عمار علي حسن يكتب : الرئيس مرسى وعكاشة

مقالات الرأي


ما أغرب الحياة، حقا الواقع أحيانا يتجاوز الخيال. قبل سنتين نزلت من بيتى نحو قناة «الفراعين» لأظهر فى برنامج «مصر اليوم» مع توفيق عكاشة، بعد أن هاتفنى مرات لنناقش قضية الإخوان والسلطة. وجدت سيارة القناة أمام باب العمارة فركبت على الفور بجانب السائق، ومضى مسرعا، وبعد كيلومتر تقريبا سمعت نحنحة فى المقعد الخلفى فالتفت فوجدت الدكتور محمد مرسى جالسا، لم أكن قد رأيته فى الظلام، وهو رجل بطبعه صموت هادئ فلم أشعر بوجوده معنا. فى الطريق تحدثنا طويلا حول أمور عديدة، وظهرت مع الدكتور مرسى فى هذه الحلقة. فى طريق العودة أكملنا الحديث، وحين طلبت من السائق أن يوصله أولا، لأنه الأكبر سنا، طلب هو العكس لأن سكنى أقرب من التجمع الخامس. د. مرسى الآن رئيس الجمهورية، وعكاشة يهاجمه بضراوة، وأنا أبتسم وأقول: عجبت لك يا زمن.

فى هذه الأيام كانت قناة الفراعين لا تزال فى بداية رحلتها، وكانت تريد أن تجد لنفسها موقعا على خريطة الفضائيات المتنافسة والمتزاحمة والمتصارعة بلا هوادة. ولذا كان عكاشة أيامها، رغم ارتباطه بالحزب الوطنى الحاكم، يستضيف معارضين أشداء على النظام ويفتح حوارا معهم حول قضايا الفساد ومستقبل الحكم وأداء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وكان المعارضون حريصين على أن يطلوا من أى شاشة على الناس لمقاومة القبح الذى ساد، والفساد الذى استشرى، والاستبداد الذى بلغ مداه. وفى هذا السياق وجد الدكتور مرسى مساحة تليفزيونية ليدافع عن الإخوان ويهاجم نظام مبارك، وينفى ويفند أى اتفاقات أو تفاهمات أمنية مع النظام تخص الانتخابات التشريعية التى جرت عام 2005.

دارت الأيام وتغير كل شىء، صار مرسى مرشحا للرئاسة، وصارت قناة الفراعين إحدى الشاشات التى تهاجمه بضراوة، ما دفعه إلى رفع عدة دعاوى قضائية ضد عكاشة، الذى قام بدوره بالتحرك فى رفع دعاوى أمام القضاء الدولى، كما يقول، متهما فيها الإخوان بعدم تمكين مسيحيين من التصويت فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة. ثم أصبح مرسى رئيسا لمصر، وتوقع كثيرون أن يخرج عكاشة على الناس ليقول لهم: «كنت أمزح معكم». لكنه لم يفعل هذا، بل العكس تماما، أطل فى حلقة فريدة ليتهم المجلس العسكرى بالتواطؤ وتسليم السلطة للإخوان، ثم يعرض ما يدعى أنها مستندات تبين فوز شفيق، وهنا انهالت البلاغات ضده، وطلبت منه إدارة مدينة الإنتاج الإعلامى بتسديد المتأخرات المالية المدان بها لها، ففعل على الفور، ونجت القناة من الغلق، واستمرت فى نهجها، الذى يطرح تساؤلات عن مدى أن يكون لها دور مرسوم فى صراع محتمل بين الرئيس المنتخب والمجلس العسكرى. ومن يدرى أن يتفق الطرفان، لأن المصالح تتصالح، ووقتها قد يُحاسب عكاشة ويذهب إلى السجن بينما مرسى يُرسِّخ وجوده بالقصر، والعكس وارد.. وعجبت لك يا زمن.