احمد فايق يكتب : ًالسيسى: ثورة 25 يناير تأخرت 20 عاما

مقالات الرأي



لا تستطيع سوى أن تقف منبهرا بهذا الرجل، فلديه كاريزما تستطيع أن تخطفك من البداية، لكن الأهم من الكاريزما أنه أخيرا أصبح لمصر رئيسا لديه خيال.. ومن يمتلك الخيال قادر على صنع المستقبل.. اللقاء كان فى قصر الاتحادية وحضره 22 من الإعلاميين الشباب، المشهد كان مهيبا فهى المرة الأولى فى حياتى التى أدخل فيها قصر الاتحادية، والمرة الأولى التى أرى فيها رئيس الجمهورية وجها لوجه، لكن القاعة كانت حيوية فيها مجموعة من الشباب المهموم بقضايا وطنه، لم يتركوا شيئا إلا وواجهوا الرئيس به، وفى نفس الوقت لم ينزعج الرئيس مما قيل وكأنه كان متوقعا ما سيحدث، واستقبل الانتقادات بصدر رحب، واستمر اللقاء لخمس ساعات ونصف الساعة، لم يتوقف سوى لعشر دقائق ذهب فيها السيسى للصلاة، كنا نحمل الكثير من الهموم له، وفوجئنا بهموم أكثر لديه.


تحدث عن ثورتين والمخلوع والمعزول ومشاكل مصر

■ قلت للرئيس: «أخشى على مصر من براءة مبارك حتى لا تصبح قانونا يحمى فساد الكبار».. فقال: «مبارك ومرسى كان ينتظرهما الإعدام مثل تشاوتشيسكو لكننا فضلنا سيادة دولة القانون» ■

كل قطاع من قطاعات الدولة به ثعابين


تحدث الرئيس عن الوعى والإدراك فى الإعلام، وأنه يراهن دائما على وعى وإدراك الشعب المصرى لما يحدث حولنا هو الذى جعله يتحمل رفع الشريحة الأولى من دعم الوقود، وهناك تجارب أخرى لم تستقر بسبب قرارات مثل هذه، صمت الرئيس ثم قال وهو يشعر بحزن «أنا إنجرحت اليومين اللى فاتوا».. وأضاف «لما حد يسألنى إنت حكايتك إيه إنت مع مين؟.. أشعر بالحزن وهذا كلام يشعرنى بالوجع، أنا وضعت أبنائى وأبناء أبنائى على المحك 100 عام للأمام، وموقفى واضح منذ البداية، ولا توجد كلمة أقولها بفضل الله تكون غير صادقة لأن الله سيحاسبنى وحريص على وزن كلامى قبل أن أقوله، إن قرار رفع الشريحة الاولى من الدعم كان مستحيلا تطبيقه منذ 10 سنوات».. الرئيس يراهن على وعى المصريين منذ أول لحظة وحتى وهم الثورة الإسلامية المسلحة أو تلك الجمعة التى دعا إليها إرهابيو الجبهة السلفية.

يرى الرئيس أن الهدف الاستراتيجى هو الحفاظ على الدولة المصرية، مصر خلال الـ40 عاما الماضية تراجعت بغض النظر عن ثورتى 25 يناير و30 يونيو، والمشروع القومى المصرى بدأ فى التراجع منذ نكسة 67 رغم أنه كان يسير بشكل جيد فى الخمسينيات، وتلقينا ضربة قاصمة فى النكسة، الآن الهدف هو الحفاظ على مؤسسات الدولة ووقوفها مرة أخرى، وهذا كان عمل الرئيس منذ 25 يناير 2011 وكان يحققه حينما كان مديرا للمخابرات الحربية.

وذكر السيسى مثالا على الاتحاد السوفييتى الذى كان دولة عظمى وانسحب منها جزء وانضم للغرب وتبقت روسيا، هذا الانهيار لو وجّه لدولة مثل مصر لن نتحمله، مصر فيها أعمدة رئيسية وهى الجيش والشرطة والإعلام والقضاء، وحينما غاب الجيش والشرطة فى العراق مات الملايين وقطعت أطراف ملايين أخرى، وقال إن القضاء مؤسسة مثل مؤسسات كثيرة فى الدولة لكنها عامود أساسى من أعمدة الدولة، ولو سألتونى هل أنت مطمئن عليها؟.. سأجيبكم مثلها مثل مؤسسات كثيرة فى الدولة لا أطمئن عليها، فى أولوياتى مصر أولا، الفرنسيون أنجزوا ثورتهم فى 12 سنة، والكرامة والحرية والعدالة تعمل بالتوازى مع ملفات الحفاظ على الدولة.

وتوقف الرئيس قائلا «أوعوا تفتكروا أن أى حد منصف لبلده يرضى عن مبارك ونظامه».. وأضاف حازما «لأ خالص».

وبدأت ملامح جسده فى التغير من الخطاب الناعم إلى الخطاب القوى «كان أولى بمبارك أن يترك مصر منذ 15 أو 20 سنة ولو لم يكن قادرًا على مواجهة التحديات كان يجب أن يتركنا.

بعد حكم البراءة جمعت مستشارى الرئيس وقلت لهم ماذا نفعل؟

أكدوا لى أنه ليس أمامنا سوى النقض، ولما طلبت منهم أى حل أكدوا لى أن الدستور لا يبيح أى محكمة استثنائية لمبارك، ووجه رسالته للمصريين قائلا «علينا أن نتذكر شكل مصر قبل 30 يونيو، هل كانوا ينتظرون مننا أن أشاهد الإخوان يضربون المصريين بالنار؟..

مهمتى كوزير دفاع هى حماية المصريين، هذا الكلام قلته فى شهر مارس قبل 30 يونيو بـ4 أشهر، مصر لو انهار فيها عمود ستتداعى بقية عواميد الدولة، جلست مع كل الفصائل قبل 30 يونيو، لكنهم يتحدثون دائما باسم الدين، فى السياسة من السهل أن تختلف لأن السياسيين يصيبون ويخطئون لكن فى الدين لا خطأ لأنهم يتحدثون باسم الله، هل هناك أى جماعة دينية لديها مركز دراسات استراتيجية مثلا، وللتاريخ هناك بعض منهم سألونى هل يدخلون الانتخابات؟ قلت لهم لا، لأنكم تخلطون الدين بالسياسة وفشلكم السياسى ستجعلونه دينى».. وتوقف الرئيس قائلا بهدوء «الإسلام ده حكايته كبيرة قوى هم لا يعرفون شيئا عنه».

وعاد الرئيس ليذكر نماذج انهيار الدولة فى الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا، وقال بشكل حاسم «مصر عصية على التكسير».. وأضاف «مصر لو وقعت ستدخل المنطقة حرب تقاتل نفسها 50 عاما، وهذه هى الرسالة التى استوعبتها بعض الدول الاوروبية مؤخرا، مصر بلد كبيرة جدا، وهى عامود أساسى فى المنطقة، وسقوطها دمار وخراب على الكل».

وعاد الرئيس يسأل: «إنظروا إلى خريطة المنطقة والقارة الافريقية حولنا.. هل تتغير هل تتحسن أم تظل كما هى، إنظروا إلى مالى ونيجيريا وكينيا».

وحذر الرئيس من الزيادة السكانية وهى القنبلة الحقيقية التى تعيق تقدم مصر، لدينا 2 مليون و600 ألف نسمة زيادة سنوية، وهذا يعنى أننا نحتاج من 8 إلى 10% معدل نمو سنويا، نحن نحقق الآن مابين 2.5% إلى 3%، وعرضوا علىّ فى الخطة أن نصل إلى نسبة 4.5% فى عام 2020، وقلت لهم لا هذه أرقام لا ترضى طلبات المصريين.

هناك 100 ألف سيارة تنضم سنويا، ويحتاجون تقريبا 100 مليون لتر وقود، دعمهم تقريبا 700 مليون جنيه، هل تتخيلوا أن هذا نحتاجه سنويا زيادة على المطلوب، لقد وفرنا 6.5 مليار جنيه من رفع الدعم عن الشريحة الأولى من الوقود، وسنأخذ منهم 700 مليون كل سنة..!

فى الكهرباء نحتاج 3 آلاف ميجاوات على الشبكة بالإضافة إلى معالجة العجز الموجود الآن، نهدف إلى تقليل معاناة انقطاع الكهرباء فى الصيف القادم، لكن أكبر مشكلة عندنا هى التمويل، هل تعلمون أنه الآن فى كل قطاعات الدولة معدلات عمل غير مسبوقة، لقد انتهينا من بناء 200 ألف وحدة من مساكن محدودى الدخل، مصر تحتاج من 20 إلى 30 مليار دولار سنويا استثمارات.

هل تعلمون أنه لولا أننا جهزنا كل شىء لخدمة وتنفيذ مشروع قناة السويس لكانوا حاربوا المشروع».

قلت للرئيس: إننى أخشى على مصر من حكم براءة مبارك، أخشى ألا يلتزم أحد بالقانون، لأن الكبار لا يحاسبون على فسادهم، أخشى أن يخرج مرسى براءة بنفس القانون، وسألته عن الضرائب وإصلاح المنظومة الضريبية، وطبقة المصالح التى تتحكم فى الإعلام والبيزنس وتأثيرها على الدولة، وقال الرئيس إنه كان من الممكن أن يلقى مبارك ومرسى مصير تشاوتشيسكو الذى أعدم فى 20 دقيقة، لكننا فضلنا سيادة القانون، وحتى لا تنهار مؤسسة القضاء، ورفضنا المحاكم الاستثنائية، وسيادة دولة القانون لها ثمن ندفعه جميعا.

الرئيس رفض بشدة ما يفعله بعض الإعلاميين الذين يتحدثون باسمه أو يتمسحون فيه، فقد وصفهم الزميل الكاتب الصحفى محمد فتحى بـ«المطبلاتية»، ونظر الرئيس إلى الحاضرين فى الاجتماع قائلا: هل تعتقدون أن الشخص الذى أمامكم يمثله أحد؟

قلنا له «لا».. فقال: «يجب أن نخوض تجربة حرية الإعلام كاملة، لكننى أرفض تماما أن يتحدث أحد باسمى»، وبشر الرئيس الحضور بخبرين جديدين وهما أنه طلب من الحكومة إنجاز قانون يجرم الإساءة لثورتى 25 يناير و30 يونيو، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية.

الرئيس تحدث فى ملفات كثيرة منها أطفال الشوارع الذين تتراوح أعدادهم فى الشارع ما بين 500 ألف إلى 2 مليون قائلا «ده وضع مايرضيش ربنا أبدا ، وأكد أن الدولة تعمل على ملفهم ولن تتركهم، وتحدث حول الملفات الخارجية وأن بعض الدول الأوروبية أصبحت تعرف جيدا قيمة مصر لذا تغيرت معاملاتهم معنا، وحول ماقيل إن مصر لديها قوات فى ليبيا أو أنها ستتورط فى حرب بالوكالة عن أحد قال الرئيس «مصر أكبر من أن تحارب لحساب أحد».

الرئيس السيسى تحدث عن أقوى 3 تقديرات موقف كتبهم أحدهم فى أبريل 2010، وقال إن هناك ثورة ستحدث ضد مبارك فى 2011، وقال فى تقدير موقف آخر إن الإخوان المسلمين سيحكمون مصر، لكنهم سيفشلون لأن التحديات فى مصر أكبر منهم، وأكد الرئيس ولما سألونى لماذا لم تنقلب على مبارك طالما هناك غضب شعبى؟

قلت لهم نحن لا نقوم بعمل انقلابات، الجيش ليس ملكًا لأحد، الجيش ملك لمصر، ونحن ندعم إرادة شعب، والجيش ليس ملك عبد الفتاح السيسى، ولو ثار الشعب ضدى سيقف الجيش مع الشعب.

وكشف الرئيس لأول مرة أنه فى الستة أشهر الأخيرة من عام مرسى الأسود على المصريين، كانت هناك قوات جيش وصاعقة فى جنوب الحدود مع ليبيا والسودان، لأن هذا المثلث كان فيه خطورة كبيرة على مصر، وهى منطقة كبيرة غير مأهولة بالسكان، وعاش الجنود وحدهم فيها حتى يحمون مصر، وقال الرئيس نحن ندعم الجيش الليبى الوطنى.

وتحدث الرئيس كثيرا عن الفساد الذى يواجه المصريين، وقال إن عدم وجود حد أقصى للأجور كان جزءًا من الفساد الذى يواجه مصر، ولو سألتونى.. هل هناك من يتجاوز الحد الأقصى للأجور الآن سأقول لكم نعم لكن النسبة أصبحت أقل بكثير، لقد واجهت الكثير من الممانعة فى تطبيق القانون منذ ثورة 25 يناير، فى البنوك قالوا لى القيادات لن تعمل، وقلت لهم سوف أستبدلهم بشباب أفضل منهم، ورضخ الجميع للقانون.

إن الإصلاح يبدأ بتوفير النظم والبيانات الدقيقة وللأسف هناك أزمة فى النظم والبيانات الدقيقة. وقال الرئيس إن هناك فى كل مؤسسة من مؤسسات الدولة ثعابين تركها الفساد.

وحول ماسبيرو وأزمته قال الرئيس إن عدد العاملين به يتجاوز40 ألفا ويحصلون على ميزانية شهرية 220 مليون جنيه، ماسبيرو يمكن أن يعمل بـ2000 موظف فقط، وكلفت صفاء حجازى وعصام الأمير بوضع خطة لتطوير الإعلام القومى بدون أعباء على الدولة لأن الدولة لا تتحمل الآن.

الرئيس كشف أن رواتب العاملين بالدولة حتى 25 يناير كانت 70 مليار جنيه فقط، الآن وصلت إلى 207 مليارات، وميزانية مصر الآن 850 مليار جنيه منها 250 ملياراً عجز و250 مليارا خدمة دين (فوائد الديون على مصر) و250 مليارا دعمًا، وتبقى لدى 135 مليارا مطلوب منى بهم تطوير الداخلية والقضاء والصحة والتعليم والدفاع..!

وقال الرئيس «حتى تصبح الشرطة محترفة وملتزمة بالمعايير العالمية لفض المظاهرات بدون إصابات مثلما يحدث فى أمريكا وأوروبا هذا يحتاج إلى تدريب وتأهيل ومعدات، وهذه أيضا تكلفة مالية لا نمتلكها الآن».

وأقسم الرئيس أن مصر كانت تقع أمامه، والله أنقذها، وقال «الفقر جامد قوى وهذا أثر على التعليم وأصبح لدينا أنصاف متعلمين، والصحة فى حالة سيئة، لكن مصر لن تقع وستقف أمام كل التحديات والظروف».

وأكد الرئيس أن ثورة 25 يناير تأخرت كثيرا، وكان يجب أن يرحل مبارك منذ 20 عاما، وتحدث الرئيس عن التجريف الذى جرى فى مؤسسات الدولة على يد مبارك ونظامه، مؤكدا أن البلد أصبح به أزمة قيادات، وأصبح يعانى من البحث عن قيادات، لذا اختار دمج الشباب فى المجالس المتخصصة لتأهيلهم فيما بعد كى يصبحوا قيادات فى الدولة.

وفى سؤال له حول أوضاع المسجونين والمعتقلين، طلب الرئيس من الحاضرين تشكيل مجموعة ومعهم محام لمراجعة كشوف المسجونين والمرور على السجون والتأكد من الإجراءات القانونية، وعرض تقرير عنهم للرئيس كى يتخذ قرارا، وقال الرئيس إنه سبق وتم عمل 3 لجان حقوق إنسان لمتابعة أوضاع المسجونين.

وحول اقتراح بعمل قناة إخبارية تنافس قناتى الجزيرة والعربية قال الرئيس إن تكلفة القناة الإخبارية تصل إلى 600 مليون جنيه فى السنة وبدون عائد، وهذا غير متوفر لدى الدولة الآن.

الرئيس أكد أكثر من مرة أن مصر لن تعود إلى الوراء، وقال من كان يتخيل قبل 25 يناير أن مبارك سيرحل، وكان أقصى أمل لدى المصريين هو تغيير وزير الداخلية فقط، الزمن لا يعود إلى الوراء والشعب المصرى أصبح لا يرحم أحدًا، وأعلم جيدا أن المصريين سيثورون ضد أى رئيس لن يلبى طموحاتهم، وقال إنه يعمل وبهدوء على إصلاح الكثير من مؤسسات الدولة وهذا سيستغرق وقتا كبيرا، وسيبدأ المصريون فى استشعار الفارق خلال عامين، وأكد على ضرورة قيام حزب سياسى يمثل الشباب ورفض الرئيس فكرة تأسيس حزب جديد برئاسته.