منال لاشين تكتب : أسرار بين الحكومة والرئاسة

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر

■ السيسى يشكل مجلساً سرياً اقتصادياً لمراجعة المشروعات ووضع خطة طويلة المدى للنهوض بمصر ■ مفاجأة: حكومة محلب تعود للخصخصة وتطرح مشروعات عامة فى المؤتمر الاقتصادى بمارس ■ وزير الزراعة يهدى سلفه أمين أباظة رقبة الفلاحين على طبق القطن

■ 6 وزراء غاضبون من انفراد أشرف سالمان بالشباك الواحد خوفاً من ضياع نفوذهم ■ الرئيس للقطاع الخاص: اللى مش هيقدر يشتغل بسرعة زى الجيش يخرج من الباب من دلوقتى ■ وزير الرياضة يعرض على كبار المخرجين دعم السينما بـ200 مليون جنيه من أموال صندوق «أسامة ياسين»

دعنا من لعبة حركة المحافظين التى طالت حتى أصبحت إحدى النكات الرسمية أو حتى إجراء تعديل وزارى محدود ومشكوك فى أمره ولو حدث فهو مثل اللعب فى الوقت الضائع لأن تشكيل مجلس النواب الجديد صار على بعد كام شهر، دعك من تصريحات الحكومة ليل نهار عن حزمة المشروعات التى ستطرحها مصر فى المؤتمر الاقتصادى فى مارس، فالمؤتمر حتى الآن أقرب لحفل استقبال كبير فى شرم الشيخ، ولكن فى هذه الحفلة قد نصدم فى المشروعات التى ستطرحها الحكومة، ونكتشف أن العجلة ترجع للخلف بسرعة أكبر مما نتصور جميعاً، دعك من كل التصريحات والحوارات الفضائية والأرضية، خلينا فى الواقع، فيما يدور خلف الأبواب المغلقة وفى دهاليز الحكومة والرئاسة على حد سواء، فالأسرار والقصص على الأرض تبعد ألف ميل عما تصدعنا به الحكومة ليل نهار،

هناك بعض القصص والأسرار تدعو للتفاؤل لأنها تكشف أننا نرى عيوبنا ومشاكلنا بوضوح، ونتعامل مع تراكمات الماضى بذكاء وحنكة، ولكن مثل هذه الأسرار نادرة وقليلة، فمعظم الأسرار والحكايات تؤكد أننا لم نتغير ولن نتغير لأننا نعمل ونسير بإصرار مؤسسى على نهج نظام مبارك، ليست الوجوه فقط هى التى تحدد شكل وطبيعة النظام السياسى، وليست الأشخاص فقط هى التى تحدد التفاعلات وترسم خريطة الواقع، ولكن الفكر وطريقة العمل وشكل الأداء والخوف على نفوذها أو الخوف من توقيع قرار وترك الأمور الحساسة لرئيس الحكومة أو الرئيس أو حتى ركن الملفات التى تبدو حساسة على الرف، كل هذه السمات هى التى تلعب بقوة ضد مستقبل مصر، تعيق حركتنا للأمام وتظل تشدنا إلى نظام رفضناه وأسقطناه، ورفضنا سعيه الحثيث لبيع مصر، ولكننا بعد ثورتين قد نكتشف أننا نبتلع بعض ما رفضناه بأسماء مختلفة وبدعاوى متعددة، ولكنها فى النهاية مجرد صورة أخرى من القديم.

1- مجلس سرى

فى الأشهر الماضية من حكم الرئيس السيسى جرى تشكيل أربعة مجالس استشارية تابعة للرئاسة، وجرى الإعلان عن هذه المجالس وتشكيلها تباعا، وفجأة توقف قطار الإعلان عن آخر مجلس من هذه المجالس وهو المجلس الاستشارى الاقتصادى، ولكن عدم الإعلان عن المجلس لا يعنى أن الرئيس السيسى غير مهتم بالاقتصاد أو تشكيل مجلس، ولكن الرئيس أصبح أكثر اقتناعا بأن المناخ السياسى والاجتماعى يتطلب نوعاً خاصاً جدا من المجالس أو بالأحرى الخبراء، يبحث السيسى الآن تشكيل مجلس اقتصادى خاص جدا وفريد من نوعه، مجلس سرى لا يتم الإعلان عن أسماء أعضائه ولا تلتقط الصور للرئيس مع أعضائه خلال الاجتماعات، ولا يظهر أعضاؤه كضيوف فى البرامج الفضائية، السيسى يبحث الآن عن خبراء فى ملفات الاقتصاد المختلفة يقبلون العمل فى سرية وصمت كامل، وربما أراد السيسى أن يجنب أعضاء المجلس الجديد ضغوط الإعلام والأهم أن هذا النمط يجنب أعضاء المجلس إغواء السلطة التى عانت منه مصر كثيرا خلال نظامى مبارك ومرسى على حد سواء، فما أن يرتبط أى شخص بمؤسسة الرئاسة بأى شكل، حتى يصبح هذا الشخص محط الأنظار ويسعى البعض إليه بغرض الاستفادة من قربه من الرئاسة، ويؤدى هذا المناخ إلى إغواء وفى كثير من الأحيان يتورط الشخص المقرب فى شبكة عنكبوتية فى مصالح مالية أو مشاكل أخلاقية.

المجلس السرى سيجنب أعضاءه هذه الضغوط، ويضمن أن كل خبير وكل عضو فى هذا المجلس يعمل فقط لأنه مؤمن بمصر ويريد أن يخدم البلد دون أى مقابل من أى نوع، لأن أعضاء المجلس السرى لم يحصلوا على مقابل مادى مثلهم مثل كل أعضاء المجالس الأخرى.

2 - عودة الخصخصة

المشاكل التى ستواجه المؤتمر الاقتصادى كثيرة، ويرجع معظمها إلى البطء القاتل فى الإعداد للمؤتمر، وواضح أن الحكومة تتعامل مع المؤتمر وكأنه مجرد حفلة كبيرة، حفلة سيحضرها ناس عرب وأجانب وقعدات دردشة، وتتحول جلسات المؤتمر إلى حوار عما أنجزناه سياسيا وأحلامنا لمصر اجتماعيا واقتصاديا، لأن الحكومة أو مجموعة المؤتمر لم ترسل حتى الآن الدعوات للجهات التى ترغب فى حضورها المؤتمر، لأن المؤسسات الكبرى وكبار رجال الأعمال فى العالم كله ينظمون أعمالهم بالشهور، كما أن الحكومة لم تطرح المشروعات فضلا على كونها لم تحددها بعد، وهذا المعنى كان واضحا فى حوار رجال الأعمال الكويتيين خلال زيارة الرئيس للكويت.

ولكن دعنا من كل هذه الأخبار المزعجة والتى لا تبشر بأى خير، ثمة كارثة أخرى مختفية فى كواليس وزراء المهندس محلب، فكل وزارة أو بالأحرى وزير يضع قائمة بمشروعات لطرحها فى المؤتمر الاقتصادى على المستثمرين، وتحت مسمى أو بالأحرى تحت الزعم بالاستثمار المشترك أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تقدمت بعض الوزارات بمشروعات من القطاع العام ليتم طرحها على المستثمرين، وذلك من خلال المشاركة مع القطاع الخاص برفع رأسمال للمشروعات، وهذا الإجراء هو أحد أساليب الخصخصة، الأخطر أن الحكومة أو بالأحرى عدد من وزراء المجموعة الاقتصادية يؤمنون بأن العودة للخصخصة هى مسألة وقت، وأن المشكلة الآن ليست فى رفض البيع ولكن فى عدم وجود شركات ومصانع «تزغلل» عين المستثمر الأجنبى.

3 - أزمة الشباك الواحد

من بين ما أثاره رجال الأعمال الكويتيين فى اللقاء المشترك مع الرئيس وبعض الوزراء قانون الاستثمار، أو بالأحرى تأخر صدور قانون الاستثمار الموحد وهو القانون الحاكم لكل قواعد وإجراءات الاستثمار فى مصر، ومن البديهى أن كل مستثمر ينتظر قانون الاستثمار حتى يدرسه جيدا قبل اتخاذ قرار بالاستثمار فى مصر، ومشكلة تأخر القانون ترجع إلى خلاف أو بالبلدى «قمصة» بعض الوزراء وغضبهم من حكاية الشباك الواحد فى القانون، فأهم تعديل فى قانون الاستثمار هو أن تتولى هيئة الاستثمار التعامل فى جميع الإجراءات مع المستثمر نيابة عن كل الوزارات المانحة للأرض والتصريحات والموافقات، وهذا التعديل الجوهرى يسلب عدة وزارات نفوذها فى الموافقة على المشروعات أو منح الأراضى للمسثمرين وهو نفوذ هائل حتى على المستوى المعنوى، فكل رجال الاعمال يسعون للوزراء للحصول على توقيعهم الكريم بالموافقة على مشروع، وعبثا حاول رئيس الحكومة محلب ووزير الاستثمار أشرف سالمان إقناع الوزراء بأن رئيس الحكومة هيترأس هيئة الاستثمار وليس الوزير، ولكن الغضب لا يزال يعطل إجراءات الانتهاء من التعديل لأن الوزراء يدركون أن رئيس الحكومة سوف يفوض وزير الاستثمار فى صلاحياته فيما يتصل بالشباك الواحد، المهم بعد الغضب والتعطيل التعديل سيصدر خلال أسبوعين، ولكن إذا لم يتم (لم) غضب الوزراء فلا نتوقع أن يتم التعاون بين هيئة الاستثمار أو الوزارة بالمعدل الذى يتوقعه ويراهن عليه السيسى.

4 - أزمة سرعات

الرئيس السيسى يدرك أن مصر فى سباق مع الزمن للنهوض بالاقتصاد، ولذلك كان غضب السيسى شديدا عندما اكتشف أن بعض شركات القطاع الخاص التى تعمل مع الجيش فى مشروعات الطرق تستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذ هذه المشروعات، السيسى فاجأ رجال الأعمال الذين شاركوا فى المشروعات بحديث غاضب، وقال لهم «مفيش وقت نضيعه واحنا عندنا العمل والانجاز بيتم بسرعة كبيرة واللى من دلوقتى مش هيقدر يشتغل بنفس السرعة يخرج من القاعة الآن واحنا نكمل الشغل»، وأضاف السيسى أن هذه آخر مرة سيتأخر العمل بسبب مشاركة القطاع الخاص، الشركة الوحيدة التى تعمل بنفس سرعة الجيش هى شركة المقاولين العرب وهى شركة مال عام، ولم تتسبب فى تأخير مشروعات خلال عام 2014، ولكن شركات القطاع الخاص لم تعمل بنظام الورديتين فقط، بينما معظم المشروعات التى تم إسنادها للجيش تعمل بنظام الثلاث ورديات وهو الأمر الذى يرفع ساعات العمل إلى أكثر من 18 ساعة فى اليوم، بعض أصحاب الشركات الذين حضروا لقاء السيسى قرروا تعديل نظام ورديات العمل لتنفيذ المشروعات والانتهاء منها بسرعة بعد تحذير الرئيس السيسى.

5 - الرياضة تحل أزمة السينما

خلافا لقصة الغيرة والغضب من الشباك الواحد فإن وزارة الرياضة أو بالأحرى وزير الرياضة خالد عبدالعزير يقدم صورة مختلفة من الوزراء، وهذه القصة تكشف الفارق بين الوزير السياسى والوزير قاصر الرؤية، فقد اكتشف وزير الشباب أن سلفه الإخوانى أسامة ياسين قام بتجنيب مبلغ كبير فى صندوق بالوزارة، والمبلغ نحو 900 مليون جنيه، وكان أسامة ياسين ينوى استخدام المبلغ فى أنشطة أخونة مصر إلا أن ثورة 30 يونيو داهمته هو والجماعة، المهم أن خالد عبدالعزيز فكر فى أنسب طريقة لإنفاق المبلغ لمصر كلها، وليس داخل أنشطة وزارة الشباب بالمفهوم الضيق التقليدى، ووجد خالد عبدالعزيز أن السينما وهى القوى الناعمة لمصر تعانى من أزمة إنتاج كبرى، وأن المبدعين الحقيقيين والعباقرة يغيبون عن الإنتاج سنوات طويلة فى انتظار منتج لإنتاج أعمالهم، وربط عبدالعزيز بين انتشار الفكر المتطرف والعنف وبين غياب السينما الراقية التى تشكل وجدان المجتمع، ولذلك قرر وزير الشباب تخصيص نحو 200 مليون جنيه من المبلغ للإنتاج السينمائى الراقى، وطلب وزير الشباب رأى كبار المخرجين والمبدعين فى هذه الفكرة، وفى طرق تنفيذ الحلم الراقى، واقترح المخرج خالد يوسف أن يتم الدعم من خلال منح المخرجين الكبار والأفلام الجيدة مجرد قروض ميسرة لإنتاج الأفلام وبرر خالد يوسف وجهة نظره بأن الدعم بالقروض يجعل الدولة تحتفظ بأصل المبلغ ويعاد استخدامه كل عام، ولكن كان هناك رأى آخر من بعض كبار المخرجين الآخرين، ومنهم داود عبدالسيد ومجدى أحمد على، فأصحاب الرأى الآخر يرفضون فكرة القروض، وأصحاب هذا الرأى يرون أن ربط الإنتاج الراقى بفكرة الربح تمثل عائقا أمام إنتاج مميز يعيد للسينما المصرية مجدها، لأن بعض الأفلام العظيمة قد لا تحقق أرباحا بل ربما تحقق خسائر، وذلك إما لارتفاع تكلفتها الإنتاجية أو لذوق الجمهور، ولذلك يرى أصحاب هذا الرأى أن تقوم الدولة بتقديم دعم لإنتاج الأفلام وذلك على غرار تجربة هيئة السينما فى أيام جمال عبدالناصر، وذلك مع وضع ضوابط وقواعد لاختيار الأفلام التى سيتم إنتاجها.