"الثأر" موروث قنائي.. يُسبِّبه الأرض والعرض.. وترعاه النساء


التار ولا العار .. شعار يرفعه الكثيرون من أبناء قبائل وعائلات محافظة قنا، على الرغم من الثقافات المختلفة، التي جددت دماء آبائهم وأجدادهم، بعد أن تعكرت بسبب النزاعات المسلحة، والتي راح ضحيتها أبرز شخصيات العائلات، ممن ينتقونهم، حتى يتسببون في حرقة قلوب أمهاتهم عليهم.

فأصوات الرصاص، وعويل الثكلى، بسبب النزاعات المتعاقبة، النابعة من الخشونة، الثأر، والدم، ذلك على محض هامشٍ، يتضاءلُ على متنٍ من صفاء الشموخ، واستقامة الرجولة، ووراء كل تلك الحكايات، يكمن إصرار على بناء حياتهم بالقوة ، بمكابدة وجَلَد، الذي يترك آثاره على مر الزمان، للحفاظ على ممتلكاتهم، بعد ان يكسر صوت الرصاص سكون الليل.

طلب الدم عادة متوارثة بقنا.. والثأر مرض مزمن من الصعب علاجه.. سببه الأرض والعرض

تقول الباحثة الاجتماعية خديجة مهدي، إنه على الرغم من التغيرات الثقافية التي تشهدها محافظة قنا، إلا أنها لم تستطيع أن تتخلص من بعض العادات والتقاليد الخاطئة، والتي تقف على رأسها قضية الثأر ، والتي تجثو على صدرها، للتقدم نحو التنمية والازدهار، فشبح الثأر، يهدد بناء التنمية بشتى أنواعها.

وتابعت مهدي، أن أسباب الثأر يرجع أهمها إلى النزاعات على الأراضي الزراعية، أو أسبقية الري، حيث تقع تلك المشاجرات اغلبها بين أبناء العمومة الواحدة، مما يجعل دائرة الثأر تتسع مرارا وتكرارا، وثانيها الثأر بسبب العرض والشرف ، عندما تنشأ علاقة بين شاب وفتاة من عائلتين متنازعتين، من الممكن ان تيقظ شبح الثأر النائم، وهناك عدد من المشكلات، مثل القتل الخطأ، ولهو الأطفال، كل ذلك يتسبب في تجدد الخصومات الثأرية مرة أخرى.

وأوضحت مهدي ، أنه يجب على المثقفين وليس المتعلمين، ان يتكاتفوا سويا من أجل العمل على إنهاء تلك العادات والمبادئ الخاطئة، من أجل وقف تيار الدم.

المتعلمون لم يشفع لهم تعليمهم في نزع الموروث الثقافي الشعبي الخاطئ

ويعرب الباحث في شؤون الصعيد، أيمن الوكيل، عن أسفه لفشل الجهود المبذولة من قبل الدولة بهيئاتها التنفيذية والأمنية والجهود الشعبية والقبلية، المتضافرة التي لم تنجح حتى تاريخه في نزع الموروث الثقافي الشعبي الخاطئ، الذي يضع دولة القانون في مقارنة غير منصفة مع قانون العصبية والقبلية.

ويشير الوكيل إلى أن بعض رؤوس العائلات في مجتمعنا القبلي يعول عليها كثيرا، في زيادة تلك العادات خاصة من المتعلمين، الذين لم يشفع لهم تعليمهم، في تغيير ثقافة الدم والنار، بطريقة خاطئة.

ويرى الوكيل ، أن الحل في تلك المشكلة يكمن في وضع إستراتيجية علمية أولا يتبناها الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وأمنية ثانيا تتبناها الأجهزة الأمنية لزيادة عدد المصالحات في المنازعات الثأرية، وثالثا شعبية، تهدف إلى نشر الوعي الأمني وزيادة عدد لجان المصالحات بقرى ونجوع المتناحرة، في كل ربوع الوطن.

الهجان انهاء 22 خصومة ثأرية لـ ردم بؤر الدم وإرساء دعائم الاستقرار بالمحافظة

وقال اللواء عبدالحميد الهجان، محافظ قنا، في تصريحات خاصة لـ الفجر إن المحافظة قامت بانهاء أكثر من 22 خصومة ثأرية من أجل وئد الفتنة النابعة من العصبية والقبلية التي توقد نار الثأر ، من خلال عمل المصالحات بين العائلات المتنازعة، من اجل إرساء دعائم الاستقرار والسلام من أجل تحقيق آمال وطموحات كافة فئات المجتمع، وللنهوض بالمستوى الثقافي للجميع.

وأوضح الهجان ، الدور الذي تقوم به لجنة المصالحات بالمحافظة من اجل الحفاظ على الأمن ودماء المواطنين من أبناء قنا، في خطوة لتغيير رؤية العالم عن شخصية المواطن القنائي، المعروف بعصبيته وقبليته، وموروثه الثقافي، وإظهار الجانب الطيب لدى الجميع.

المصالحات هدفنا القضاء على تقاليد الدم والنار بقنا

وأعرب الدكتور أحمد عبد اللطيف الكلحي- عضو لجنة المصالحات بمحافظة قنا، عن نية اللجنة، من أجل العمل بجد وبذل مساعي كبيرة، للقضاء على تقاليد الثأر الخاطئة، والتي حرمتها جميع الأديان السماوية، وبين حرمة الدماء، وأن القصاص يكون للحكام، وليس بين المواطنين وبعضهم بعضا.

فيما قال الأنبا بساليوس، راعي كنسية رئيس الملائكة ميخائيل، بقرية الرحمانية، أن الصلح خير وبركة، وطوبا لصانعي السلام، فهم أبناء الله في الأرض، وعلى الجميع عدم الاقتتال والتناحر، بل العمل على أن يشيع الحب والمودة بينهم، من اجل العيش في مودة وأمان وسلامة وإخاء.

مصرع 13 وإصابة العشرات خلال الثلاثة أشهر الأخيرة بسبب الخصومات الثأرية بقنا

فيما صرح مصدر أمني مسئول بمديرية الأمن بقنا، عن حصر عدد الذين قتلوا جراء تجدد الخصومات الثأرية بين العائلات بمحافظة قنا، خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، حوالي 13 شخص لقو مصرعهم، فيما أصيب أكثر من 39 آخرين، بسبب النزاعات المسلحة على الأراضي الزراعية، والتي كان أخرها بقرية السمطا بمركز دشنا، شمال المحافظة، بين عائلتي الطويل.

وأشار المصدر، إلى أنه يتم العمل على حل تلك المنازعات مع كبار العائلات والقبائل، وتكوين لجان صلح للعمل على درء الخصومات، في ظل التنسيق الأمني خلال جلسات الصلح تخوفا من اندلاع الخصومة مرة أخرى، من أناس هدفها إشعال نار الفتنة بين الجميع.

السحالوه والمخالفة بفرشوط و الحمر والعويضات من أشد الخصومات بقنا

بينما تعد خصومات عائلتي السحالوة والمخالفة بفرشوط و الحمر والعويضات، من أشد الخصومات بمحافظة قنا، وبالتحديد عائلتي السحالوة والمخالفة، والتي راح ضحيتها حتى الآن 12 شخصا من الطرفين، حيث يعود سببها الأول إلى النزاع على الأراضي الزراعية، بينما أوقدتها حادثة لهو الاطفال عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، لتخلف أكثر الخصومات التي لم يستطع أحد حتى الآن التدخل وإنهاء ذلك الدمار بين العائلتين، وسط مخاوف من العائلات الأخر، بسبب الدخول في تلك الدائرة حال وقوع قتيل منهم بسبب النزاع المستمر في المدينة.

المرأة تمثل الوقود الذي يلهب نار الثأر كلما انطفأت

وتقول الدكتورة إيمان صلاح، أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر، إن المرأة تلعب دورا هاما في تثقيف أبنائها لأخذ الثأر ، فهي تنتظر نبوت الشوارب لتعنفهم قبل أن يكونوا رجالا لتعتمد عليهم في الأخذ بالثأر ممن يتمهم ورمّلّ أمهم، فهي من تؤهلهم نفسيًا لتلك المرحلة، وتزرع فيهم حب الانتقام وقسوة القلب.