عبد الحفيظ سعد يكتب: البحث عن خارطة طريق جديدة لإنقاذ الحريات والاقتصاد

مقالات الرأي



هل تنتج عن حوار السيسى مع المثقفين والسياسيين؟

اختيار الرئاسة شخصيات تحمل صبغة معارضة للحرص على المكاشفة والمصارحة وفتح الملفات الشائكة

تعد النقطة الإيجابية فى نتيجة جولة الحوار الأولى بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ومجموعة من المثقفين والكتاب والمهتمين بالشأن العام والتى بدأت الثلاثاء الماضى، أنها تسعى للمزج ما بين الحلم والواقع.

الحلم الذى يطمح إلى تكسير الواقع المرير والأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التى تعيشها مصر الآن، متمثلة فى ارتفاع جنونى فى سعر الصرف وانخفاض قيمة الجنيه، مما يتبعه موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، وتوقع بأوضاع اقتصادية أكثر ألما لجيوب المصريين.

ويتزامن مع الأوضاع الاقتصادية، أوضاع أمنية قلقة فى سيناء مع استمرار التفجيرات الإرهابية التى تستهدف قوات الأمن، بصورة تدعو للقلق وتوهج لمبات الخطر مع زيادة وتيرة العمليات الإرهابية على الحدود الشرقية.

ولا يغيب عن الصورة الخط الأحمر للأمن القومى المصرى المتمثل فى مياه النيل الذى تهدده السدود الإثيوبية التى صارت أمرا واقعاً لا بد من التعامل معه.

يزيد من علامات الخطر وجود حالة من عدم الرضا فى المجتمع المصرى ليس فقط بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة لمختلف الفئات، وأزمات بين فئات ومهن كان أبرزها الأزمة بين الشرطة والأطباء بعد أزمة أمناء الشرطة، وخلافات مستمرة بين المحامين والقضاة، وأزمات تطال الحريات والإبداع مع التقارير التى تتحدث عن تراجع فى ملف الحريات بعد صدور عدة أحكام قضائية بحبس عدد من أصحاب الرأى والمبدعين، بصورة بدأت تؤثر على صورة مصر فى الخارج، خاصة أن ذلك يتزامن مع تقارير تتهم الحكومة المصرية، بسوء أوضاع ملف حقوق الإنسان بصفة عامة نتيجة ممارسة اتهمت بها الجهات الأمنية وكان آخرها التقرير الصادر من البرلمان الأوروبى، على خلفية مقتل الطالب الإيطالى ريجينى فى مصر، ويزيد من الانتقادات لمصر، فتح التحقيق مرة أخرى فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى التى تعمل غالبيتها فى ملف حقوق الإنسان والحريات.

يضاف لذلك الفجوة المستمرة مع الشباب الملاحق ما بين معاناة مستمرة مع البطالة وتحسين أوضاعه الاقتصادية، أو مطالب تسعى للإفراج عن شباب الثورة المحبوسين على ذمة قضايا تتعلق بقانون التظاهر.

لذلك كانت دعوة الرئاسة لفتح حوار مع مختلف فئات المجتمع فى هذا التوقيت ضرورة، لعلها فاتحة أمل جديدة، لخروج مصر من عنق الزجاجة، فى ظل أوضاع سياسية واستراتيجية محيطة بكامل إقليم الشرق الأوسط تهدد دولاً بالاندثار وشعوباً بالفناء.

ومن هنا عبرت الشخصيات التى دعيت لأول لقاءات الحوار، عن سعى للاستماع بواقعية، ومن هنا حملت الشخصيات التى حضرت اللقاء، صبغة أنها نقاط التلامس والتقارب بينها وبين الرئاسة أقل من جوانب الاتفاق. ورغم انتمائهم لثورة 30 يونيو، غير أن كتاباتهم وتوجهاتهم فى الفترة الأخيرة، حملت معارضة لسياسات الحكومة الحالية وانتقادات لتصرفات وتوجهات عدد من المسئولين وطريق إدارة الملفات فى الدولة.

وضمت القائمة أسماء، لا تخفى معارضتها واختلافها مع الأوضاع القائمة، بداية من المهندس أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكى والمنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، والمفكر الاقتصادى جلال أمين والكاتب يوسف زيدان وإبراهيم عبدالمجيد والسينارست وحيد حامد وقائمة تضم صحفيين منهم نقيب الصحفيين الأسبق ضياء رشوان وعبدالله السناوى ومحمد سلماوى وكاتبات/ إقبال بركة وفريدة النقاش.

وربما تعبر التوجهات للشخصيات المختارة لبدء جولة الحوار، مع الرئيس عن وجود توجه لدى الرئاسة ورغبة فى الاستماع إلى مناقشات حية تعبر عن الواقع، بعيدة عن نمط الإطراء والتملق للرئيس، للخوض فى انتقادات للأوضاع الراهنة، وهو ما حدث بالفعل خلال لقاء الرئيس الذى استمر لمدة ثلاث ساعات فى قصر الرئاسة، عبر الرئيس فى البداية عن استعداده للاستماع بحرية تامة للشخصيات المدعوة للحوار، وهو ما أقر به المدعوون فى وجود سعة صدر من الرئيس للاستماع بصورة مصارحة ومكاشفة وحرصه على تدوين ما يقولونه.

ففتحت الكاتبة فريدة النقاش ملف الشباب المسجونين، والمبدعين المحبوسين بتهمة تتعلق بازدراء الأديان أو خدش حياء المجتمع مثل أحمد ناجى وإسلام البحيرى، كما طالبت بإعادة النظر فى فتح التحقيق فى قضية تمويل المنظمات الأجنبية، لتأثير ذلك على حالة حقوق الإنسان وصورة مصر فى الخارج.

حملت مطالبات المثقفين فى اللقاء الأول مطالب تسعى لوضع تصور فعلى لتطوير الخطاب الدينى، بعد أن ترك الملف لشيوخ الأزهر على مدار ما يقارب العامين، دون تقديم تصور حقيقى، بينما تزداد وحشية الإرهاب تحت مسميات الدين، ويتم المعاقبة ومطاردة أى مبدع أو صاحب رأى بتهم على رأسها ازدراء الأديان التى كانت أحد مطالب المثقفين الذين التقوا الرئيس العمل على التقدم بمشروع قانون للبرلمان، لإقرار تعديل تشريعى يلغى هذه المادة ومواد أخرى تعاقب بالحبس فى قضايا النشر، بما يتعارض مع النصوص التى تم إقرارها فى الدستور الجديد.

لذلك كانت النصيحة التى حملها نقيب الصحفيين السابق ضياء رشوان للرئيس السيسى، تتعلق باحترام الدستور، ودعوته للرئيس أن يصدر بياناً يؤكد فيه عدم وجود نية لتغيير مواد الدستور القائم والدعوة لاحترامه حتى يقطع الطريق أمام المزايدين، سواء من بعض أعضاء البرلمان أو الإعلاميين الذين يتحدثون عن تغيير مواد الدستور، خاصة ما يتعلق بمدة فترة الرئاسة، وهو ما دفع الرئيس السيسى ليؤكد للحضور أنه "لا أحد يستطيع أن يبقى فى الرئاسة أكثر من الفترة المقررة"، ربما ليضع النقاط على الحروف فى هذه النقطة.

ولكن السيسى، لم يستطع أن يضع تصوره للتعامل مع ملف الحريات فى وقت تواجه فيه البلاد الإرهاب، ودعا الحضور لوضع تصور أو رؤية يمكن من خلالها تحسين أوضاع الحريات، بما لا يضر الوضع الأمنى فى ظل المخاطر المحيطة من تنامى ظاهرة العنف والإرهاب على مستوى العالم. ومن هنا وجه الرئيس دعوة للشخصيات المدعوة للحوار بأن تتبنى فيما بينها تشكيل فرق عمل، لتضع تصوراتها عن التعامل مع مختلف القضايا سواء الأمنية أو السياسية، بما فيها الأوضاع الاقتصادية، بعد أن طرح الدكتور جلال أمين العمل على وضع تصور لقضية البطالة التى يعانى منها قطاعات كبيرة من الشباب المصرى، باعتبارها القضية الأبرز لسوء الأوضاع، وهو الخيط الذى أمسك به ضياء رشوان عندما أكد ضرورة عدم التعامل مع قضية الشباب بقضايا المعتقلين فقط رغم أنها أمر ملح، غير أنه أكد ضرورة أن يتم وضع تصور أكبر لقضية شباب مصر بصفة عامة، سواء فى مجالات التعليم أو التوظيف أو العمل على انخراطهم فى الحياة السياسية.

وتحدث رشوان عن ضرورة العمل على وضع تصور لخارطة مستقبل جديدة، بعد الانتهاء من مراحل خراطة المستقبل التى وضع بعد 30 يونيو، بعد انتخاب البرلمان والانتهاء من تشكيل المؤسسات الدستورية فى الدولة.

ودفع ذلك السيسى لمطالبة المثقفين الذين حضروا اللقاء، إلى تشكيل ورش عمل ولجان مختصة ليضعوا خلالها رؤيتهم لتحرك مصر فى الفترة المقبلة، للعمل على تحسين الأوضاع السياسية والحريات والاقتصاد، مع تعهده بأن يستمر الحوار مع فئات أخرى من المجتمع، ولا يقتصر على المثقفين فقط، مع الوضع فى الاعتبار العمل على إنجاز المطالب، والتعامل بجدية مع الأفكار المطروحة، مع تعامله بشكل عملى ودعوته للنخب والمثقفين سواء من الحاضرين غير الحاضرين، لوضع تصورات عملية، لحل جميع المشاكل التى طرحت فى الاجتماع، وطرح مناقشة ما توصلوا إليه من الأفكار على أن يتولى وزير الثقافة حلمى النمنم تنسيق عمل هذه المجموعات، حتى تكون للحوار نتائج إيجابية ولا يتحول مثل غيره من الحوارات التى لم تسفر عن شىء وتتحول لجلسات شكلية و"مكلمة" دون أن تقدم جديداً، دون أن تقدم جديداً.. لكن ربما دافع الشعور بالأزمة التى تتجاوز الحدود ربما يكون محركا أن يتعامل الجميع بجدية وأن يبحثوا عن حلول قبل أن فوات الأوان.