رامى المتولى يكتب: أفلام عربية تقتنص نجمة الجونة الذهبية

مقالات الرأي




منافسة قوية دارت بين أفلام الدورة الرابعة من مهرجان الجونة السينمائى انتهت بتتويج 14 فيلما بـ18 جائزة تقدمها لجان التحكيم الرسمية والفرعية بالمهرجان، من مصر فاز الفيلم القصير «ستاشر» بجائزة أفضل فيلم عربى قصير وحصد نجمة الجونة الذهبية، وذلك بعد يوم واحد فقط من إعلان فوزه بسعفة مهرجان كان الذهبية للفيلم القصير، وهى الجائزة التى تسلمها مخرجه سامح علاء فى فرنسا، وفى اليوم التالى تسلم المنتج مارك لطفى مع السيناريست محمد فوزى وسيف حميدة جائزة أفضل فيلم عربى قصير من مهرجان الجونة، ليصل الاحتفاء بالفيلم إلى الدورة بالتزامن مع هجوم رجعى ذى توجه دينى للفيلم من بعض من الشخصيات المنتسبة للوسط الفنى وبشكل لا يمنح الفيلم حقه فنيًا مستندين على قراءة ضيقة الأفق للفيلم.

الفيلم الذى يتناول تفاصيل نهاية قصة حب بين مراهقين فرقتهما العادات الاجتماعية المحافظة، والتى دفعت أهل الفتاة إلى حبسها فى المنزل لمدة شهرين حسب رسالتها الصوتية الأخيرة لحبيبها المعاقب بدوره، ولكن بشكل أخف كونه ذكر، حالة التضييق على الفتاة دفعتها إلى مصير قاتم وعليه يقرر الحبيب أن يخوض رحلة هى فى الواقع أقرب لمغامرة قد تؤدى بسلامته الشخصية، فقط لينظر إلى وجه حبيبته لكى لا ينساه، كما يشير عنوان الفيلم بالإنجليزية I Am Afraid to Forget Your Face أو «أخشى أن أنسى وجهك».

التعامل الفنى الشاعرى مع قصة الفيلم هو السبب الأكبر الذى توج الفيلم بواحدة من أرفع الجوائز فى العالم وهى السعفة الذهبية، منحها لمجموعة من السينمائيين المستقلين والذين تجمعوا على صناعة فيلم لا يفتقد للأصالة وارتباطه بمصر وفى الوقت ذاته يتعرض لمشاعر حساسة فى فترة حرجة من حياة المراهقين واصطدامها بالعادات والتقاليد فى المجتمع المصرى، بطلا الفيلم الرئيسان هما سيف حميدة ونورهان أحمد اللذان قدما أداء تمثيليا وحركيا خالصا دون الاعتماد على جمل حوارية، التركيز كان على تعبيرات الوجه والأداء الحركى مع توظيف الكادرات لنستكمل التفاصيل ونتعرف على الأبعاد الأخرى للقصة.

«إلى أين تذهبين يا عايدة» هو الفيلم الذى توج بجائزة الجونة الذهبية أفضل فيلم وحصد أيضًا جائزة أفضل ممثلة، والذى يتناول تفاصيل المذبحة التى وقعت عام 1995 والمعروفة باسم مذبحة سربرنيتسا والتى ارتكبها جيش صرب البوسنة، جائزة أفضل ممثل ذهبت لعلى سليمان بطل فيلم «200 متر» والذى حصد أيضًا جائزة الجمهور للأفلام الإنسانية وجائزة لجنة تحكيم النقاد (فيبريسى)، وهى جوائز مستحقة وأكثر لفيلم من الأفلام القليلة التى تتعامل مع القضية الفلسطينة من منظور إنسانى يصور حجم المعاناة والضغط الواقع على فلسطينى الداخل والذين يعانون من الممارسات العنصرية ضدهم، «مصطفى» الشخصية التى قدمها على سليمان فى الفيلم هو أب لثلاثة أطفال وزوجته والذى يفصل بين منزل عائلته ومنزله 200 متر، يقطعهم الجدار العازل الأمر الذى يجعل حركته لهم صعبة جدًا ومرهونة بتوفر فرص عمل له على الجانب الآخر من الجدار، الظروف تجبر مصطفى على اللجوء إلى المهربين ليعبر إلى عائلته التى تحتاجه ويضطر إلى تقديم تنازلات تخالف مبادئه، لكن فى النهاية تظل مبادئه كما هى ثابتة لا تتغير، هذا الفيلم نجح فى نقل المعاناة المرتبطة بالفلسطينيين يوميًا فقط لممارسة ما هو حق بديهى مكتسب عند آخرين، والفيلم فقط أشار لما يحدث بلا مبالغات أو ابتزاز عاطفى.

«الرجل الذى باع ظهره» الذى حصد جائزة أفضل فيلم عربى هو أيضًا نموذج للمعاناة لكن بشكل مختلف، شكل آخر من أشكال التباعد والفراق بين رجل وحبيبته، وبسبب ظروفه يظل فى لبنان وهو اللاجئ السورى الهارب من الحرب بلا وثائق سفر، ليعلق فى لبنان بينما حبيبته فى فرنسا، وليتغلب على الظروف الصعبة لوضعة، يدوام على حضور المحافل والمعارض الفنية لياكل ويشرب، وهذه الزيارات للمعارض تكون المدخل لأن يتحول للوحة حية تجوب العالم، وضعه الجديد يرسم بشكل مباشر نموذجا للفن الحديث وقدرته على اختراق الحدود والهويات والخلفيات الثقافية، لكن بشكل ساخر وخفى يشير الفيلم لأزمة اللاجئين فى العالم والتغيرات السياسية التى تقود البشر لتصرفات خارقة للعادة بالتأكيد لم يكونوا ليتقدموا على هذه القرارات لولا الظروف المشددة.

يحيى مهاينى بطل الفيلم مع مخرجته كوثر بن هنية قدما صرخة لا تخص فقط اللاجئين السوريين ووضعهم الصعب فى العالم، ولكن اللاجئين الذين يعانون فى العالم بأكمله، هذه الأفلام العربية التى حازت على جوائز فى المهرجان تحولت لرسل تطرح قضايا بلادها على الجميع، إلى جانب جودتها الفنية هى أيضًا تعبر عن المنطقة، ومهرجان الجونة يولى اهتماما خاصا بالأفلام العربية سواء فى الجوائز أو العرض والاهتمام، وهى بادرة عظيمة تدعم السينما العربية والمصرية وتعلى من صوتها.