يكتب : الاعتداء الصارخ على القضاء الدستورى

مقالات الرأي


اصابتنى الصدمة الشديدة عندما قرأت قرار رئيس الجمهورية رقم (11) لسنة 2012 الصادر بتاريخ 8 يوليو 2012 بسحب قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم (350) لسنة 2012 باعتبار مجلس الشعب منحلاً اعتباراً من يوم الجمعة الموافق 15 يونية 2012 وعودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته وممارسة إختصاصاته المنصوص عليها بالمادة (33) من الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس 2011 واجراء انتخابات مبكرة لمجلس الشعب خلال ستين يوماً من تاريخ موافقة الشعب على الدستور الجديد والانتهاء من قانون مجلس الشعب 0

وسر صدمتى أن هذا القرار يعد انتهاكاً صارخاً لمبداء سيادة القانون والذى يعنى خضوع الدولة بجميع سلطاتها المؤسسة وهيئاتها العامة فى كل صور نشاطها ومختلف التصرفات والأعمال التى تصدر عنها ، وكذلك الأفراد للقانون ، فيفترض فى تلك السيادة توافق التصرفات والأعمال والقرارات التى تصدر من سلطات الدولة ومواطنيها مع قواعد قانونية موضوعة من قبل 0

فبما نفسر إذن ما قام به رئيس الجمهورية من حلف اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا وأقسم ثلاث مرات متتاليه أمام الجميع على أن يحترم الدستور والقانون ثم يصدر مثل هذا القرار المعيب الذى يتعارض تماماً مع أحكام الإعلان الدستورى الذى يحكم البلاد فى الفترة الراهنة وكذا قانون المحكمة الدستورية العليا 0

والحقيقة التى لا مراء فيها أن هذا القرار يعد تغولاً وتعدياً صارخاً على استقلال السلطة القضائية بوجه عام وعلى المحكمة الدستورية العليا التى تتبوأ مكانة رفيعة فى ضمير مصر وقلوب جميع المصريين باعتبارها صرحاً شامخاً للعدالة وسيادة مبدأ المشروعية بوجه خاصة 0

فإذا كان الأصل فى القضاء أن يكون مستقلاً ، فإن كل إخلال بهذا الأصل من شأنه أن يعبث بقدسية القضاء ، كما أن كل تدخل فى عمل القضاء بوجه عام يخل بميزان العدالة بين الناس من ناحية فضلاً عن آثاره السلبيه على الاقتصاد المصرى من ناحية أخرى 0

فإذا كنا نريد التقدم والازدهار لبلدنا العزيز مصر ، ونسعى الى تشجيع وجذب رؤوس الأموال الوطنيه والأجنبية ، فلن يتأتى ذلك مطلقاً إلا فى ظل وجود استقرار سياسى ، ولن يتحقق هذا الاستقرار سوى فى ظل إعلاء لسيادة القانون الذى يحمية قضاء شامخ ومستقل 0

فكيف يتحقق الاستقرار السياسى الذى ننشده جميعاً والذى له أبلغ الآثر فى تحقيق التقدم والازدهار لهذا البلد الغالى فى ظل قيام رأس الدولة وقمتها التنفيذية باصدار قرار جمهورى يشوبه عيب الانحراف التشريعى ويؤدى إلى هدم فكرة الدولة القانونية والغاء مبدأ سيادة القانون ؟ ونعتقد أن هذا القرار قد تسبب فى حدوث انقلاب على الشرعية الدستورية ، فضلاً عن إهداره الكامل لكرامة وقيمة السلطة القضائية المصرية 0

والجدير بالذكر فى هذا المقام أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا تحوز حجية مطلقة لا يقتصر أثرها على الخصوم فى الدعاوى الدستورية التى صدرت فيها وإنما ينصرف هذا الآثر إلى الكافة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة ، وبذلك تحسم أحكام المحكمة الدستورية الخصومة بشأن دستورية النص الطعين حسماً قاطعاً مانعاً لنظر أى طعن يثور بشأن عدم دستورية هذا النص 0

ويتمثل الآثر المترتب على الحكم الصادر بعدم الدستورية فى إلغاء قوة نفاذ النص المقضى بعدم دستوريته ، والذى يعنى من الناحية العملية إلغاء النص نفسة ، إذ سيفقد كل قيمة عملية بشأن تطبيقه وبالتالى يسقط هذا النص من سجل التطبيق ولا يعد جزءاً من مجموعة التشريعات الرسمية المعمول بها داخل الدولة ، بما مؤداه أنه يغدو نصاً ميتاً ، بحيث لا يكون بوسع أيه جهة أو أيه سلطة من سلطات الدولة تطبيقه خلافاً لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بعدم الدستورية 0

وإزاء ذلك ليس من المنطقى أو المقبول على الإطلاق من رئيس الجمهورية الذى جاء بارادة شعبية حرة نتيجة انتخابات نزيهه شهد لها القاصى والدانى وفى اعقاب ثورة يناير المجيدة أن يصدر قراراً جمهورياً يخالف صراحة الحكم الصادر بعدم دستورية بعض نصوص قانون مجلس الشعب ، وما ترتب عليه من آثار وخاصة بطلان تكوين مجلس الشعب بكامله 0

ولما كان القرار المنوه عنه لا يستند لأى نص دستورى أو قانونى على الاطلاق ، فضلاً عما تسبب فيه من احراج المحكمة الدستورية العليا وضياع هيبتها فى المجتمع المصرى ، فقد كنا نربأ برئيس الجمهورية المنتخب الدكتور/محمد مرسى أن يبدأ ممارسة اختصاصات وظيفته بمثل هذا القرار المعيب الذى يؤدى إلى هدم دولة سيادة القانون فضلاً عن المساس باستقلال السلطة القضائية ، وانتهاك الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا 0

لذا نهيب برئيس الجمهورية أن يعلن التزامه الكامل باحكام القضاء وأن يسعى جاهداً بحكم منصبه إلى ترسيخ دولة سيادة القانون ، وما يستلزمه ذلك من عدوله عن قراره بعودة مجلس الشعب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض نصوص قانون مجلس الشعب التى أجريت على أساسها انتخابات هذا المجلس ، وذلك قبل أن يفصل القضاء الإدارى فى هذا الموضوع بالغاء هذا القرار المشوب بعيب عدم المشروعية 0