أحمد فؤاد نجم.. عصفور "مصر البهية" (بروفايل)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

"يسبق كلامنا سلامنا يطوف ع السامعين معنا، عصفور محندق يزقزق كلام موزون وله معنى"، هكذا كان ينسج الفاجومي أحمد فؤاد نجم، ويخط بيده بماء من ذهب، يُعبر عن هموم الوطن ويكون صوتًا للثورة..

كان شابا مصريا واجه قسوة الحياة بين وفاة والده ووالدته، وحياته في الملجأ، حيث رفضته جميع أفراد عائلته، وفقد كل معاني الحنان والحب، ولم ير من الدفء الأسرى ما يجعله يشعر بالأمان في هذه الحياة، لكنه قرر أن يحب كل من حوله وأولهم وطنه وشعبه الذي اعتبره عائلته الكبرى، فتغنى بجمال مصر وشعبها ونظم أشعاره باللهجة العامية الأقرب لقلوب وأسماع شعبه.

مولده ونشأته
ينتمي "الفاجومى" إلى عائلة "نجم" المعروفة في أرجاء مصر، حيث ولد لأم فلاحة أمية من الشرقية وأب يعمل ضابط شرطة، وكان ضمن سبعة عشر ابن لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة ولم يره، وألتحق بعد ذلك بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في ذلك الزمن.

وأدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق حيث التحق بملجأ أيتام 1936م، والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ، ليتخرج منه عام 1945م، وعمره 17 عاما،ثم عاد لقريته للعمل كراعي للبهائم وانتقل بعد ذلك للقاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.

وتزوج العديد من المرات وله ثلاثة بنات هم عفاف, ونوارة, وزينب، وأول زوجاته هي فاطمة منصور وأنجب منها عفاف وأشهر زوجاته كانت الفنانة عزة بلبع والكاتبة صافيناز كاظم وأنجب منها نوارة نجم التي تعمل بالمجال الصحفي, وممثلة المسرح الجزائرية الأولى صونيا ميكيو، وكانت زوجته الأخيرة هي السيدة أميمة عبد الوهاب وأنجب منها زينب، ولدى "نجم" 3 أحفاد من عفاف
 
مشوار حياته
وعمل نجم في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلاً بين مهن كثيرة كلاعب كرة.. بائع.. عامل إنشاءات وبناء.. ترزي.

التقى "الفاجومى" في مدينة "فايد" إحدى مدن القنال التي كان يحتلها الإنجليز، بعمال المطابع الشيوعيين، وكان في ذلك الحين قد علم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى. واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال
وخرج الشاعر مع 90 ألف عامل مصر من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها على أثر إلغاء المعاهدة، وكان يعمل بائعاً حينئذ فعرض عليه قائد المعسكر أن يبقى وإلا فلن يحصل على بضائعه، ولكنه تركها وساند القضية .

وفي الفترة ما بين عامي 1951: 1956، عمل في السكك الحديدية، وبعد معركة السويس قررت الحكومة المصرية أن تستولى على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القناة وعلى كل ممتلكات الجيش هناك.
 
وكانت ورش الزقازيق تقوم في ذلك الحين بالدور الأساسي لأن قطارات الإسماعيلية والسويس وبورسعيد ضربت جميعاً في العدوان.
 
وشهدت في هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتها أو سمعت عنها في حياته كلها، حيث أخذ كبار الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم، وفقد أعصابه وسجل احتجاجه أكثر من مرة، إلا أنه لم يجنى شيء سوى النقل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن تعلم درساً كبيراً، أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية.

وفي وزارة الشؤون الاجتماعية عمل طوافاً يوزع البريد على العزب والكفور والقرى، وشعر حينئذ رغم أنه فلاح وعمل بالفأس لمدة 8 سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل.
 
وفي سنة 1959 التي شهدت الصدام الضاري بين السلطة واليسار في مصر على أثر أحداث العراق، انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية أحد الأحياء القديمة في القاهرة.

ويقول "الفاجومى": "وفي يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال، وما زالت آثار الضرب واضحة على جسدي حتى الآن".

 وبعد أن عاود إلى المصنع طلبوا أن يوقعوا إقراراً يقول إن العامل الذي مات كان مشاغبا وأنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه، ورفض"نجم" أن يوقع، فتعرض للتعذيب والضرب .

وبعد ذلك عاش "نجم" فترة شديدة التعقيد من حياته إذ وجهت إليه تهمة الاختلاس، ووضع في السجن لمدة 33 شهراً.

بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في عملياتهم، وبعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجاب "نجم" للدعوة وعينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي .

وفي تلك الفترة قام بعض المسؤولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترض، اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن ، وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية (صور من الحياة والسجن) وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن.

بعد خروجه من السجن عُين موظف بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ "إمام"  في حارة خوش،  ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به حتى أصبحوا ثنائي معروف وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين.

ونجحا في إثارة الشعب وحفز هممه قديماً ضد الاستعمار ثم ضد الديكتاتورية الحاكمة ثم ضد غيبة الوعي الشعبي، وقد انفصل هذا الثنائي بعد فترة واتهم الشيخ إمام قرينه أحمد فؤاد بأنه كان يحب الزعامة وفرض الرأى وإنه حصد الشهرة بفضله ولولاه ما كان نجم.

ويرى أحمد فؤاد نجم أن العامية أهم شعر عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة، فالعامية المصرية روح وهى من وجهة نظره  أهم إنجاز حضاري للشعب المصري وأحمد فؤاد نجم شاعر متدفق الموهبة فقد ألف العديد من الاغانى والتي تعبر جميعها عن رفضه للظلم وحبه الفياض لمصر واستيعابه الكامل للواقع الأليم.

ومن بين من غنوا أغانيه الموسيقي السوري "بشار زرقان" الذي ربطته به علاقة عمل استمرت لسنوات، سجلوا معاً ألبوم (على البال).

وانضم أحمد فؤاد نجم إلى حزب الوفد فى منتصف يونيو عام 2010 م،  بعد فوز الدكتور السيد البدوي شحاتة بانتخابات رئاسة الحزب في اتخابات عرفت بنزاهتها، إلا أنه أعلن استقالته في منتصف أكتوبر من ذات العام جراء الأزمة التي تسبب بها الدكتور سيد البدوي عندما أقال إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الدستور التي اشتراها السيد البدوي مع عدة شركاء في ذات العام،  ويعتبر واحد من مؤسسين حزب المصريين الأحرار، كما تم إنتاج فيلم يحكي سيرته واسمه "الفاجومي" وهو مأخوذ من مذكراته الشخصية.

وفاته
توفي أحمد فؤاد نجم في يوم الثلاثاء  3 ديسمبر 2013 عن عمر يناهز 84 عاما، بعد عودته مباشرة من العاصمة الأردنية عمّان، التي أحيا فيها آخر أمسياته الشعرية برفقة فرقة الحنونة بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتم تشيع الجثمان من مسجد الحسين بمدينة القاهرة.