رامى المتولى يكتب: حسن حسنى.. المتنوع والجوكر صانع البسمة
كلمات نعى نابضة بالحياة كتبها زملاء وأصدقاء وأحباء الراحل الكبير حسن حسنى تدل على مسيرة تعايش وحب وود متبادل، ليست مجرد كلمات تكتب على سبيل التعزية أو إثبات الوجود، فهى فى الحقيقة تتخطى ذلك والدليل هو تفردها والمشاعر التى تعكسها، هى كتابات بالحزن والحسرة وألم الغياب، توفى الراحل الذى منح لفن التمثيل سنوات عمره بأكملها وتفوق وبرع فيه منذ طفولته فى المسرح المدرسى وحتى وفاته تاركًا مئات الأعمال فى كل المجالات شارك فيهما تقريبًا معظم نجوم وفنانى مصر وعدد من نجوم الخليج.
حسن حسنى ليس ممثلاً عاديًا، ليس من مشاهير أصحاب الأدوار المساعدة التى تنحصر أدوارهم فى شكل محدد يتنوع بتنوع العمل وحسب الحاجة مثل توفيق الدقن وعباس فارس وزين عشماوى وعبدالمنعم إبراهيم، أو حتى منافسيه الرئيسيتين فى سنوات التسعينيات والألفينات لطفى لبيب وأسامة عباس على تفرد كل هذه الأسماء وتجاربهم الثرية، الا أن حسن حسنى بمنتهى البساطة مختلف، لأنه استمر فى كسر القالب الذى يوضع فيه بحكم النجاح ومحاولات استغلاله التالية بدور وشخصية تحول المسار الذى يُنظر إليه من خلاله، بعد عدة تحولات أجبر الجميع أن يروه بالشكل الذى يحبه وهو الممثل الذى لا حدود لإمكانياته أو قدرته على أن يتحول داخل العمل لأى شىء كل الشخصيات مناسبة لحسن حسنى وكل الشخصيات هو قادر على أدائها بأكبر قدر ممكن من الإقناع.
ملكات خاصة جعلت من هذا الممثل يسير على الخط الرفيع الفاصل بين ما هو تجارى واستهلاكى وما هو فنى مقرر له البقاء والخلود، بنفس درجة النجاح، مسيرته ضمت ما يقرب من 500 عمل إن لم يكن أكثر موزعة بين المسرح بشقيه العام والخاص متنقلاً بين عدة فرق بداية من المسرح العسكرى قبل حله فى عام 1967 مرورًا بالمسرح القومى وفرقة تحية كاريوكا وصولا للمسرح الخاص بشكله المميز فى الألفينات، وفى الدراما التليفزيونية أفلاما ومسلسلات وسهرات تليفزيونية تنقل خلالها بين الاستوديوهات المصرية والخليجية مشاركًا فى مئات الأعمال، فى السينما نستطيع القول إنه عاصر وشارك فى التحولات السينمائية الكبرى خلال سنوات نشاطه فى مصر، هذا بخلاف مشاركته فى بطولة عشرات من المسلسلات الإذاعية.
السينما هى المجال الأبرز الذى ظهر فيه حسن، بداية من ظهوره البسيط فى الفيلم المميز «الباب المفتوح» عام 1963 كأحد الفدائيين المسجونين مع (محمود الحدينى) فى مشهد الزنزانة الشهير، ليكتب بدايته بمشاركة السيدة فاتن حمامة والمخرج هنرى بركات فى فيلم عن رواية للكاتبة لطيفة الزيات وسيناريو وحوار بركات ويوسف عيسى وهو أحد الأفلام الطليعية التى عكست توجه هذه المرحلة من تاريخ مصر والداعمة لتحرر المرأة من قيود المجتمع المفروضة عليها بفعل العادات والتقاليد، مرورًا بأدوار صغيرة مؤثرة فى أفلام متعددة، بالتزامن مع ظهور موجة الواقعية الجديدة، فى أدوار ينحصر معظمها فى الشخصية الشريرة والتى توجهها فى فيلم عاطف الطيب «البرىء» عام 1986 بشخصية الملازم أول فيه، الضابط الذى ترقى من صف الضابط ليصل إلى المنصب الذى وصل له ويزين كتفه نجمتان، مشهد مروره والمروحة خلفه ليتغلب على الحر وهو يتفقد المساجين.
ومع ظهور المضحكين الجدد بداية من أواخر التسعينيات تحول حسن حسنى من أدوار الشر الغالبة والتى كان يكسرها بأدائه لشخصيات مثل موظف قناة السويس فى «ناصر 56» وعبد العظيم من «فارس المدينة» وغيرها، نتذكر شخصية الأب القاسى فى «عبود على الحدود» والأب المدافع عن ابنه فى «عكسر فى المعسكر» والضابط أدهم فى «اللى بالى بالك» وعم باخ فى «اللمبى» عشرات الشخصيات التى زامل من خلالها صعود هؤلاء النجوم محمد هنيدى ومحمد سعد وأحمد السقا وعلاء ولى الدين وغيرهم، ومع اهتمامه بالمشاركة فى التحولات التى تشهدها السينما وكونه أحد العناصر المؤثرة فيها، نشاطه فى التليفزيون يسير على نفس الخط الموازى يشارك نجومها الكبار فى أدوار رئيسية متنوعة مثل يسرا فى عدد كبير من مسلسلاتها وأعمال مهمة مثل «رأفت الهجان» و«المال والبنون».
الكثير من الأعمال التى ضمت شخصيات شديدة التميز وتأثرنا بها كمشاهدين فى أعمال أكثر بكثير من النماذج المذكورة، لا مجال لذكرها بسبب ضخامة ما قدمه الراحل حسن حسنى وحجم إنجازه، لكن الملفت والذى سيبقى بالتأكيد هو المشاعر التى يكنها له الفنانون الذين اعتبروه تميمة حظهم ورمانة ميزان مواقع تصوير أعمالهم، الكبير الذى يلتف حوله الجميع طلبا للمشورة والدعم، أما المشاهدون فالمعظم نشأ على أعمال حسن حسنى أجيال متعاقبة تعرفه اسمًا وشكلاً يحتفظون له فى ذاكرتهم بالعديد من المشاهد المرتبطة بمواقف وخبرات حياتيه، حياة حسن حسنى لم تنته بتاريخ 30 مايو 2020، على العكس أضيف لها ثقلا ومحبة واهتمام ملايين بما قدمه من فن خلال سنوات عمره.