خالد حنفى يكتب : الأبنودى «النبى الثائر»

مقالات الرأي


تنبأ بخيانة الإخوان والمجلس العسكرى للثورة وصدقت نبوءته

المشير فى خطابه بعد قتل الثوار يشبه مبارك «إ ما أنا أو الفوضى»

الإخوان انسحبوا من التحرير خوفا على البرلمان ولو أجل لهم العسكرى الانتخابات لخرجوا علينا كالمغول


«أيادى مصرية سمرا ليها فى التمييز/ممدودة وسط الزئير بتكسّر البراويز/سطوع لصوت الجموع شوف مصر تحت الشمس /آن الآوان ترحلى يا دولة العواجيز /عواجيز شداد مسعورين /أكلوا بلادنا أكل.. ويشبهوا بعضهم نهم وخسة وشكل /طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع /وحققوا المعجزة.. صحّوا القتيل من القتل /اقتلني! قتلى ما هيعيد دولتك تاني».. هو الأبنودى الذى انحاز الى الثورة من أول يوم.. هو الأبنودى الذى سجل هذه اللحظة التاريخية فى قصيدته الرائعة

«الميدان».. لم يأت الأبنودى الى ميدان التحرير.. لم يأت لأنه محرم عليه أن يقترب من القاهرة منذ آخر وعكة صحية تعرض لها وسافر على اثرها الى باريس.. لم يأت بجسده لكنه أرسل قصائده تشارك نيابة عنه.. ارسلها دعما لثوار قدموا أرواحهم من أجل الوطن.. أرسلها لتكشف دولة العواجيز وتفضح من بعدها دولة العسكر..

يعيش الأبنودى فى الإسماعيلية مضطرا لكنه ليس معزولا عما يجري.. هناك فى الإسماعيلية يتأمل فى انتظار ما تجود به السماء شعرا ونبوءة لا تمنحها إلا للصادقين والمخلصين والمجاهدين.. لا يكسر تأمل الأبنودى سوى أصدقائه الذين يأتون اليه من القاهرة وغيرها من المدن.. أذهب اليه متى «هفني» الشوق ومتى دعانى اليه..

المرة الأخيرة التى ذهبت اليه فيها كانت مختلفة تماما.. سافرت له مع عادل حمودة ليجرى حوارا معه أذاعته قناة الـ«سي.بي.سي» الأسبوع الماضي.. لقاء الأبنودى وحمودة هو الأول بعد أزمة باعدت بين الاثنين لم يكن لها أن تحدث هذه الفرقة.. فالأبنودى يرى أن مهنة الصحافة لها «اسطواتها» على قمتها يجلس حمودة، وحمودة يرى أن الأبنودى على قمة الشعر.. رغم الخلاف لم يصادر علَّى عادل حمودة فى يوم من الأيام ان اكتب عن الأبنودى كيفما أشاء وأن افرد له المساحة التى تليق به..

دخلنا بيت الأبنودى الذى رحب قائلا:«اهلا ياعادل بيه» فيرد«اهلا يا استاذ عبدالرحمن».. جلسنا اكثر من ساعة.. دردشنا وشربنا الشاى فى انتظار أن تأتى الكهرباء ليسجل عادل حمودة حواره.. انتهى اليوم وعند مغادرتنا لبيت الأبنودى قال حمودة «سلام ياخال» ورد الأبنودي:«سلام ياعم عادل».. وهو قول لمن يفهمه يعنى أن الفرقة زالت.

الأبنودى ثائرا.. القى بكلمته فى الميدان، وفرح بالثورة التى غيرت مصر لكن فرحة الأبنودى لم تدم.. داهمه الإحباط فالثورة تسرق.. الإخوان والسلفيون والعسكر تآمروا عليها.. قال: الثورة محتاجة الثورة» لتخرج رائعته «النظام لسه ماسقطش» وفيها رأى بعينيه ما لم يره غيره..

رأى الإخوان والسلفيين وهم يقاتلون ليس من أجل الوطن وإنما من أجل مصالحهم الشخصية والضيقة.. رأى أن هؤلاء الذين وقفوا بجوار الثوار فى موقعة الجمل هم اول من يقتلون وأول من يخونون فلاعهد لهم « و انت اللى دافعت عنى ف عركة التغيير/بكره حتقتلنى بإيديك فى ميدان التحرير/كشر بأنيابك السودا.. بلا محاذير/رافع نداك للجهاد.. ويفط آيات الرب/لكن وقلبك عتم مفيهش شيء يتحب/ناوى على قتلنا.. خصومك ولاد الكلب/عارفك ما تكرهش فى الكون قد كلمة شعب/وقد(مصر) اللى ياما فى عرفكم..

تتسب/قاريك وحافضك أنا.. وانت قارينى كمان/نكنس دروب الوطن تفرشها بالمسامير!!» تنبأ الأبنودى وباع الإخوان ميدان التحرير من اجل الانتخابات التى لو كان المجلس العسكرى تجرأ وأجلها لخرج علينا الإخوان كالمغول.. الإخوان كارهو الحياة يسرقون الثورة وكأنها قامت من أجل أن يصبحوا هم الحزب الوطنى الجديد..


يستولون على مقاعد البرلمان بنفس الطريقة وبنفس البجاحة.. إذا قال لهم أحد إنهم تجاوزوا فى الانتخابات ردوا :»هاتوا برهانكم».. الإخوان والسلفيون كارهو الحياة:»ولا اللى طالع علينا.. من الشقوق طاشي/كما عش النمل اتفلت عينيه مشايفاشي/وكاره الدنيا.. وانا كارهنى ع الماشي!/دلوقتى طالع يكفر كل زول صالح/يكره حلا الدنيا.. يعشق طعمها المالح/قال يعنى إحنا الأونطة.. وحضرته الفالح/وفى عداوته لدود..

يكره ما يتصالح/عامل على الجنة شغل ورزق ومصالح/نهاز فرص.. رافع الراية لفوق خالص/نسى أنه كان ضدنا فى الثورة.. وماجاشي!

كان الأبنودى يرى أن ثورة 25 يناير هى الجولة الأولي.. تملكه الخوف من الديابة التى لو أغفل الثوار اعينهم لنهبوا الوطن.. اشار الى خوفه فى نهاية قصيدة الميدان» أولنا فى الجولة، لسّه جولة ورا جولة/ده سوس بينخر يابويا فى جسد دولة/أيوه الملك صار كتابة/إنما أبدا لو غفلت عيونا لحظة، هيقلبوا العملة/لكن خوفى مازال جوه الفؤاد يكْبِش/خوف اللى ساكن شقوق القلب ومعشش/يقوللى مش راح يسيبه/ولسه هيقبّوا وهيلاقولهم سكك وبِبان متتردش/وحاسبوا قوى من الديابة اللى فى وسطيكم/وإلّا تبقى الخيانة منّكم فيكم/الضحكة عالبُق بس الرك عالنيات/فيهم عدوِّين أشد من اللى حواليكم».. خلع مبارك وأعوانه لكن نظامه ظل يحكم.. نفس الوجوه القديمة تطل علينا وتمارس نفس حيله..

وجوه راهنت على أن الشعب المصرى «نساى» وهو ما كانوا يراهنون عليه.. تخيلوا أن المصريين سينسون وربما رأينا مبارك يعود شخصيا للحكم لا ان يترك من يحكم نيابة عنه.. «نفس الوجوه القدام لسه محاصرانا/متربصة بالأمل.. وبدم شهدانا/وبيلعبوا ف كل حين ميت لعبه تعبانه/ما هو اللى خدع الخداع يحيا يموت..

\

غادر/ثورتنا إعجاز.. وتعجيزها من النادر/لا حيطفوا نارها ولا صوت بحرها الهادر/وأنا زى شعبى الأصيل.. الملهم.. الصابر/على قد ما بابان هزيل.. على قد مانا قادر/شايل فى صدرى الوطن.. وفقلبى مفتاحه

الثورة ما همدش لسه صوتها جوانا».

تنبأ الأبنودى ايضا بسرقة العسكر للثورة فى قصيدة لسه النظام ماسقطش:«ياللى حاكمني..ما صدقت انى صدقتك/يومها اتحميت بي..وانا اتداريت فى دبابتك/وفرحت غنيت هتفت وطرت..وكتبتك!!/الثورة دى ثورتي.. سنابلها من خيري../وانت فى ساعة الحوار تخلطنى مع غيري/ريحك مصره..أتوه فى السرب عن طيري/جايين سوا تسرقوا ميداني.. وتحريري/ وبيك..بغيرك..حقول يا مركبى سيري/شعللنا احنا الوطن وغيرنا بيطفوه/زنادي-صدقني-مش محتاج لسبابتك»!!.. نبوءة جسدتها الموجة الثانية للثورة.. فى نوفمبر جرى قتل للثوار بمباركة المجلس العسكري..

اكثر من 50 شهيدًا و5آلاف مصاب.. لم يشعر المجلس العسكرى بأن هذه الجريمة ارتكبت تحت قيادته.. كان الجميع فى انتظار أن يخرج المشير طنطاوى ليقول خطابه لكن الأبنودى وكما قال لعادل حمودة إنه لم ينتظر الخطاب وأنه كان يعرف مسبقا ماذا سيجىء فيه.. هو نفس خطاب مبارك تماما وملامحه كانت قريبة منه..

كلامه يشبهه تماما»اما المجلس واما الفوضي» نفس الجملة التى قالها مبارك»إما أنا أو الفوضي».. قالها رغم مطالبة الشعب بالرحيل.. لقد هب المجلس العسكرى على ثوار التحرير لينتقم، ومعه كل الحق فالمتظاهرون يدافعون عن الثورة والمجلس يدافع عن وجوده واستيلائه عليها.. الشهداء كتبوا فى التاريخ والنظام وضع نفسه فى الصفحات السوداء منه.. انتقام المجلس العسكرى لن يعيد العجلة الى الوراء ولن يعيد الوجوه القبيحة للنظام القديم «فالثورة قائمة والكفاح دوار»..

لن يعيدوها للوراء لأن الشعب المصرى كسر حاجز الخوف وعرف طريقه.. كان الأبنودى شرسا فى حواره مع عادل حمودة.. قال له إن المجلس العسكرى لا يخشى من جنود الثورة..

يخشى فقط من الإخوان والسلفيين فهو-أى المجلس العسكري- تعاهد معهم سواء هذا التعهد مكتوباً أو غير مكتوب وعدم نزول الإخوان إلى التحرير هو تضامن مع ظلم المجلس العسكرى للثورة.. المجلس تحالف معهم لكنهم انقضوا عليه ليبدأ الصراع ولو قام المجلس بتأجيل الانتخابات لرأى الوجه الحقيقى للإخوان..

كان سيجدهم كالمحيط الهائج يغمر الدنيا.. هم مطمئنون الآن انهم لو نزلوا الانتخابات ومعهم الأنصار والمحبون سيفوزون بها.. كل ما يعنيهم الانتخابات أولا ووضع الدولة فى جيوبهم ثم تولى الحكم ليقولون بعدها سوف نصلح.. لكنهم لم يدركوا أن مافعلوه خطأ تاريخى وهذا خاص بالرؤية إذا كنت تراها مصلحة خاصة أم مصلحة مصر ومواطنيها الفقراء.. عمرى -والكلام للأبنودي- ما سمعت أحدا منهم يتحدث عن العمال والفلاحين وحقوقهم..

كل ما يهمهم الآن ارتداء المرأة للمايوه.. وأنا اقولها لهم عندما تحكمون تحدثوا عن ذلك لكنكم لن تقدروا فمصر دولة مدنية وسوف تظل مدنية ولينظروا الى تونس.. هناك الاتجاهات الإسلامية راقية وعلى صلة بحضارة الغرب ولا توجد العتمة أو تحجيم الدين الإسلامى كما يحدث هنا فى مصر.. ماقاله الإسلاميون هناك شرعوا فى تنفيذه.. فى مصر من يعوقنا ليس فقط المجلس العسكرى وإنما القوى السياسية الدينية.

تعود الأبنودى أن يقول كلمته ويمضى الى حال سبيله.. لا شىء ينتظره ولا شىء يراهن عليه.. ما يتنبأ به يضعه بين ايدينا ربما عرفنا مناطق الخطر.. ربما عرفنا من يخون الثورة ويتربص بها.. فهو بأشعاره يسبق كل السياسيين.. أشعاره التى تجود بها السماء!