أحمد فايق يكتب : «الرأسمالية» قصة حب

مقالات الرأي



لا تستطيع سوى أن تقف منبهرا أمام فيلم «الرأسمالية قصة حب» للمخرج الكبير مايكل مور، الذى عرض فى مهرجان فينسيا عام 2009 ، فهو فيلم وثائقى ينتقد بشدة النظام الرأسمالى الأمريكي، وتأثير طبقة قليلة من رجال الأعمال على بقية الشعب، ربما كان هذا سبب التصفيق الذى زاد على 15 دقيقة داخل قاعة العرض فى مهرجان فينسيا، ترى سردًا لمعاناة الطبقات الوسطى والشعبية فى المجتمع الأمريكي، ومنازل يتم مصادرتها بسبب فوائد البنوك المبالغ فيها، وآلاف يتم طردهم من عملهم لتحقيق مصالح البعض، ترى طيارًا أصبح بطلاً قوميًا فى امريكا بعدما نجح فى إنقاذ حياة 270 راكباً وفى الوقت نفسه يشكو من ضعف راتبه، وعدد ساعات عمله المبالغ فيها تهدد سلامة الركاب، يسرد الفيلم معاناة الجميع بسبب الرأسمالية، وبطريقة كوميدية تبعث على البكاء، فالبنوك التى تصادر منازل الفقراء وتهددهم بالحبس تصاب بأزمة اقتصادية تتدخل الحكومة الأمريكية على الفور لتدفع 700 مليار دولار دعما لها من أموال الفقراء أنفسهم «الضرائب» ......!

ورغم أن رأسمالية أمريكا التى تلزم رجال الأعمال بالضرائب التصاعدية، وتعطى «معاش بطالة» للفقراء وتضع حدا أدنى محترماً للعمال والموظفين، وتعطى للمواطنين تأمينًا صحيًا كاملاً مجانًا، إلا أن «مايكل مور» ينتقد هذا ويعتبره عبثًا ولعبًا بمصائر الشعوب، لا أدرى لو جاء مايكل مور إلى مصر وشاهد ما تفعله حكومة شرف بالمصريين، ماذا كان سيفعل؟

ربما كان فيلمه القادم عن جنة الرأسمالية الأمريكية وجحيم النهب والسرقة فى مصر، حكومة شرف تولت المسئولية منذ ثمانية أشهر، ولم تنجح فى أن تضغط على رجال الأعمال بأى شكل من الأشكال، أتحدث هنا عن الضغط المشروع، عن القيود التى يتم وضعها عليهم فى جميع أنحاء العالم من ضرائب ومنع الاحتكار وحد أدنى للأجور يحترم آدمية من يعملون لديهم .

طوال الثمانية أشهر الماضية شعرت أن هناك طبقة لا تستطيع الحكومة أو المجلس العسكرى الاقتراب منها، ولا يمتلكون شجاعة لوقف توغلها، وهى طبقة من رجال الأعمال وكبار الموظفين بالحكومة، فقد قررت الحكومة فى البداية فرض ضرائب أرباح على البورصة، ووقف أمامها حيتانها وهددوا بالإضراب ووقف العمل فى البورصة، رغم أن هذه الضرائب موجودة فى البورصات العالمية وليست اختراعًا مصريًا جديدًا، ولما فشلت الحكومة قررت فرض الضرائب على السجائر دون تمييز باعتبار أن الشعب هو الحيطة المايلة .

رفض منذ البداية سمير رضوان وزير المالية السابق، فرض حدًا أقصى للأجور، معتبرا أن الحكومة لديها خبرات لا تقدر بثمن ...!

وبمنتهى القوة طلب وزير المالية الجديد حازم الببلاوى فرض حد أقصى للأجور وربطها بالحد الأدنى بنسبة من 1 إلى 36 ضعف، تفاءل الجميع بهذه التصريحات الإعلامية ، وعلى أرض الواقع قرر الببلاوى فرض حد أدنى ولم يضع الأقصي، حفاظا على الخبرات التى لا تقدر بثمن، والتى جعلت من مصر فى الثلاثين عامًا الأخيرة أعظم بلد فى العالم.

قرر حازم الببلاوى إعادة هيكلة دعم الطاقة، وبدأ برفع الدعم عن المصانع التى تحصل على غاز بسعر المواطن العادي، وأكد أن هذا سيوفر المليارات على موازنة الدولة، وبعد تهديد صغير قرر تأجيل قراره الى أجل غير مسمى .

هذه المصانع تحصل على كهرباء ومياه وغاز مدعومين من الضرائب التى ندفعها للدولة، ويبيعون لنا منتجاتهما بالأسعار العالمية مثل الحديد والأسمنت، أى أن المصنع فى مصر يبيع بنفس سعر المصنع فى فرنسا على سبيل المثال، والفارق أن المصنع الفرنسى يشترى الكهرباء والارض والمياه والغاز بالأسعار العالمية ويدفع 1200 يورو حدا أدنى للعامل، أما المصنع المصرى فهو يحصل على كل شيء مدعوم من الضرائب التى ندفعها ويضع الفارق فى جيبه.

ماذا تنتظرون من هؤلاء أن يسبحوا بحمد الثورة ويدعمونها أم يعيدون تدوير أموالنا التى سرقوها فى إجهاض الثورة؟

فى مشهد النهاية لفيلم مايكل مور «الرأسمالية قصة حب» يقرر المخرج النزول إلى شارع «وول ستريت» الشارع الاقتصادى الأشهر فى العالم، ويقرر إغلاقه بشريط أصفر مانعا أحدًا من الدخول إليه أو الخروج منه، هذا الحل الخيالى انتقل إلى أرض الواقع وخرجت المظاهرات فى وول ستريت و500 مدينة فى العالم ضد توحش الرأسمالية، بعض المتظاهرين كتبوا على لوحات «نسير مثل المصريين»، ياأعزائى هذه هى حال المصريين فلا تسيروا على طريقنا فالحل هو الشريط الأصفر.