منال لاشين تكتب : «النواوى» واللعب فى الوقت الضائع

مقالات الرأي


اقرأ اسمه مرشحا لمنصب وزير الصحة فتنساب الذكريات البعيدة، أرى نفسى دامعة وخائفة خلال أصعب شهر فى حياتى.

أجلس على (دكة خشبية) أمام الباب الزجاجى، قلبى قبل عينى معلقين بالباب، فخلف هذا الباب ترقد أختى معلقة بين الحياة أو الموت فى العناية المركزة بقصر العينى الفرنساوى، يأتى هو بالبالطو الأبيض وبوجه يحمل حزما ممزوجا بالتعاطف. هو مدير المستشفى، يسألنى بدهشة حقيقية (الناس بتوصينى على أختك هو الطب فيه توصية.؟!) ويكمل (العلاج دا شغلتى وشغلة كل من يعمل بالطب، يعنى هتوصينى بمريض إزاى.. أديه دواء زيادة؟ هو مسشفى ولا مطعم؟!).

نحج كمدير مستشفى فيما فشل فيه الزعيم جمال عبدالناصر، كان عبد الناصر يردد مابين الألم والسخرية (نجحنا فى إدارة قناة السويس وفشلنا فى إدارة قصر العيني).

نجح الدكتور فؤاد النواوى فى إدارة الفرنساوي، كان موهوبًا فى الإدارة، يخبر مكتبه بأنه سيفتش اليوم على الدور السابع، ويعلم أن الخبر سيصل للعاملين بالدور السابع، وفى اللحظة الأخيرة يصرخ فى عامل المصعد ويوقف المصعد فى الدور الخامس ليحقق عنصر المفاجأة، يخبر العاملين أنه ذاهب فى المساء لحفلة، ويفاجئهم بالحضور للمستشفى ليطمئن قلبه وعقله على سير الأمور.

عرفت فى ذلك الوقت (من 13 عامًا) أنه كان يرفض أن يطرد مريضًا لعجزه عن دفع فاتورة المستشفي، وكان ذلك سبب خلاف كبير بينه وبين الجهاز المركزى للمحاسبات، لأن المستشفى لا يحصل الكثير من الاموال من المرضي، قلت يوما لأحد الاطباء إن رجلا بهذه المواهب قد يكون وزيرا للصحة لكن زميله رد على بأسى (طيب ياريت يسيبوه فى المستشفي).

وكان زميله على حق، فقد كنا فى عصر طرد المواهب الحقيقية، وكان الدكتور فؤاد يعانى من وزراء الصحة والتعليم فى صراعات تافهة، لكنها نجحت فى إبعاده عن إدارة المستشفى فضلا على عدم توليه وزارة الصحة.

الآن وبعد فوات الأوان وعندما اصبح منصب الوزير مؤقتًا فى حكومة عمرها قصير، ومهامها انتقالية تحققت النبوءة متأخرا، وبعض النبوءات مثل العدالة، فالعدالة المـتأخرة ظلم.

كم رجلا وامرأة فى مصر مثل الدكتور فؤاد النواوي تحققت نبوءة تفوقه فى الوقت شبه الضائع؟.

كم قيادة حقيقية لم تستفد مصر منها فى المواقع المختلفة؟! وكم مصريًا حرمه نظام مبارك من جائزته فى الترقى من ناحية وحقه فى خدمة مصر من ناحية أخري؟

لا أقصد البكاء على اللبن المسكوب فحسب، لكننى أدرك أننا لم نخرج من رحم قواعد نظام مبارك، وأن احتكاراً سياسياً جديداً يوشك أن يرث الحزب الوطنى المنحل، ومع استمرار الاحتكارالسياسى واللعب بنفس قواعد نظام مبارك فإن هناك ألف ألف ألف فؤاد النواوى فى مستقبل مصر.

فالثورة يجب أن تكتمل كى نضمن نظاما جديدا يلحق الموهوبين والخبراء بقطار السلطة فى الدرجة الأولي، وليس فى (السبنسة). نظام يتيح لهؤلاء الموهوبين والخبراء اللعب فى وقت الذروة فى المباراة، لا اللعب فى الوقت الضائع