عصام دربالة.. أمير «الحلول الوسط» فى الجماعة الإسلامية

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر

احترف المناورات وعقد الصفقات، وفتح قنوات الاتصال مع جميع الأطراف، وعد أجهزة الأمن وماطلها، تلقى تمويلات من جماعة الإخوان، وأطلق تصريحات ضد العنف، وتحالف مع القيادات الهاربة إلى الخارج، لكنه سيطر على الجماعة بيد من حديد.. إنه عصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وأميرها الذى قادها فى فترة شديدة الحساسية بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو قبل وفاته فى سجن العقرب، الأحد الماضى، متأثراً بهبوط فى الدورة الدموية والتنفسية.

رحيل دربالة، كان مفاجأة درامية، ومشهدا فارقا فى تاريخ الجماعة الإسلامية، ونقطة تحول فى خصومتها مع الدولة، ينذر بعودة الجماعة إلى مسار العنف والإرهاب الذى انتهجته فى تسعينيات القرن الماضى، ويسلمها إلى القيادات الهاربة فى قطر وتركيا من الموالين لجماعة الإخوان بلا رجعة.

جمع دربالة بعد وفاته جميع الخصوم حيث كان فى انتظار جثته أمام مجمع سجون طرة ومشرحة زينهم أمراء الجماعة الإسلامية فى القاهرة والوجه البحرى وشيعه أمراء وكوادر الجماعة بالصعيد فى صلاة الجنازة ومراسم الدفن التى جرت فى المنيا مسقط رأس دربالة.

وتصدر المشيعين فى القاهرة كل من عبود الزمر ومنتصر الزيات وكرم زهدى، الذى سبق وأطاح به دربالة من قيادة الجماعة، وبدوره حرص ناجح إبراهيم، على تقدم صفوف المشيعين لدربالة فى المنيا رغم الخصومة السابقة بينهما، وتولى قادة الجماعة على الدينارى وصلاح رجب وشعبان على إبراهيم ومحمد إبراهيم وأسد» الابن الأكبر، لعمر عبدالرحمن، أمير الجماعة التاريخى مهمة «الغسل الشرعى» داخل مشرحة زينهم.

لم تتعرض أجهزة الأمن لقادة الجماعة الإسلامية المطلوبين أمنيا على ذمة قضايا عنف، والذين تواجدوا أمام مشرحة زينهم لاستلام جثمان دربالة، وأبرزهم صلاح رجب مسئول الجماعة فى أسيوط الذى ألغى زفاف ابنته حداداً على دربالة، وكذلك أبوعاصم رفعت حسن، مسئول الجماعة فى الإسكندرية.

قام طارق الزمر بالنفخ فى النار وتحريض الجماعة الإسلامية على الثأر لدربالة بزعم أن الدولة اغتالته داخل سجن العقرب.

وسارع الزمر من قطر بالإعلان عن تولى أسامة حافظ، النائب الأول لدربالة قيادة الجماعة الإسلامية كرئيس لمجلس الشورى، وهو الإعلان الذى أثار علامات استفهام حول مستقبل الجماعة تحت إمرة حافظ المعروف بعدم امتلاكه القوة والنفوذ التنظيمى المطلوبين لملء فراغ دربالة.

واقع الجماعة الإسلامية يهدد بعدة سيناريوهات أبرزها سيطرة القيادات الهاربة على مسار الجماعة، وهم الموالون لجماعة الإخوان، والذين انقلبوا على «مبادرة وقف العنف»، والتى تدعم باستماتة الاستمرار فى تحالف دعم الشرعية، وتتبنى استراتيجية الإرهاب فى مواجهة الدولة وأبرزهم محمد شوقى الإسلامبولى ورفاعى طه إلى جانب مجموعة قطر، طارق الزمر وعاصم عبدالماجد، فى إعادة لإنتاج سيناريو التسعينبات الذى كان التنظيم يدار فيه من قبل القيادات الهاربة خارج مصر.

وتوقع فؤاد الدواليبى، أحد القيادات التاريخية الذى انشق مؤخرا عن الجماعة الإسلامية، أن تتسبب وفاة دربالة، فى تفجير الصراع على النفوذ والمناصب بين قيادات الجماعة الإسلامية فى مصر من ناحية، وبينهم وبين القيادات الهاربة إلى الخارج.

طى صفحة دربالة واستراتيجيته فى إدارة الجماعة الإسلامية، لحظة بلا شك فارقة فى تاريخ التنظيم، إذ إن الرجل كان محتفظاً بتحالفه مع الإخوان مستفيداً من تمويلاتهم، خاصة أن الأخيرة كانت تساوم وتضغط لوجود قيادات الجماعة الإسلامية فى الخارج كـ«رهائن» تحت رحمتها حيث تتحمل تكاليف إقامتهم وقادرة على توفير وظائف لهم أو طردهم منها.

دربالة كان اكتسب شرعيته كرئيس لمجلس شورى الجماعة الإسلامية، بالإطاحة بكرم زهدى وناجح إبراهيم، الذين أصدروا مبادرة وقف العنف فى ظل وجود نظام الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، وبالتالى لم يكن دربالة يستطيع التخلى عن تحالفه مع الإخوان بصفتهم دعاة الدولة الإسلامية حتى لا تتهدد مصداقيته فى نظر القواعد، بحسب هشام النجار الباحث فى شئون الحركات الإسلامية.

وكان دربالة حريصاً طول الوقت على الموائمة مع قيادات الجماعة الهاربة فى الخارج وعدم فصلهم عن الإدارة المركزية للجماعة فى مصر، للحيلولة دون شق الصف فى ظل إدراكه لوجود أنصار موالين للهاربين، خاصة فى ظل التناقض الظاهرى بين تصريحات دربالة الهادئة المهادنة للدولة وتصريحات العنف من جانب الهاربين وهو كان نوعا من تقسيم الأدوار.

ويعود أسلوب دربالة لأنه كان يمتلك طموحاً شخصياً بتحويل الجماعة الإسلامية إلى قوة فى الشارع السياسى، لذا اختار منذ اللحظة الأولى عدم قطع شعرة معاوية مع أجهزة الأمن للحفاظ على كيان الجماعة وعدم خسارة أعضائها بمواجهة إرهابية صريحة مع الدولة، حيث وضع استراتيجية خاصة للتعامل مع أجهزة الأمن تعتمد على المد والجزر والإغراء بالوعود والمماطلة فى تنفيذها دون إغلاق باب التفاوض، أو قطع الصلة مع الأجهزة.

استجاب دربالة وصفوت عبدالغنى للدعوة التى قدمها لهم اللواء محسن حفظى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، فى مكتبه بعد ثورة 25يناير، عندما قررت الوزارة الوقوف على حقيقة الصراع على القيادة فى الجماعة ومساندة الفريق الأقوى فى الصراع، حيث كان دربالة يرغب فى الحفاظ على الجماعة ككتلة واحدة تحت عينه بدلاً من تفتيتها إلى مجموعات متشرذمة ترتد إلى العمل المسلح وبالتالى حصل دربالة فى المقابل على مكاسب للجماعة بالجملة.

وبعد انتهاء شهر العسل مع أجهزة الأمن بعد 30 يونيو، لم يقطع دربالة للأجهزة الأمنية برفض مباشر للصفقة المعروضة عليه بانسحاب أعضاء الجماعة من اعتصام رابعة مقابل الاحتفاظ بشرعية الجماعة والحزب وعدم المساس بالأعضاء المنسحبين من الاعتصام، حيث أعلن موافقته ثم عاد وتنكر لها.

وفقاً للباحث هشام النجار لم تكن أجهزة الأمن حتى فترات متأخرة ترغب فى إطار مواجهتها المفتوحة مع الإخوان فى فتح جبهات أخرى فى نفس التوقيت، لذا استخدمت أسلوب «المراقبة» بحق أعضاء الجماعة الإسلامية، بدلا من «المواجهة» بعكس استراتيجية التسعينات لذا لم يتم إلقاء القبض على القيادات الهاربة داخل مصر إلا فى مرحلة متأخرة، وكانت الأجهزة الأمنية تقبل وساطة قيادات الجماعة للإفراج عن أعداد كبيرة من شباب الجماعة المقبوض عليهم، وذلك فى مقابل عدم عودتهم لمشاركة الإخوان مظاهرات العنف، ولم يتم تجميد حزب البناء والتنمية رغم مطاردة وسجن رئيس وقيادات الحزب على ذمة قضايا تحريض على العنف.

وأكد خالد عكاشة الخبير الأمنى، أن الأجهزة الأمنية بذلت المحاولات وعقدت الجلسات المتتالية مع قيادات الجماعة الإسلامية لإقناعهم بالخروج من تحالف دعم الشرعية، وحذرتهم من أن الجماعة تقطع آخر أمل لها بممارسة العمل السياسى وستعود إلى نفس نقطة المواجهة مع الدولة فى 1981.

ورغم ذلك تزايد عدد أعضاء الجماعة الإسلامية المتورطين فى الأعمال الإرهابية بعد سقوط الرئيس المعزول محمد مرسى، حيث بلغ عدد المتورطين منهم 900، عدد منهم انضوى تحت 5 قضايا مغلقة بكاملها على تنظيم الجماعة الإسلامية و70 قضية أخرى بالمشاركة بينهم وبين غيرهم من التنظيمات.

رغم كافة الفرص، رفض دربالة مبادرة عبود الزمر بالتوسط لدى الأمن للإفراج عن أعضاء الجماعة فى مقابل الانسحاب من تحالف الإخوان، ثم صدرت التوجيهات بعقد جمعية عمومية للجماعة فى زفاف أسماء ابنة عمر عبدالرحمن فى ناهيا لبحث الأمر، وانتهت إلى الرفض.

غير أن الجميع فوجئ أن الجمعية العمومية التى تم عقدها قبل أسبوعين فى مقر حزب البناء والتنمية بالجيزة، وطالب أعضاؤها بالانسحاب من التحالف بعد القبض على دربالة، انتهت بطلب أسامة حافظ، نائب رئيس مجلس الشورى، بإمهاله الفرصة لاستطلاع رأى قيادات الخارج فى الانسحاب من عدمه.

فى مقابل فرضية اندفاع الجماعة بشكل أكبر إلى الإرهاب مع زيادة نفوذ قيادات تركيا وقطر وملابسات وفاة دربالة، يرى ماهر فرغلى الباحث فى شئون الحركات الإسلامية أن الجماعة ستلجأ لاستراتيجية «التراجع التكتيكى» فى مواجهة الأمن بعد وفاة رئيس مجلس الشورى، وأن الأجهزة ستمنحهم فرصة نهائية للانفصال عن الإخوان وقيادات العنف.