وكيل المخابرات الأسبق : "مصر" لن تسمح لأحد بكتابة مشهد النهاية فى "سوريا"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

جهود دولية كبيرة من قبل روسيا وإيران الحليفين الرئيسيين للرئيس السورى بشار الأسد من اجل وضع حد للأزمة السورية التى شارفت على عامها الخامس ، وقد اعلنت الدولتان عن مبادرتين لحل الأزمة تتحذان من الحل السياسى مرجعية لهما . 

ولكن تبقى معضلتان كبيرتان وهما مصير الأسد ودوره فى المرحلة القادمة ، و الأمر الآخر وهو أكثر تعقيدا بلورة موقف موحد بين جميع الأطراف الدولية والاقليمية الفاعلة فى الأزمة السورية ذات المصالح والمحددات المتباينة والمتناقضة أحيانا.

وما بين تلك المصالح المتضاربة والأطماع الدولية و الإقليمية يبقى الدم السورى مراقا يتاجر به الجميع للوصول إلى أهدافه ، وتبقى الدولة السورية مسرحا لتوازنات القوى المتأرجحة ، ويبقى القرار السورى مرتهنا بما ستسفر عنه الصفقات التى تعقد خلف الأبواب المؤصدة يبرمها الأقوياء من امتلكوا أدوات الضغط والنفاذ إلى مكونات الداخل السورى للتوصل إلى الصيغة التى تبلور مصالحهم ، بعيدا عن حقوق شعب تقلصت أحلامه إلى بيت يستره ولقمة تسد رمق جوعه وليل بلا تفجيرات وصباح بلا جنازات ، أما الدولة الموحدة المستقرة فقد باتت من ماض أحيل إلى متحف الذكريات وتقطعت سبل استعادته وسط جحيم الحاضر وضبابية المستقبل.

الفجر التقت اللواء محمود زاهر وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق حيث أوضح أن المبادرة الروسية تتخذ من بيان جنيف ١ ومقترحات استيفان دى موستورا - مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا - مرجعية لما تطرحه من حلول ، كما أوضح أن موسكو التقت الأيام الماضية بالثلاثة فصائل الرئيسية المشكلة للمشهد السياسى السورى وهم المعارضة المدعومة أمريكيا وتشمل كل التنظيمات المنضوية أو المؤيدة للجماعات الإرهابية ذات التوجه المتعصب حيال شخص الرئيس الأسد ، والفصيل الآخر وهم المعارضة السورية الداخلية أو ما يعرف بالتنسيقيات الذين سبق لهم عقد مؤتمرين بالقاهرة وهؤلاء ينبذون العنف بكل أشكاله ويرفضون التدخل الأجنبى خاصا الأمريكى فى الشأن السورى و لهم مواقف مرنة حيال الأسد ، أما الفصيل الثالث هم الممثلون للحكومة والنظام السورى.

المبادرة الروسية

وأشار اللواء زاهر أن الطرح الروسى يعتمد بشكل رئيسى على توحيد صفوف المعارضة وعقد انتخابات رئاسية تحت اشراف الأمم المتحدة ، بخلاف السابقة والتى فاز فيها الرئيس الأسد مع اعتراض دولى واسع النطاق وعدم الاعتراف بنتيجة تلك الانتخابات ، كما أشار إلى أن نقطة الخلاف الرئيسية التى لازالت محل جدل كبير ليس فقط على مستوى المعارضة وإنما على مستوى دولى واقليمى أيضا هى شخص أو مصير الأسد حيث تتشدد أطراف دولية واقليمية واطياف المعارضة السورية الموالين لهم برحيل الأسد أولا قبل اجراء أية انتخابات.

وأكد اللواء زاهر على أن المشهد السورى مرتهن بتوازنات القوى بين مجموعة من الاطراف الدولية والاقليمية بحيث يستحيل التوصل إلى صيغة نهائية لحل الأزمة دون توافق جميع الاطراف وهم روسيا والولايات المتحدة على المستوى الدولى ومصر والسعودية وإيران وتركيا وإسرائيل على المستوى الاقليمى، مشيراً إلى أن جميع هذه الأطراف لها محدداتها الخاصة التى تبلور مصالحها وتحكم صناعة قرارها حيال الأزمة السورية ، الأمر الذى يزيد المشهد تعقيدا ويقلص من فرص التوصل إلى تصور جامع لحل الأزمة .

لقاء الدوحة المثير للجدل

كما اشار اللواء زاهر إلى لقاء عقد بالدوحة مطلع أغسطس الحالى حيث التقى خلاله وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بنظيريه الروسى سيرجى لافروف والسعودى عادل الجبير بوجود خالد مشعل رئيس المكتب التنفيذى لحماس ، وقد اعقب ذلك لقاءات رفيعة المستوى بين عدة اطراف ، أهمها كان لقاء عادل الجبير بنظيره الروسى فى موسكو مجددا عقب أيام قليلة من لقاء الدوحة ، كما التقى وزير خارجية سوريا وليد المعلم بنظيره الإيرانى فى طهران.

موضحا أن ذلك مؤشر قوى على أن هناك جهود دولية رفيعة المستوى تبذل الآن لتنسيق المواقف ولتبادل وجهات النظر ولبحث القواسم المشتركة التى تعبر عن مصالح جميع الاطراف وتدفعهم لبلورة موقف موحد إزاء الأزمة السورية ، مؤكدا على أن التوصل إلى الصيغة المشتركة أمر وإن كان غير مستحيل ، الا أنه صعب على ضوء التباينات الكبيرة بين مواقف ومحددات كل طرف.

الموقف الروسي 

فمن ناحية الموقف الروسى ، فإن فلادمير بوتين يدرك جيدا المساعى الأمريكية لحصار روسيا وتقليص نفوذها من خلال أزمتى اوكرانيا وسوريا ، ومن ثم يلجأ إلى فتح قنوات تواصل مع إيران لتوظيفها كورقة ضغط على الولايات المتحدة من خلال تهديد إسرائيل ، كما يستميت للحفاظ على نقاط ارتكاز روسيا فى المنطقة سواء اوكرانيا التى تمثل الحديقة الخلفية لروسيا ، أو سوريا التى تمثل موطئ القدم الوحيد المتبقى لها فى المنطقة العربية ، وبالتالى فروسيا لن تسمح للولايات المتحدة باخراج المشهد السورى بمفردها وستلجأ إلى كل الوسائل التى تعزز من تواجدها وتفتح لها المجال كأحد المحركين الرئيسيين للمشهد.

الموقف الأمريكى الإسرائيلي

ومن ناحية الموقف الأمريكى الإسرائيلى فعلاوة على الجهود الأمريكية لحصار روسيا فالطرفان لديهما مصلحة مؤكدة فى اذكاء الصراع فى المنطقة العربية لما فى ذلك من تعزيز للأمن الإسرائيلى وزيادة الحاجة إلى السلاح الأمريكى، ويضاف إلى ذلك فإن الطرفين يخططان لاعادة ترتيب المنطقة وفق الصيغة التى تتلائم مع مصالحهما.

بالإضافة إلى أنهما يدركان جيدا أن إيران تحاول كسب الوقت فيما يتعلق ببرنامجهها النووى ، ومن ثم فهناك حاجة ماسة إلى كبح الجماح الإيرانى من خلال ادواتها وعلى رأسها النظام السورى وحزب اللة ولكن فى ذات الوقت فالولايات المتحدة تحاول توظيف المارد الإيرانى لتهديد أمن الخليج.

الموقف الإيراني

وعلى الجانب الآخر فإن إيران تدرك جيدا أن اتفاقها النووى مهدد بسبب المساعى الإسرائيلية لعرقلة ذلك الاتفاق من خلال الكونجرس ، كما تدرك أن الادارة الأمريكية بدورها تكسب وقتا بتمريرها ذلك الاتفاق ، كما تدرك المساعى الأمريكية لجعلها العدو الذى يقف ضده الجميع فى المنطقة العربية ، لذا هى تحاول المناورة للفكاك من المختطات الأمريكية الإسرائيلية من خلال فتح قنوات اتصال حيوية مع روسيا لعمل التوازن المطلوب بينها وبين الولايات المتحدة ، كما تحاول التواجد بفاعلية فى المشهد السورى وكان آخر تلك الجهود طرح مبادرة حيال الأزمة السورية وذلك من أجل كسب الوقت للافراج عن أموالها المجمدة وتحسين وضعها الإقتصادى ثم استئناف المعركة فى ظروف أفضل بالنسبة إليها .

الموقف المصري

وبالنسبة إلى الموقف المصرى ، فإن مصر اعلنت بوضوح عن سياستها الخارجية إزاء المنطقة العربية وازماتها ، وقد صرح بذلك الرئيس المصرى خلال كلمته التى القاها فى الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر الماضى ، حيث قال مصر تتبنى الحل السياسى للأزمتين السورية والعراقية وتدعم وحدة وسلامة آراضيهما ، ومن ثم فإن مصر لن تقف موقفا محايدا من الأزمة السورية ولن تسمح بما يهدد الأمن القومى العربى الذى يمثل أهم محددات أمنها القومى ، اضف إلى ذلك فإن الطرح المصرى يتوافق مع الروسى ولا يتوافق مع الأمريكى التركى ، اما الموقف الخليجى فهو اكثر ميلا إلى الموقف الأمريكى ولكنه يحاول التوفيق بين مصر والولايات المتحدة ، ولكنه غير قادر على خسارة مصر أو التوقف عن دعمها لما تمتلكه مصر من القوى الشاملة للدولة التى تؤهلها لقيادة وحماية المنطقة العربية.

الموقف الخليجي

فيما يتعلق بالموقف الخليجى فإن كم التهديدات والضغوط الواقعة على السعودية على وجه التحديد كثيرة وخطيرة ، وذلك عبر ثلاثة محاور، أولا تنامى الجماعات الإرهابية على حدودها الشمالية الشرقية " داعش " و الجنوبية " الحوثيين " ثانيا تنامى النفوذ الإيرانى ، ثالثا العلاقات التركية القطرية ودعمهم للموقف الأمريكى والجماعات الإرهابية فى المنطقة ، الأمر الذى دفع السعودية إلى فتح قنوات تواصل مع روسيا لتحقيق هدفين ، أولا عمل توازن مع الولايات المتحدة دون الإخلال بعلاقتها معها ، ثانيا استخدام روسيا كورقة ضغط على حليفتها إيران ، وإذا كانت السعودية وروسيا قد اتفقتا على بيان جنيف ومقترحات دى ميستورا ، الا أن مصير الأسد ودوره لازال محلا للخلاف.

الموقف التركى

أخيرا فإن تركيا أحد اللاعبين الأساسيين فى المشهد السورى وهى لن تسمح باستبعادها ، والموقف التركى الآن فى أسوأ حالاته عقب افتضاح دعم الرئيس التركى للجماعات الإرهابية ، علاوة على خسارته مصر أهم دولة فى المنطقة العربية ، هذا بخلاف الخلافات الداخلية التى اعجزت حزب اردوغان على تشكيل حكومة منفردة ، وأخيرا فشل كل الجهود الرامية لقبول تركيا كعضو فى الاتحاد الأوروبى ، الأمر الذى دفع تركيا لفتح قنوات تواصل مع قطر لاعادة التواجد فى المشهد العربى وفق الصيفة التى تحقق مصالحهما وهى دعم كل الجماعات الإرهابية خاصة التى تنتشر فى سوريا.

ويشكل الأكراد أهم محددات الموقف التركى فى الوقت الراهن لذا فإن اردوغان سيسلك كل السبل التى من شأنها الحفاظ على سلامة الآراضى التركية من أية محاولات انفصالية من قبل الاكراد أو الانضمام إلى الدولة الكردية المحتملة ، علاوة على ضمان التواجد فى المشهد السورى كأحد اللاعبين الذين لا يمكن تجاوز قرارهم عند صياغة أى سيناريو لإنهاء الأزمة السورية.

واختتم وكيل المخابرات العامة الأسبق حديثه قائلا : تموج المنطقة العربية بتوترات حادة تقوض الأمن والاستقرار ، وما يزيد الوضع تعقيدا هو حالة السيولة الشديدة التى يعيشها الواقع الدولى والتى تجعل موازين القوى فى حالة تأرجح ، كما تجعل طبيعة العلاقة بين الاطراف فى حالة من التغير السريع وغير المنضبط ، ومن ثم يصعب فى اطار ذلك بلورة رؤية عربية محددة لحل الأزمات العديدة التى تهدد المنطقة ووضع السيناريوهات الملائمة لمواجهة تلك العداءيات .