"الدستورية العليا" تقضي بعدم دستورية المادتين 20 و43 بقانون نقابة المهندسين
حكمت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار حنفي علي جبال في الدعوى رقم 132 لسنة 37 قضائية "دستورية" المحالة من محكمة القضاء الإداري، بعدم دستورية المادتين (20) و(43) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهندسين، فيما نصتا عليه من أن يكون الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، وفي انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة المكملين، من مائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا على الأقل، بالنسبة للنقابة الفرعية، ومصدق على الإمضاءات، الموقع بها على التقرير به فى الحالين، من الجهة المختصة.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن النصين التشريعيين المحالين قد تضمنا قيدين خطيرين، يعصفان بحق عضو النقابة، فى الطعن على القرارات المشار إليها، أولهما إيجابه أن يكون الطعن، في انتخابه، مقدمًا من مائة عضو، على الأقل، من أعضاء النقابة، ممن حضروا جمعيتها العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا، على الأقل، بالنسبة للنقابة الفرعية، وثانيهما أن يكون الطعن بتقرير مصدق على الإمضاءات الموقع بها عليه من الجهة المختصة، وقد قرن المشرع هذين القيدين بجزاء، رتبه على تخلف أحدهما، أو كليهما، هو اعتبار الطعن غير مقبول "بقوة القانون".
وحيث إنه عن القيد الأول، الذي تضمنه النصان التشريعيان المحالان، فإن حقيقة الأمر فيهما، أنهما لا يعتبران تنظيمًا لحق النقابة، فى الدفــــــــــــــــــــاع عن المصالـــــــــح الجماعية لأعضائها. ولا يتوخيان، من جهة أخرى، تأمين المصالــــــــــــــــــح الذاتيــــــــــــة، لكل متقاض من بينهم، ويكون هذان النصان – بتطبيقهما عليه - قد أخلّا بأحد الحقوق، التى كفلها الدستور له، ملحقين به، على هذا النحو، ضررًا مباشرًا، وآية ذلك أن المصالح الجماعية، لا تحميها إلا النقابة ذاتها، بوصفها شخصاً معنويًّا، مستقلاً عن أعضائها. كذلك فإن المصالح الذاتية، لا يكفلها إلا أصحابها، من خلال ضمان حقهم، في اللجوء إلى القضاء، والنفاذ إليه نفاذًا ميسرًا، لا تثقله أعباء مادية، ولا تحول دونه عوائق إجرائية جوهرية.
وأضافت، ولا كذلك النصان التشريعيان المحالان، إذ أهدرا المصلحة الذاتية، لكل عضو من أعضاء النقابة، فى ضمان أن يكون النقيب وأعضاء النقابة منتخبين، وفقًا للدستور والقانون، وفي إطار قواعدهما، لضمان أن يباشروا مهامهم، مستندين في ذلك إلى أغلبية، تكون قد أولتهم ثقتها، اطمئنانًا إليهم، وهي، في كل حال، أغلبية، تمثل القاعدة الأعرض، التي منحتهم تأييدها، وقوفًا إلى جانبهم، ودفاعًا عن برامجهم، وتوجهاتهم، التى أداروا حملتهم الانتخابية على ضوئها، ومن ثم تكون شرعية انتخابهم، انتصافًا للديموقراطية، وانحيازًا لجوهرها، في دائرة العمل النقابي، وموطئاً لتحقيق المصالح المشروعة، التي تسعى النقابة إلى بلوغها، بما مؤداه: أن لكل عضو، من أعضاء النقابة، مصلحة محققة، في إرساء هذه الشرعية، تثبيتًا لها، وتعميقًا لمجال تطبيقها، سواء في ذلك، من كان منهم مرشحًا لمنصب النقيب أو لعضوية مجلس النقابة، متزاحمًا مع غيره في الفوز بها، أم كان غير منافس لهم، في الظفر بمقعدهم.
وتابعت المحكمة، أن هذه المصلحة الشخصية الذاتية، لكل عضو من أعضاء النقابة، هي التي كان يتعين على المشرع أن يدخلهــــــــــــا في اعتباره، فى مجال تنظيمــــــــــــــه لحق الطعن فى الانتخاب، بما لا يعطلها، ولكنه آثر أن يعمل على نقيضها، وأن يسقطها، كلية، متجاوزًا عنها، ذلك أن إيجابه أن يكون الطعن مقدماً من مائة عضو على الأقل من أعضاء النقابة ممن حضروا جمعيتها العمومية، بالنسبة للنقابة العامة، ومن خمسين عضوًا على الأقل بالنسبة للنقابة الفرعية، يفترض توافق مصالحهم فى الطعن، لإبطال الانتخابات، وأن كلمتهم منعقدة على افتقار فوزهم، إلى الشرعية، فى كامل أبعادها، وهو افتراض قد لا يظاهره واقع الحال. وحقيقة مرماه، بل وغايته النهائية، هي أن يكون الطعن بالقيود الإجرائية، التى أحاطته أكثر عسراً، وأبهظ مشقة. وليس ذلك إلا إعناتًا، بما لكل مواطن من حق، يتكافأ فيه مع غيره، فى اللجوء إلى القضاء، وينحدر بالنفاذ إليه إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، التي يجوز الانتقاص منها.
ولا ينال مما تقدم، قالة إن ما تطلبه النص المحال من أن يكون الطعن مقدمًا من مائة عضو أو خمسين عضوًا من أعضاء النقابة، لا يعدو أن يكون إعمالاً للديموقراطية، وتعميقًا لفحواها تطبيقًا لنصى المادتين (76، 77) من الدستور التي تنص أولاهما على أن إنشاء النقابات على أساس ديموقراطي حق يكفله القانون، وتقضى ثانيتهما على أن ينظم القانون النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ذلك أن ما قصد إليه الدستور، من ذلك هو ضمان حق أعضاء النقابة فى صياغة أنظمتها، وبرامجها، وتنظيم إدارتها، وأوجه نشاطها، واختيار ممثليها فى حرية تامة، وتلك هي الديموقراطية النقابية، التي تكفل حرية النقاش، والحوار، في آفاق مفتوحة، تتكافأ الفرص، من خلالها، وتتعدد معها الآراء، وتتباين داخل النقابة الواحدة، إثراء لحرية الإبداع، والأمل، والخيال- وهي أدوات التقدم- ليعكس القرار فيها الحقيقة، التى بلورتها الآراء المتعددة، من خلال مقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا، أو محققًا لمصلحة مبتغاة، وعلى تقدير أن النتائج الصائبة، هي حصيلة الموازنة بين آراء متعددة، جرى التعبير عنها، في حرية كاملة، وأنها، في كل حال، لا تمثل انتقاءً لحلول بذواتها، تستقل الأقلية بتقديرها، وتفرضها عنوة.
وذكرت، أنه كذلك فإن الديموقراطية النقابية، في محتواها المقرر دستوريًّا، لازمها أن يكون الفوز داخل النقابة، بمناصبها المختلفة - على تباين مستوياتها، وأيًّا كان موقعها - مرتبطًا بإرادة أعضائها الحرة الواعية، وبمراعاة أن يكون لكل عضو من أعضائها الفرص ذاتها، التي يؤثر بها - متكافئًا فى ذلك مع غيره - في تشكيل السياسة العامة لنقابته، وبناء تنظيماتها المتعددة، وفاء بأهدافها، وضمانًا لتقدمها، فى مختلف الشئون.