أحمد فايق يكتب : اقتلوا أسامة الشيخ
كان يجلس فى مكتبه بجسده البدين، وعلى الطاولة أمامه علب من الحلويات الشرقية، يأكل ويدخن السجائر بلا حساب ولايخشى على صحته، فحوله عشرات من الشباب المبدعين يعملون فى المكتب الذى كان محرماً عليهم دخوله قبل هذا الرجل، فقد انتقده الموظفون واعتبروا أن مكتب رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون تحول إلى سوق الجمعة، كل من هب ودب يدخل بلا استئذان، فهذا النموذج من القيادات لم يعرفوه مسبقا، ولم يكن مسموحا لأحد أن يقابل رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون دون المرور على جيوش من الموظفين وفى النهاية يتم رفض المقابلة أو إلقاء الشكاوى فى صندوق الزبالة.
لا يستطيع أن ينكر دور أسامة الشيخ فى التليفزيون، إلا جاحد أو فاسد، فقد نجح فى نقل ماسبيرو عشرات السنوات الضوئية إلى الأمام، وبنفس السرعة التى عاد بها سامى الشريف، وأسامة هيكل إلى العصور الجاهلية، وتحول مبنى ماسبيرو إلى خلية نحل يعمل فيها الجميع بلا توقف، وضع نظاما يطرد وحده محدودى الموهبة ومعدومى الإمكانيات، ونما نجوم شباب كانوا مدفونين فى قبور ماسبيرو، ولما رحل إلى سجن طرة يترحم على أيامه الآن ممن سبوه بأبشع الألفاظ.
خطأه الوحيد أنه قبل ضغوطا ضخمة مورست ضده وربما تكون عنيفة حينما تقدم باستقالته من رئاسة اتحاد الاذاعة والتليفزيون، ووجد نفسه متهما فى قضايا تافهة ومن يعرف ماسبيرو جيدا سيدرك هذا الكلام، فهو مبنى مليء بالإجراءات البيروقراطية التى تجعل أى أحد يستطيع أن يتهم الآخر بالفساد، إذا توفرت الرغبة السياسية فى هذا...!
حاكموا أسامة الشيخ لأنه نجح فى استعادة كرامة التليفزيون المصرى المهدرة منذ عهد صفوت الشريف، اقتلوه لأنه ضخ ملايين الجنيهات لإنقاذ الدراما المصرية من الضياع، ونجح فى أن ننتج 65 مسلسلا فى عام 2010 بعدما غزت الدراما التركية والإيرانية بيوتنا، حاكموه لأنه دشن مشروعاً لإنقاذ السينما المصرية من عبث الوهابية السعودية، حاكموه لأنه أعطى للكثير من الشباب فرصاً كى يعبروا عن أنفسهم ويخلقوا حالة لم تحدث من قبل.
هذا الرجل يستحق الإعدام لأنه رفع من أجور العاملين باتحاد الاذاعة والتليفزيون، وأدخل الملايين من الإعلانات، فى العام الماضى شنت الصحف حملة ضخمة ضد أسامة الشيخ لأنه لم ينجح فى شهر رمضان سوى فى جلب 120 مليون جنيه إعلانات فقط، وفى هذا العام اعتبرت الصحف أن أسامة هيكل حقق معجزة حينما جلب للتليفزيون 10 ملايين جنيه إعلانات ...!
خطأ أسامة الشيخ أنه وضع تاريخه خلفه، ونسى أنه أسس أهم القنوات والشبكات التليفزيونية العربية مثل «آيه ار تي» و»الراى الكويتية» والـ»إم بى سي»، حينما تم تكليفه فى البداية برئاسة قنوات النيل للمتخصصة، كان وقتها رئيسا لشبكة الأخبار العربية ويتقاضى عشرة أضعاف مايتقاضاه من التليفزيون، وتتمناه كل التليفزيونات العربية، ترك كل هذا ليعود إلى التليفزيون المصري، واضعا أملاً فى أن يتطهر التليفزيون من قذارته ويصبح محترما.
هل جربت مرة أن تسير بين طرقات ماسبيرو وتصطدم بالعاملين فيه الذى عين أكثر من نصفهم بالواسطة والكوسة، هل شاهدتهم يتفاخرون بأيهم أكثر قرابة لصفوت الشريف أو مسئول فى لجنة السياسات أو ضابط فى رئاسة الجمهورية؟
هل شاهدت رد فعلهم فى الفيديو المسرب حول كواليس خطاب التنحى ورد فعلهم على إعلان عمر سليمان عن رحيل المخلوع؟
ففى نفس الوقت الذى رقص فيه ملايين المصريين مثل الأطفال فى الشوارع، هم بكوا وبدت وجوههم متجهمة لا يصدقون أن أبيهم الذى فى سماوات الفساد رحل.
كل هؤلاء لم يقربهم أسامة الشيخ منه، وأصبحوا يكنون له العداء، ولما قامت الثورة حاصروه فى مكتبه وسبوه وأهانوه مدعين أنهم ثوار.
أكتب هذا الكلام ولا أخشى أحداً فى شهادة الحق، أكتب هذا الكلام لكل من يعرف من هو أسامة الشيخ، أكتب هذا الكلام لأبنائه حتى يعرفوا أن والدهم يدعو للفخر والامتنان، وسوء الحظ هو الذى أوقعه فى هذه الورطة، فإذا لم ينصفه أحد الآن فربما يساهم هذا المقال فى إنصافه