آمنوا بالسّحر وقوة الكلمة المكتوبة وقدرتها السحرية على الشفاء، وكذلك قدرتها على التنكيل بأعدائهم أو بمَن يعرّض آثارهم وأعمالهم الأخروية للاعتداء.
تمثال "جد حور الشافي"
وأشار عبد البصير إلى أن أكبر الأمثلة على ذلك هو تمثال جد حور الشافي، وهو منحوت من البازلت الأسود، بإتقان ودقة شديدتين، ومحفزظ حاليًا في المتحف المصري بالتحرير، وحاز هذا التمثال على اهتمام كبير بسبب كثرة الشائعات حوله، التي ادعت أنه تمثال "مسحور" وله قدرات على الشفاء دون أساس الصحة، أو دليل علمى يؤيد هذا الزعم.
والتمثال يعود إلى العصر المتأخر من تاريخ مصر القديمة وينتمى إلى المدرسة الفنية والسحرية نفسها، التى أخرجت لنا "لوحات حورس السحرية"، وظهرت هذه اللوحات في العصر المتأخر، وكانت تُستخدم لأغراض علاجية عديدة؛ خصيصًا لدغات الحيات والعقارب والزواحف السامة.
والمقصود من الرموز المحفورة على اللوحات هو مخاطبة العالم الآخر، وهو العالم النجمي أو "دوات" في اللغة المصرية القديمة، وكان العالم النجمي في نظر المصري القديم عالمًا يتداخل مع الحياة الأولى، ولم يكن منفصلًا عنها.
وكان هذا العالم هو الذي تذهب إليه الأرواح بعد الموت، وهو المصدر الذي منه تأتي كل الأشياء، وتكمن فيه أسباب كل الأمراض، وكان الكهنة يقومون بمعالجة المرضى عن طريق الاتصال بهذا العالم الخفي، حسب معتقدهم.
وتمثال الكاهن "جد حور الشافى" مُغَطى بالكامل برموز تخاطب العالم النجمى، ورموز الحيات والعقارب من أكثر الرموز انتشارًا بالتمثال، وفوق ظهر التمثال صورة للرب "حكا"، رمز السِّحْر الكونى؛ حيث كان التعامل مع التمثال وما يحمله من رموز باستخدام الماء؛ حيث يقوم الكهنة بصب الماء فوق التمثال وتركه ينساب ويتجمع فى حوض صغير تحت قدمىّ "حورس" الطفل، ويُترك الماء يتفاعل مع الرموز الموجودة بالتمثال؛ حيث يتم شحن الماء بطاقة الرموز القوية، وبَعدها يُعطى الماء للمريض ليشربه أو يَغتسل به، وتقوم طاقة الماء بإحداث التوازن داخل جسم المريض وتساعده على الشفاء.
لوحات حورس السحرية
ولوحات حورس السحرية كانت من طقوس السِّحْر بمصر القديمة، ورموزها تخاطب العالم النجمي ويحمل تمثال "جد حور الشافي" كل الرموز الموجودة في تلك اللوحات.
وكان الكاهن يجلس وأمامه لوحة عليها حورس طفلًا يطأ بقدميه تمساحين يتجه كل منهما عكس الآخر، والتماسيح فى العالم النجمى رمزًا للخطر الذي لا يراه الإنسان، فكان التمساح يقبع تحت سطح الماء ويتربص حتى إذا ظنت الضحية أن الماء آمن، انقض عليها.
ويطأ "حورس" التمساحين بقدمه كرمز للتغلب على الأسباب الكامنة للأمراض، ويمسك بإحدى يديه أسدًا، وفى اليد الأخرى غزالًا، رمزين للشراسة والوداعة، ويقف "حورس" الطفل متزنًا، وهذا الاتزان هو سر الشفاء؛ فالمرض فى الأصل هو عبارة عن خَلل فى توازن الإنسان.
وما تفعله الرموز الموجودة في لوحات حورس السحرية أنها تخاطب العالم النجمي بلغة الرمز، وتعيد التوازن إلى المريض، ما يساعده على الشفاء، وفوق حورس رأس الرب "بس" المختص بحماية الأطفال، وهو يحمى الطفل "حورس" في مهمته.