تأجيل الإنجاب.. موضة جديدة من رحم غلاء المعيشة.. هل تتحول إلى ظاهرة؟
"الظروف الاقتصادية.. والرهبة من ارتفاع نسب الطلاق".. دوافع قوية جعلت المرأة تفكر في تأجيل الإنجاب خوفًا من مصير غامض قد يذهب بها نحو الهاوية، لاسيما في ظل الاضطهاد الذي تعاني منه في مجتمع ينحاز لرجل ويمنحه كافة الحقوق، فضلا عن تقلبات الأحوال الاجتماعية والاقتصادية التي تضعهما معًا في موقف حرج.
دراسة: 12.6 % من السيدات لا ترغبن في الإنجاب
ووفقا لدراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تفيد بأن 12.6% من السيدات لديهن حاجه غير ملباة للحصول على وسائل تنظيم الأسرة، وترتفع هذه النسبة في ريف الوجه القبلي، وبخاصة لدى السيدات اللاتي لديهن 4 أطفال فأكثر لتصل إلى 22%.
وأضاف بيان الجهاز المركزي، الصادر صباح الأحد الماضي: "يشير مفهوم الحاجة غير الملباة إلى السيدات في سن الإنجاب (15- 49 سنة)، اللاتي لا يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة (لأسباب شخصية أو اجتماعية أو لعدم توافرها)، ولكنهن في الحقيقة يرغبن في تأجيل الطفل التالي (المباعدة) أو إيقاف الإنجـاب كلياً (تحديد)".
ضرورة
وعن مدى تقبل فكرة تأجيل الإنجاب لدى البعض، تستهل مريم عبدالله، طالبة في بكالوريس هندسة جامعة القاهرة، حيدثها قائلة: إن تأجيل الإنجاب بالنسبة لها ضرورة، لاسيما وأنها تزوجت في العام الأخير لدراستها، ولا يوجد حل أمامها سوى التأخير لمدة عام عقب إنهائها الدراسة.
الظروف الاقتصادية
وتتفق معها عليا المصري، معلمة بإحدى المدارس الخاصة، قائلة: "منذ البداية ونحن متفقان على تأجيل الإنجاب لفترة تترواح من سنة إلى سنتين، إلى أن تتحسن ظروفنا المادية، خاصة إننا تزوجنا في ظروف اقتصادية صعبة".
وتضيف"المصري"، في حديثها لـ"الفجر"، أن شقيقتها انجبت ثلاثة أطفال وتعاني من الظروف الاقتصادية وعدم قدرتها على تربية أبنائها تربية كما تمنت أن تكون، بالإضافة لتوزيع الاهتمام عليهم، مما تراه عبء، لذا فكرت في تأجيل الإنجاب.
إعادة تنشيط الحياة بين الزوجين
وترى نجوان يوسف، محامية، حديثة الزواج، أن فكرة تأجيل الحمل، تخالف الفطرة الداخلية للمرأة، فبطبيعتها تحب الأطفال، ولكن سرعة الحياة وانجراف الطرفين في العمل، أدى إلى حالة من الروتينية والملل في العلاقة بين الرجل والمرأة، لذلك لابد من فترة إعادة لتنشيط الحياة بين الطرفين ولو لفترة ما تزيد عن ستة أشهر، مشيرة إلا أنها فترة كافية لعودة الحياة والتعرف على بعض بشكل كافي بالاضافة لفترة الخطوبة.
10% من حديثي الزواج يطالبون بتأخير الإنجاب
قال الدكتور خالد أمين، أخصائي نساء وتوليد، إن في الآونة الأخيرة ارتفعت نسبة اقبال السيدات حديثي الزواج على تأخير الإنجاب، موضحًا أن هناك كثير من السيدات يطالبون بتأخير الإنجاب وتترواح نسبتهم حوالي 10%.
وأرجع "أمين"، في تصريح لـ"الفجر"، السبب وراء ذلك إلى غلاء المعيشة، وعدم استقرار الأوضاع، مشيرًا إلى أن كثيرًا من السيدات التي تود تأخير الإنجاب هم من الفئة العاملة.
وأشار أخصائي النساء والتوليد، إلى أن هناك حالات أخرى تلجأ إلى "عملية ربط الرحم"، لعدم الإنجاب بشكل نهائي، بعدما انجبت طفلين أو ثلاث مع أن هذا كانت نسبته قليلة في السنوات الماضية مقارنة بهذه الأونة، مردفًا أن السيدات كانت تلجأ لهذه الطريقة عقب انجابها أكثر من خمس أطفال، حاليا في حالات تأتي لي بعد انجابهم طفلين وتطالب بعمل عملية "ربط" لها.
مخاطر تأجيل الإنجاب
وشدد أخصائي النساء والتوليد، بأن في حال قرار تأجيل الإنجاب، لابد من عمل فحوصات للرجل والتأكد من أنه لم يعاني من بعض المشكلات التي قد تؤدي إلى عقم ثانوي والتي من الممكن يصعب عليه الإنجاب عقب تأجيل الحمل، أما السيدات فلا مخاطرة من تأجيل الحمل لديهم لمدة عامين، ولكن أكثر من ذلك من الممكن أن تتعرض الزوجة لاضطرابات في هرمونات الغدة الدرقية، لذلك لا يفضل تأجيل الحمل عند الطرافين أكثر من عامين.
لهذا السبب يمكن تأجيل الإنجاب
في ذات السياق أكد الدكتور عمرو حسن، استشاري نساء وتوليد، أن بالفعل هناك حالات كثيرة من السيدات حديثي الزوجاج تلجأ إلى تأخير الإنجاب من أجل معرفة الزوج والاستمتاع بحياتهم الزوجية.
وشجع "حسن"، في تصريح لـ"الفجر"، حديثي الزواج على تأجيل الإنجاب بشرط أن تكون الزوجة صغيرة في السن، نظرًا لأن فترة الحمل شاقة جدا في بدايتها من الناحية النفسية والمزاجية والصحية لدى بعض السيدات، ما يفقدهن القدرة على الاهتمام بالزوج، مما تؤثر سلبيًا على العلاقة.
وسائل غير مُضرة لمنع الحمل
وبسؤاله هل تأجيل الإنجاب في بداية الزواج له تابعيات سلبية، قال استشاري النساء والتوليد، بالطبع لا إذا كانت الوسيلة المستخدمة آمنة كأقراص منع الحمل؛ فهي آمنة على صحة المرأة، أما إذا استخدمت "اللولب" فله أضرار عدة بالإضافة أنها غير آمنة ومن الممكن أن تحمل المرأة بأي لحظة، لذا ينصح باستخدام وسائل منع الحمل للرجل، لأنها بديل آمن وليس له أضرار صحية.
تقليد للغرب ومخاوف من الفشل
من جانبه قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة، إن الخوف من نسب الطلاق المرتفعة حاليا، أدى إلى تخوف بعض الزوجات من الإنجاب عقب الزواج مباشرة، لذا يلجأن بعضهن إلى تأجيل الإنجاب ولو لفترة قليلة، معلقًا: " البعض ينتظر يرى شكل العلاقة بين الطرفين هل سيتحملان المشاكل ومعالجة الأزمات أم سيتم الانفصال".
وأضاف "فرويز"، في تصريح لـ"الفجر"، أن تأجيل الحمل مع بداية الزواج "هوس" آخر عند بعض السيدات، وتقليد أعمى للغرب، فبعضهن يرى أن من الطقوس الاجتماعية للطبقة العليا أن يأجلن الإنجاب للتباهي بين أصدقائهن بأنها تعيش حالة حب لا تنتهي، وبحاجة للاستمتاع بزواجهما أكثر، مشيرًا إلى أن هذه الحالة تعتبر قلق نفسي وتوتر من شكل العلاقة بعض الإنجاب.
ظروف اقتصادية وأعباء
بينما قالت الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن التغير الاجتماعي اختلف عن ما سبق، فمع انفتاح العالم التكنولوجي، أصبحت المرأة مطلعة أكثر على العالم من حولها، وباتت تستوعب مدى أهمية حياتها الأسرية وتخطط لها، لذلك خطوة الإنجاب قرار يؤرق الطرافين في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
وأضافت "الساعاتي"، في تصريح لـ"الفجر"، أن كثير من السيدات حديثي الزواج لديهن رغبة في إنجاب أطفال يعيشون في ظروف معينة، لذلك يفضلون تأخير الحمل إلى أن تتحسن ظروفهم الاقتصادية، من أجل عدم تحمل أطفالهم عبء وأيضا من أجل التصدي للأزمات الأسرية.
وأشارت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى أن أسباب اكتفاء بعض الأسر بطفلين واتخاذ قرار تأجيل أو عدم الإنجاب مرة أخرى، يرجع أيضًا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر، متابعة: "فكرة أن الزوجين ينجبوا ويتركوها للظروف أصبحت صعبة.. الناس بقت مدركة أن هذا كلام ليس أكثر.. وأن صعب يربوا أكثر من طفلين".
ماذا عن رأي الدين؟
وعن رأي الدين، يقول الدكتور رمضان عبد الرازق، أستاذ الفقه المقارن بمجمع البحوث، إذا كان تأجيل اإنجاب من باب التنظيم فلا مانع منه؛ بشرط أن يتم بموافقة الزوجين، لأن الإنجاب حق مشترك لهم معًا.
وأضاف "عبد الرازق"، في تصريح لـ"الفجر"، أما إن كان تأخير الانجاب بسبب عدم الاستقرار في العمل، وضيق الرزق فهذا لايجوز شرعًا، لما فيه من إساءة الظن وضعف التوكل على الله.