في ذكرى وفاته.. 6 محطات في حياة قائد الثورة الفلسطينية: عالجته مصر

تقارير وحوارات

عبد القادر الحسيني
عبد القادر الحسيني

طفل يتيم الأم، تربى في كنف رجل مجاهد كل همه الدفاع عن حرية بلاده، ليكبر الطفل على نفس الهدف حتى تحوّل لمجاهد عظيم، وأصبح مثالاً في الحماسة والتضحية التي أنهت حياته وهو يحقق حلم حرية بلاده، إنه عبد القادر موسى كاظم الحسيني قائد فلسطيني ولد في القدس في 1908 واستشهد في 8 أبريل 1948 في قرية القسطل القريبة من القدس بعد أن قاد معركة ضد العصابات الصهيونية لمدة ثمانية أيام.
 
وفي ذكرى وفاته التي تمر علينا اليوم نرصد لكم أبرز محطات عن حياة قائد الثورة الفلسطينية "عبد القادر الحسيني" أبرز القادة العسكريين الفلسطينيين.
 
طفل يتيم الأم..والده مجاهد فلسطيني  
ولد القائد والمجاهد الفلسطيني عبد القادر موسى كاظم الحسيني في إسطنبول في 1910، وبعد عام ونصف فقد أمه واحتضنته جدته لأمه مع بقية أشقائه السبعة، والده شيخ المجاهدين في فلسطين، والذي شغل بعض المناصب العالية في الدولة العثمانية متنقلًا في عمله بين أرجاء الدولة العثمانية، فعمل في اليمن والعراق ونجد وأسطنبول ذاتها بالإضافة لفلسطين وأنعمت عليه الدولة العثمانية بلقب (باشا).

تربى الابن عبد القادر منذ نعومة أظفاره في بيت علم وجهاد، حيث كان هذا البيت بمثابة الحضن الأول له والذي كان يجتمع فيه رجالات العرب الذين يفدون إلى القدس، لأن والده موسى الحسيني كان رئيساً لبلديتها، وكان الأب موسى أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، وأول من دعا أهل فلسطين إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين عام 1920.
 
طالب مشاغب طرد من مصر
أتم عبد القادر الحسيني دراسته الثانوية بتفوق ثم التحق بعدها بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأمريكية في بيروت ثم ما لبث أن طُرد منها نظرًا لنشاطه الوطني ورفضه لأساليب التبشير التي كانت مستشرية في الجامعة، فما كان منه إلا الالتحاق بجامعة أخرى فتوجه إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ودرس في قسم الكيمياء بها، وفي حفل التخرج قال إن الجامعة تبث سمومها في عقول الطلبة، وطالب الحكومة المصرية أن تغلقها مما حدا بالجامعة الأمريكية في اليوم التالي بسحب شهادته، الأمر الذي أدى إلى تظاهرة كبري قام بها رابطة أعضاء الطلبة التي أسسها الحسيني وترأسها أيضًا وانتهى الأمر بقرار من حكومة إسماعيل صدقي بطرده من مصر فعاد أدراجه إلى القدس في 1932.

مناضل تسعى الإدارة البريطانية لتجنيده 
وكانت العودة إلى القدس بداية رحلة جهاد طويلة منذ 1935 إلي 1948 في معركة القسطل الجهادية وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة من جانب الإدارة البريطانية لضمه تحت جناحها من خلال توليته عددًا من المناصب الرفيعة إلا أن إيمانه بالجهاد المسلح كان أقوى من جميع إغراءاتهم ومنذ 1936 قام بتدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة وفي ذات العام قام عبد القادر الحسيني بإلقاء قنبلة على منزل سكرتير عام حكومة فلسطين تلتها قنبلة أخرى على المندوب السامي البريطاني وتوج نشاطه الوطني في هذا العام بعملية اغتيال الميجور سيكرست مدير بوليس القدس ومساعده، بالإضافة إلى اشتراكه مع أفراد الوحدات التنظيمية التي أسسها في مهاجمة القطارات الإنجليزية.
 
 
قائد يجوب الدول العربية: اعتقل في العراق وعالجته مصر
بلغت المقاومة ضد البريطانيين أشدها في معركة الخضر الشهيرة والتي أصيب فيها وفي خريف 1938، جُرح ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه في المستشفي الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي في بغداد عمل عبد القادر مدرسًا للرياضيات في إحدي المدارس العسكرية، و أيد ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، وشارك في قتال القوات البريطانية، واعتقل بالعراق لثلاث سنوات، وأفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر 1943، بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية.
 
فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين بمرافقة أسرته ثم عاد في1 يناير1946 إلى مصر الدولة التي كان طرد منها للعلاج، وأثناء وجوده في مصر عمد إلى وضع خطة لإعداد المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي فنظم عمليات التدريب والتسليح للمقاومين وأنشأ معسكرًا سريًا بالتعاون مع قوى وطنية مصرية ليبية مشتركة بالقرب من الحدود المصرية الليبية، كما قام بتدريب عناصر مصرية أيضًا للقيام بأعمال فدائية، حيث شاركت عناصره في حملة المتطوعين بحرب فلسطين وكذلك في حرب القناة ضد بريطانيا.
 
الاجتماع الذي تسبب في وفاته
"إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين، إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين"..كانت تلك الكلمات أخر ما نطق به قائد الثورة الفلسطينية "عبد القادر الحسيني".
 
"الحسيني" قائد ضرب مثلاً رائعاً في التضحية والحماسة والاندفاع، فأنهى حياته بسبب اندفاعه خلال معركة القسطل غير المتكافئة، وتفاصيل المعركة تدور كما دونها المؤرخون أن الحسيني غادر القدس إلى دمشق في أواخر مارس عام 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية، أملاً في الحصول على السلاح ليشد من عزم المقاومين على الاستمرار والاستبسال في القتال.
 
تتحدث كتب التاريخ عن هذا اللقاء بين عبد القادر الحسيني واللجنة العسكرية، ويقول "الحسيني" أن اللجنة العسكرية طالبته بعدم افتعال تصرفات فردية، وأن جامعة الدول العربية قد أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا، وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل، ورد عليهم بالجملة السابقة، ليذهب ويستشهد هناك.
 
استشهاد القائد..واحتفال الإسرائيليون بمجزرة "دير ياسين"
قام الحسيني باقتحام قرية القسطل مع عدد من المجاهدين ما لبث أن وقع ومجاهديه في طوق الصهاينة وتحت وطأة نيرانهم فهبت نجدات كبيرة إلى القسطل لإنقاذ الحسيني ورفاقه وكان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف، وتمكن رشيد عريقات في ساعات ظهيرة السابع من ابريل من السيطرة على الموقف وأمر باقتحام القرية وبعد ثلاث ساعات تمكنوا من الهجوم وطرد الصهاينة منها.

استشهد عبد القادر صبيحة الثامن من إبريل عام 1948، حيث وجدت جثته قرب بيت من بيوت القرية فنقل في اليوم التالي إلى القدس، ودفن بجانب ضريح والده في باب الحديد، وقد استشهد رحمه الله وهو في الأربعين من عمره، أي في أوج عطائه الجهادي.

ولما خرج الجميع لتشييع عبد القادر الحسيني أبت قوات الاحتلال الصهيوني إلا أن ترتكب مجزرة أخرى فعمدت إلى مهاجمة قرية دير ياسين لتقع المجزرة التي حوّلت المنازل لركام، وأجساد الفلسطينيين إلى أشلاء.