فتاوى "أكشاك" مترو الأنفاق

العدد الأسبوعي

أكشاك الفتوى بالمترو
أكشاك الفتوى بالمترو

■ المظاهرات بدون تصريح «حرام» وارتداء «مفتاح الحياة» شبهة.. والزواج من متبرجة «حلال»

■ لا يجوز تكفير الملحد.. وعلاقات شبكات التواصل الاجتماعى حلال

■ يجوز للحائض أن تلمس المصحف الشريف لـ»الدراسة» لأن الضرورات تبيح المحظورات


يلعب الدين دورا كبيرا فى حياة المصريين، وهو ما دعا الأزهر الشريف لوضع أكشاك للفتوى بمحطات المترو، بغرض تفسير الشائك من تعاليم الإسلام.

فى المقابل يسعى آخرون لاستخدام الدين كأداة للسيطرة على الناس، وفريق ثالث يعمل على استغلاله فى بيع الوهم للمصريين عن طريق إقناع بعضهم بأنهم يعالجون السحر والمس، ويستطيعون جلب الحبيب عن طريق القرآن.. بين هؤلاء وهؤلاء يظل عقل المصريين هو الهدف، رغم اختلاف نيات جميع الجهات التى تحاول إما إخراجه من متاهته، أو السيطرة عليه، أو تغييبه، يحدث هذا منذ مئات السنين، وسيظل يحدث طالما بقى هذا الشعب الجميل.


فى محطة الشهداء، أكثر محطات مترو الأنفاق ازدحاما، وقف كشك الفتوى، التابع للأزهر الشريف، شاهدا على تجربة دينية قلبت مواقع التواصل الاجتماعى، والبيوت المصرية رأسا على عقب، لعدة أيام.

وعبر عدة زيارات حاولت «الفجر» معرفة كيف يعمل هذا الكشك الصغير الجالس بداخله 3 شيوخ أزهريين، على مكتب واحد، تتراوح أعمارهم بين أوائل الثلاثينيات والخمسينيات، وكيف يستقبلون طالب الفتوى؟

خلال الزيارات المتتالية ارتدت المحررة حجابا عاديا لا يلفت النظر، وترتدى سلسلة «مفتاح الحياة» الذى يعبر عن الرمز الفرعونى الشهير، وبمجرد دخولها طلب منها أحد الشيوخ الثلاثة، بطاقة تحقيق الشخصية لتدوين بياناتها، ورقم هاتفها، فى دفتر كبير مخصص لهذا الغرض.

كانت المحررة رقم «50» بين المترددين على الكشك فى أول يوم. فى البداية سألها الشيخ الثلاثينى أسمر البشرة عن ماهية سلسلة «مفتاح الحياة»، فأجابت بأنها رمز فرعونى، فرد قائلا: أعتقد أنه صليب. وعند ذلك تدخل زميله العشرينى رغم انشغاله بفتاة دخلت تسأل عن رأى الدين فى أحد الأمور، قائلا: هذا رمز فرعونى، ليس حراما. ثم عاد الشيخ صاحب البشرة السمراء ليقول: من الأفضل ألا ترتديه.

بعدها قالت الزميلة لنفس الشيخ إنها جاءت اليوم بناء على رغبة والدتها، وأضافت: والدتى طلبت منى مرارا وتكرارا أن أذهب لأحد الشيوخ لأن لدى ميولا للإلحاد، كما أشعر أن الإسلام يقلل من المرأة ولايعطيها حقها. ثم سألت: لماذا تعتبر المرأة نجسة فى فترة الحيض، ولا يجوز لها الصوم أو الصلاة، ولا يجوز لها أن تمس أو تحمل المصحف الشريف، رغم أن الله هو من خلقها على هذه الحال، وليس من المنطقى أن يخلق الله المرأة بمكونات جسدية مختلفة عن الرجل، ثم بعد ذلك توصم بالنجاسة بسبب دماء الحيض.

الشيخ الثالث ذو البشرة السمراء رد قائلا إن النبى عليه الصلاة والسلام، قَبل الحجر الأسود، وقال سيدنا عمر بن الخطاب، إنه لولا أنى رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك. فردت المحررة: يا سيدنا أنا أسألك عن دماء الحيض، ولماذا تعتبر المرأة نجسة فى تلك الفترة؟ وأضافت: هل يجوز أن أمسك المصحف الشريف أثناء فترة الحيض، فرد أحدهم: يجوز لكى أن تقلبى صفحاته باستخدام قلم، ولا تمسكيه بيديك، ولكن إذا كنت فى فترة دراسة فيجوز لكى أن تمسكيه، لأن الضرورات تبيح المحظورات.

بعد ذلك سألت الزميلة عن لماذا تأخذ المرأة ميراثها نصف ميراث الرجل؟ فقال الشيخ الخمسينى ذو اللحية البيضاء: هل تعلمين أن المسيحيين يرثون تبعا للشريعة الإسلامية، فردت: هذا فى مصر فقط، لأن القانون المصرى ينص على ذلك، لكن الغالبية العظمى من الدول الأوروبية على سبيل المثال تساوى بين الرجل والمرأة تماما فى الميراث، فقال لى أحدهم: «دى حكمة من ربنا احنا منعلمهاش»، ثم أضاف أن الرجل له حق القوامة، بمعنى أن الولد مسئول عن أبيه وأمه، لكن البنت ليست مسئولة عن أحد، وأوضح أن هناك حالات تأخذ فيها المرأة أكثر من الرجل، وعلى سبيل المثال إذا توفت امرأة ولديها زوج وابنة، فالزوج يأخذ الربع والابنة ثلاثة أرباع الميراث.

وأضاف أن المواريث ثوابت تشريعية، والله لا يشرع لنا شيئا يضرنا، وعندما قالت المحررة إن المجتمعات الإسلامية تغيرت تماما، وقد لا يكون من الممكن أن يطبق عليها ما تم إقراراه من 1400 سنة، رد قائلا إن الشرع به أحكام عامة، وليس مبنيا على أحكام شخصية.

وأضاف الشيخ: هل لديك شك فى أن الرجل أكثر إنفاقا من المرأة؟ فردت: نعم عندى شك، لأن المرأة أصبحت تعول وتنفق مثل الرجل، فماذا لو أصبحت القاعدة استثناء، والاستثناء قاعدة، كما هو الأمر حاليا؟ فأجاب: نفس الحكم ماشى، لأن الشريعة وضعت أحكام الاستثناء، والاستثناء لن يكون قاعدة، مثل الاستثناء فى أكل لحم الميتة فهذا استثناء وليس قاعدة، وأوضح أن الله يعلم الصالح، و«لا انتو عاوزين تحطوا راسكم براس الراجل».

وسألت محررة «الفجر» خلال حديثها عن سبب تقديم الآيات القرآنية المذكر على المؤنث، ماعدا آية «الزانية والزانى» التى تقدم فيها المؤنث على المذكر، فقال لها الشيخ إنها طبيعة اللغة العربية التى يقدم فيها المذكر على المؤنث، لكن الأمر مختلف فى آية «الزانية والزانى»، لأن لو المرأة هى التى باعت نفسها فستكون سببا فى سقوط الكثير من الرجال، ولو شريفة فلن يقع أحد.

وعندما استفسرت المحررة عن سبب ارتباط الشرف بالمرأة، قال الشيخ إنه من الطبيعى أن يقوم الرجل بمغازلة المرأة «طبعه كدا»، أما المرأة فطبيعتها الحياء وتقع الكارثة إذا فقدته.

وعن سر إباحة تعدد الزوجات قال الشيخ إن الإسلام جاء فى وقت كان فيه الرجل يتزوج 10 نساء، ولديه 10 ملكات يمين، وكان من الصعب فرض الزواج بواحدة فقط.

بعد ذلك قلت للشيخ إننى أريد خلع الحجاب، فهل من حق أخى أن يمنعنى من الخروج من المنزل ؟ فرد الشيخ: نعم من حقه ذلك، كما أن من حقه أن يمنعك من الخروج إذ ارتديت ملابس ضيقة لأنه سيسأل عنك.

سألته: هل المشاركة فى الجمعيات النسوية حرام، فأجاب لا، لأن المرأة مظلومة فى الكثير من المجتمعات.

سألته: عن حكم النزول فى مظاهرات ضد الحاكم، فقال: هناك قانون للتظاهر يجب اتباعه، وتقديم طلب للجهات المختصة بذلك ليس حراما، ولكن فى حال عدم تقديم طلب للجهات المختصة فهذا حرام، لأنه من الممكن أن يندس وسط المتظاهرين السلميين عناصر مخربة.

يعمل «كشك الفتوى» على فترتين تبدأ الفترة الأولى من التاسعة صباحاً حتى الثانية ظهراً، ثم من الثالثة ظهراً حتى الساعة الثامنة مساء، حيث يتواجد اثنان من شباب علماء الأزهر الشريف، يشرف عليهما عالم من أهل الخبرة.

من جانبه قال سيد توفيق عبدالعظيم، مدير توجيه بمنطقة وعظ القاهرة، والمشرف على إنشاء كشك الفتوى، إن التواجد بمحطات مترو الأنفاق، فكرة جديدة لنشر الوعى الدينى السليم لدى العامة، وامتداد لجهود مجمع البحوث الإسلامية، التى كانت أولى ثمارها هى دروس التعليم الدينى فى الإذاعة يوميا، عقب صلاة العصر، حتى يكون الأزهر الشريف متواجداً بين الجمهور، بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى المواطنين.

وقال إن من ينظر إلى تلك الخطوة بسخرية، عليه أن يوضح دوره من انتشار الأفكار المغلوطة والمتطرفة، متسائلا: أين هو من فتاوى القتل، ووصف عالم مثل الدكتور مجدى يعقوب، بأنه من أهل النار، رغم ما يقدمه من خدمات للبشرية، وأضاف أنه بدلا من السخرية من هذا المجهود لابد وأن يدعم الجميع الأفكار التنويرية.

وأوضح أن أغلب تساؤلات المواطنين كانت عن الإلحاد، وحكم التعامل مع البنوك، والأحوال الشخصية كالزواج والطلاق وغيره، مشيراً إلى أن هناك إقبالا كبيرا للغاية على كشك الفتوى، وبلغ المتوسط 140 زائرا على مدار اليوم، من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية.

«الفجر» سألت أيضا عن هل يعد التعلق بمن يطلق عليهم أولياء الله الصالحين، وآل البيت، إحدى البدع؟ وأجاب الدكتور عبدالرؤوف شوقى، قائلا إن أهل البيت فى مصر لهم وجودهم، مستشهداً بمقولة الكاتب خالد محمد خالد، عن سيدنا الحسين بن علي:  لو لم يكن الحسين موجوداً، نتمنى من الله أن يكون موجوداً.. وأضاف «شوقى» أن التعلق بآل البيت سمة من سمات المجتمع المصرى، وهو أمرنابع من التدين الشديد، والارتباط بالدين ولا يعد ذلك بدعة.

وبسؤاله عن حكم الإسلام فى ممارسات تنظيم داعش الإرهابى، أكد أن الإسلام انتشر بالتسامح والكلمة الطيبة، ولم ينتشر بالعنف والسلاح، مشيراً إلى أن الإسلام ليس حكراً على جهة أو جماعة أو أشخاص، ولا يجوز لأى كيان أو جهة أن تنصب نفسها للدفاع عنه، ذاكراً قوله تعالى: فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً.

وأشار إلى أننا فى نظر الداعشيين مرتدون، ويجوز قتلنا، ولذلك يحاربوننا دون غيرنا.

وفيما يخص الإلحاد قال إنه لابد من مناقشة الشخص الملحد، أكثر من مرة للوقوف على العوامل التى بنى عليها موقفه من الدين، فلا يجوز تكفير أى شخص، لأن التكفير له العديد من الشروط التى لابد من توافرها، لافتاً إلى أن معظم من يدعون الإلحاد بداخلهم نواة خير، من الممكن جداً إظهارها بالنقاش، والوقوف على الأسباب التى جعلتهم يجهرون بالإلحاد.

وعن حكم العادة السرية رد الشيخ عبدالرؤوف شوقى، قائلا إنها فعل محرم، لأن أضرارها أكثر من فوائدها، وتفتح باب انتشار الفاحشة بين الناس، لأنها تبعد الإنسان عما أمره به الله عز وجل، مشيراً إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أمرنا بالصيام فى حالة عدم قدرتنا على الزواج: من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يسطع فعليه بالصوم.

وأوضح أن الارتباط على مواقع التواصل الاجتماعى يجوز فقط إذا كان بشكل رسمى، وفقا لشرع الله، وخلاف ذلك غير جائز، لأنها خلوة غير شرعية فى معظم الأحيان.

وعن الارتباط بالمتبرجات من المسلمات، أكد أن جسد المرأة كله عورة بخلاف الوجه والكفين، لكن الارتباط بفتاة مسلمة متبرجة يعود للشخص نفسه، ولاتوجد حرمانية عليه فى ذلك، لأنه من الممكن أن يساعد فى التزامها.

وعن مشاهدة الأفلام الإباحية استشهد عبدالرؤوف بقول الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أذكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. مشيراً إلى أن نص الآية واضح وصريح ولا يقبل نقاشاً.

وبعد توجيه سؤال عن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، ولماذا نصبوا أنفسهم ممثلين عن الإسلام، رفض عبدالرؤوف التعليق، مؤكدا أن الإسلام دين كبير وشامل، ولا يمكن اختزاله فى جماعة، وكل إنسان مسلم مسئول عن دينه أمام الله.