عادل حمودة يكتب: تقرير مخابراتى أمريكى: شروط الجيش المصرى للقتال خارج حدوده

مقالات الرأي



1- موافقة الشعب

2- مساعدات مالية هائلة

3- وجوده فى تحالف سياسى مساند

4- قلة أعداد الضحايا!



■ تهديدات الحدود.. سيناء ساخنة.. ليبيا فاترة.. والسودان معدومة! ■ الجيش الأول مسئول عن المناطق الممتدة من القاهرة إلى أسوان ومن أسوان إلى السلوم! ■ مهمة الجيشين الثانى والثالث تغيرت من حماية مصر ضد الهجمات الإسرائيلية إلى حمايتها من هجمات السلفية الجهادية!


■ التهريب والإرهاب يخلقان مشاكل الحدود خاصة فى مناطق خالية من التنمية والخدمات وفرص العمل!

■ قبائل جنوب سيناء تحمى المشروعات السياحية لأنها توفر لها مكاسب مغرية!


■ المتشددون هددوا شيوخ القبائل فى سيناء بالسلاح وجندوا أبناءهم بالمال!

■ مبادرة جديدة للتعاون الأمنى بين الداخلية والقبائل بعد أن فشلت مبادرات سابقة بدأت فى عهد جمال عبد الناصر!



يوصف مركز «سترادفور» للدراسات السياسية والأمنية بأنه الطفل غير الشرعى لوكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) والوجه الخفى لها.

لا يستر المركز المهووس بالاستخبارات طبيعته التجسسية.. ويكاد يكون مؤسسة «ظل» للأجهزة الأمريكية.. بجانب أن معظم خبرائه ضباط سابقون فى تلك الأجهزة.

تأسس فى تكساس عام 1966.. يرسل تقاريره عبر الإنترنت لنحو ثلاثة ملايين شخصية ومؤسسة مؤثرة فى العالم.. وكثيرا ما يعتمد فى جمع معلوماته على شبكة عملاء يدفع لهم.. وقد كشفت أسماؤهم وأموالهم على ويكيليكس عام 2011 بعد اختراق موقعه بقراصنة أنونيموس.

فى 15 نوفمبر الجارى نشر تقريرا يهمنا بعنوان «الجيش المصرى يحارب الأعداء فى الداخل وليس فى الخارج».. ربما لا يتضمن معلومات مثيرة.. لكنه.. يعكس رؤية جديدة.

وفيما يلى نص التقرير.. بجانب ما يلزم من تعليق.

منذ بداية عام 2014 كثرت شائعات حول عمليات عسكرية مصرية فى الخارج.. وزعمت تقارير صحفية أن الجيش المصرى يستعد للتحرك غربا إلى شرق ليبيا.. وأن مصر قد تتعاون مع حلفائها فى الخليج لفرض الاستقرار فى اليمن.. لكن.. مصر لا تستطيع حاليا خوض مثل هذه المغامرات الخارجية.

إن تحركات الجيش المصرى تعكس إلى حد كبير حقيقة أن أولوياته لم تتغير.. التركيز على الدفاع والشئون الداخلية.

قد تستمر القاهرة وربما تزيد فى عملياتها العسكرية المحدودة فى المنطقة بالتنسيق مع حلفائها فى المنطقة.. ولكنها.. ستقاوم بشدة ضغوط دفعها إلى حملات أكبر.

والجيش المصرى أكبر جيش فى إفريقيا.. وواحد من أقوى الجيوش فى الشرق الأوسط.. ولكن.. بعد استمرار الاضطرابات الداخلية التى شهدتها البلاد منذ يناير 2011 فإن الجيش المصرى يعمل أغلب الوقت داخل حدود وطنه.

ويعد الاقتصاد المتداعى منذ ثورة يناير أحد العوائق التى تحد من الجيش المصرى.. واضطرت الحكومة إلى الاعتماد على الدعم المالى من السعودية والإمارات والكويت.. فلم يشجعه ذلك على شن حملات خارجية.

بالطبع.. يمكن إزالة هذا العائق لو حصلت مصر على الأموال اللازمة من حلفائها.. وإن كان ذلك غير مرجح لكبر حزمة المساعدات المالية المطلوبة فى هذه الحالة.. وربما لو توافرت فإن الجيش المصرى سيكون قادرا على حشد قواته الكبيرة لعمليات داخل ليبيا.. أو فى مناطق شائكة أخرى مثل اليمن.

على أن التمويل غير الكافى ليس وحده العائق.. فهناك من يشعر بالغضب من إسقاط حكم محمد مرسى ويسبب اضطرابا وعدم استقرار.. وهناك خوف من أن تسفر الحملات العسكرية فى ليبيا واليمن عن خسائر بشرية تضعف من شعبية النظام.. ولا يزال كثير من المصريين يتذكرون تورط البلاد فى اليمن خلال ستينيات القرن الماضى.

فى ظل هذه القيود فإن من المرجح أن يظل تركيز القاهرة على تأمين الحدود مع ليبيا وتهدئة التمرد (لم يقل الإرهاب) المستمر فى سيناء.

لقد وضع الجزء الأكبر من الجيش فى شرق البلاد فى الدلتا ونهر النيل والصعيد حيث يعيش 80 % من السكان وعلى طول قناة السويس لضمان العبور فيها بما يحقق دخلا مؤثرا ويرجع ذلك إلى أن الغزوات التى تعرضت لها البلاد كانت تأتى من الشمال الشرقى.. بجانب صعوبة عبور المناطق النائية فى الصحراء الغربية والجنوب.

يتمركز الجيش الميدانى الأول حول القاهرة الكبرى.. ويتمركز الجيش الثانى الميدانى فى الإسماعيلية الواقعة على بعد 60 ميلاً شمال شرق العاصمة.. ويتمركز الجيش الثالث الميدانى فى السويس.

يغطى الجيش الأول الجزء الأكبر من البلاد حيث تنتشر قواته حول العاصمة وحوض النيل وغير معلوم حجمه المحدد.. وبعضا منه يدافع عن الغرب بالقرب من ليبيا والجنوب بالقرب من السودان.

فى الجيش الأول منه وحدة الحرس الجمهورى.. وحدة بارزة.. تركز على القوى المدرعة.. ولا يسمح لغيرها بالعمل فى وسط القاهرة.. ويقدم قائدها تقاريره مباشرة إلى رئيس الجمهورية وليس إلى وزير الدفاع أو إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. ومنذ توقيع مرسوم رئاسى فى نهاية أكتوبر الماضى تمتعت باقى وحدات الجيش الأول بحرية عمل مثلها بعد وضع الكثير من منشآت البنية الأساسية بجانب الجامعات تحت حراسة القوات المسلحة.

ويمثل الجيشان الميدانيان الثانى والثالث (يضم كل منهما ما يقرب من 90 ألف مقاتل) الحصن الدفاعى ضد التدخل الأجنبى.. يتوليان حماية قناة السويس والقاهرة من الهجمات الإسرائيلية السريعة عبر سيناء.. يتولى الجيش الثانى مسئولية الأرض الممتدة شمالا من البحر المتوسط إلى مدينة الإسماعيلية.. حيث تبدأ مهام الجيش الثالث حتى البحر الأحمر جنوبا.

لكن.. بعد ثورة يناير تغيرت مهام الجيشين من مكافحة التهديدات الخارجية إلى إدارة (الصح: مواجهة) الاضطرابات الداخلية (الصح: مواجهة العمليات الإرهابية).

نتيجة ذلك أصبحت سيناء المنطقة العازلة لفترات طويلة بين مصر وإسرائيل مساحة تركيز الجيش الثانى.. وبدرجة أقل الجيش الثالث.

ولفترة طويلة كان الثلث الشمالى من سيناء خاصة الطرق الساحلية بمثابة المعبر الرئيسى للجيوش الأجنبية التى تسعى إلى غزو دلتا النيل.. ذلك الجزء الشمالى يعرف باسم وادى العريش الذى يحظى بأعلى مستوى من الأمطار مما جذب غالبية سكان سيناء للعيش هناك تحت نظم قبلية متعددة.. تتمركز فى مدن العريش والشيخ زويد ورفح.. ويعد وادى العريش أيضا الطريق الرئيسى الذى تستخدمه شبكات تهريب الأسلحة إلى غزة والبشر إلى إسرائيل (ولم يضف التقرير أنه على الجانب العكسى للطريق تأتى المخدرات وعناصر الإرهاب).

ولفترة طويلة أيضا تراجعت التهديدات العسكرية القادمة من شمال سيناء ورغم ذلك حافظ الجيش المصرى وبشكل أساسى -الجيش الثالث- على قوات محدودة فى المنطقة للتصدى لما يهدد قناة السويس وخليج العقبة.. بجانب توفير الحماية لخط تصدير الغاز إلى الأردن وإسرائيل.

التدفق الأخير للجهاديين السلفيين (لم يصفهم بالإرهابيين) فى سيناء تمركز بشكل أساسى على القطاع الشمالى.. بالتحديد العريش والشيخ زويد ورفح.. حيث قاد الجيش الثانى المتمركز فى العريش حملات مكافحة التمرد (مصر على عدم استخدام كلمة إرهاب).

وقد وضعت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 قيودا على عدد وعتاد الجيش المصرى فى سيناء.. وتزداد هذه القيود شدة كلما اتجه شرقا.. مثل هذه القيود حدت من فعالية وتأثير جهود القاهرة فى مواجهة التمرد.

لكن.. بعد ثورة يناير وافقت إسرائيل فى ثلاث مناسبات على الطلبات المصرية بإرسال كتائب إضافية.. وكانت فى الماضى قد منعت تواجد وحدات ميكانيكية فى شمال سيناء.

وافقت إسرائيل على الطلبات المصرية بسبب خوفها من تواجد الجهاديين بالقرب من حدودها على مقربة من غزة المضطربة.

وفى أعقاب هجوم 24 أكتوبر بالعريش والذى أسفر عن مقتل أكثر من 30 جندياً مصرياً سمحت إسرائيل بدخول كتيبتين من المشاة المصرية إلى سيناء إلى جانب دعم طائرات الهيلكوبتر العسكرية.

وارتفع العدد الإجمالى للقوات المصرية فى سيناء من 13 :14 لواء مشاة ولواء مدرع.. ولكن.. رغم ذلك استمرت الهجمات.

ومع وجود قيود على وجودها العسكرى فى سيناء فإن علاقة الحكومة المصرية بالقبائل التى تشكل 75 % من السكان هناك (400 ألف نسمة) تعد شديدة الأهمية للحافظ على الأمن.

تتوطن فى سيناء أكثر من عشر قبائل قوية.. جميعها تلعب دوراً فى الحد من الاضطراب.

القبائل على طول الوديان الساحلية الجنوبية أقل اضطرابا من القبائل فى الشمال.. والسبب أن الجنوب به صناعة سياحة كبيرة.. أتاحت فرص عمل مغرية ومربحة.. فقبيلة مزينة المهيمنة على المنطقة تحرص على عدم تكرار العنف حتى لا يخاف السياح ولا يعودون.. وحققت نجاحا ملموسا رغم وقوع أحداث عنف فى شرم الشيخ ودهب والطور أحيانا.

وانصب تركيز القاهرة فى شمال سيناء على قبيلة السواركة.. القبيلة الأكثر شعبية ويصل عددها إلى 70 ألف نسمة.. تليها قبيلة الترابين المسيطرة على شريط الأرض على طول الهضاب جنوب المنطقة الساحلية.. وتمتد أراضيها إلى غزة وصحراء النقب.

تاريخيا.. أطلقت الحكومة المصرية العديد من المبادرات لتشكيل قوات أمن محلية من قبائل الشمال بالتعاون مع وزارة الداخلية.. لكنها.. مبادرات لم تحقق سوى نجاح محدود.

قبل ذلك.. فى نهاية الخمسينيات حاول جمال عبد الناصر تشكيل قوة بدوية تحت اسم «الحرس الوطنى» للقيام بدوريات فى المناطق القريبة من إسرائيل.. بجانب توفير الدعم اللوجستى للقوافل العسكرية وإرشادها فى طرق التضاريس الوعرة.. لكن.. فى نهاية المطاف لم تكن الخطة فعالة.

وخلال حكم مبارك زادت التوترات هناك فحاولت الحكومة استمالة وشراء ذمم شيوخ العشائر القوية لاستخدامهم وسطاء ومخبرين.. كما أطلقت أيضا حملات أمنية شبه مستمرة ضد البدو لمنعهم من التهريب ولإيقاف مساعداتهم للتشدد.

ويرجع هذا الأداء الباهت لتلك الجهود الساعية لاحتواء القبائل إلى عدم وجود تنمية اقتصادية وبنية تحتية وخدمات حكومية وغياب فرص العمل مما جعل التهريب مهنة لكسب الرزق.. وتراجع القاهرة الآن سلبيات دمج القبائل فى الشرطة التى لا يوجد لهم فيها سوى عدد محدود.

بدأ التشدد السلفى فى الانتشار فى أعقاب الإطاحة بنظام مبارك.. وتصاعد بعد سقوط مرسى فيما بعد.

لم تحقق اقتراحات الدولة بتأسيس ميليشيات دفاع ذاتى من البدو سوى نجاح متواضع.. ويرجع ذلك إلى أن هذه الاقتراحات أتت فى وقت فقد فيه شيوخ القبائل تأثيرهم فى مقابل تصاعد المنظمات السلفية وتزايد قاعدة مؤيديها من شباب البدو.. خاصة بعد أن شعر الشباب بالغضب من خضوع مشايخهم للقاهرة.. ووصل الغضب إلى التهديد باغتيال بعض شيوخ القبائل بدعوى تعاونهم مع أجهزة الأمن المحلية.. وفى الوقت نفسه عرض الجهاديون السلفيون (بما يملكون من مال وفير وأسلحة متطورة) المأوى والحماية للقبائل.. فى تغير نوعى يجب الانتباه لخطورته.

وبتراجع تأثير الحكومة على القبائل اضطر الجيش إلى تحمل العبء الأكبر من العمليات الأمنية خاصة فى المنطقة الساحلية الشمالية.. لكن.. لا تزال المهمة صعبة.. وربما لهذا السبب أعلنت حالة الطوارئ فى سيناء (لم تعلن حالة الطوارئ إلا فى منطقة محدودة من الشريط الحدودى).

وعلى الناحية الغربية.. يمكن القول إن الجيش المصرى اضطر إلى توجيه قواته صوب الحدود الليبية.. أثناء الحرب العالمية الثانية عندما كانت بريطانيا- وكانت فى جانب الحلفاء- تحتل مصر بينما إيطاليا وكانت فى جانب المحور تحتل ليبيا.. ومؤخرا.. فى عام 1977.. خلال حرب قصيرة جرت بين مصر وليبيا.. فى الحدثين اضطر الجيش إلى التعامل مع العوائق اللوجستية الناتجة عن التداخل الطبوغرافى (المساحى) والديموغرافى (السكانى) فى منطقة الحدود بين البلدين.

ما بين دلتا النيل والحدود الليبية هناك ممر ضيق نسبياً يؤدى تقريباً إلى كل الطرق.. إلى ليبيا.. يقع الممر بين ساحل البحر المتوسط شمالا ومنخفض القطارة جنوبا.. وتواجه السيارات صعوبة المرور فيه بسبب البحيرات المالحة والمنحدرات الحادة والرمال الناعمة والمعروفة باسم «فيش فيش».. وعلى طول الممر تقع المراكز السكانية الكبيرة فى غرب مصر.. تمتد من العلمين غربا بطول الطريق الساحلى وتشمل الضبعة وزاوية سيدى موسى ومرسى مطروح.. وينتهى منخفض القطارة فى مرسى مطروح.. وعند مرسى مطروح ينقسم الطريق الساحلى إلى طريقين.. أحدهما يوصل إلى واحة سيوة.. والآخر يظل فى مساره إلى سيدى برانى والسلوم قبل أن يصل إلى الحدود الليبية.

لم تتغير الأمور كثيرا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. كل قوة مسلحة تدخل المنطقة لابد أن تعتمد على الطريق الساحلى لتحصل على الخدمات والإمدادات اللازمة.. وقد هزم روميل قائد القوات الألمانية فى الحرب العالمية الثانية رغم تفوق أسلحته وخبث خططه بسبب زيادة مدة القتال فى منطقة معادية لم يحصل منها على ما يحتاج من خدمات وإمدادات.

لحسن حظ المصريين فإن إغلاق الحدود الاختيار الأقل صعوبة.. وإن صعب ذلك بسبب العمالة المصرية التى تتكسب رزقها فى ليبيا.

وتدير الشئون الدفاعية هناك قيادة المنطقة العسكرية الغربية ومقرها مرسى مطروح وسيدى برانى.. المسئولة الوحيدة عن تأمين الحدود مع ليبيا. وتتكون قواتها من معدات ثقيلة.

ووفقا لمعلومات استخباراتية من مصادر تابعة لمركز سترادفور فإن هذه القوى تتكون من ثلاث فرق تابعة للجيش الميدانى الأول.. وتتمركز فى مرسى مطروح مع وحدات أصغر تتمركز فى سيدى برانى والسلوم.

باستخدام الطريق الساحلى من السهل على المصريين تعزيز الوحدات على الحدود.. ولكن.. يجب الحرص على عدم تجاوز قدرة الطريق على التحمل.

بالنظر إلى القوات المتاحة فى الغرب فإن الجيش قادر على فرض حصار شديد على حركة المرور على طول الطريق الساحلى.. ويمكن أن يمتد ذلك الحصار إلى الطريق الثانوى المؤدى إلى سيوة ويمتد نحو 170 كيلومتراً فى الجنوب الغربى على طول الحدود الليبية.

ومن غير الواضح بشكل كامل إلى أى مدى تتسم نقاط التفتيش بالشدة.. ولكن.. خطر تهريب الأسلحة عبر الحدود الليبية رفع درجة تأهب الجنود المصريين إلى أعلى درجة.

بشكل عام يمكن للجيش المصرى أن يراقب ويسيطر على الطريقين المؤديين إلى مصر من ليبيا علاوة على ذلك أشارت مصادر مركز سترادفور أن مصر حافظت على قوة أمنها 4 آلاف فرد على طول الحدود.. وهو رقم كبير لمثل هذه المهمة إذا أضيف إليه القوات التابعة للمنطقة العسكرية الغربية.

لسوء حظ مصر فإن السيطرة على الطرق الرئيسية أمر مختلف عن السيطرة على الحدود بأكملها.. المهمة صعبة.. وربما مستحيلة نظرا للمساحة الكبيرة للمنطقة.. وصعوبة العبور فيها.

إن تهريب كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات عبر الحدود يعد أيضا مهمة صعبة دون استخدام شبكات الطرق المتاحة.. ما يعنى أن فى الوقت الذى لا تستطيع فيه القاهرة إيقاف تدفق الأسلحة من ليبيا فإن الأسلحة المهربة ستكون قاصرة على المعدات الخفيفة والمتوسطة والتى يمكن نقلها على جمال أو أحيانا فى سيارات الدفع الرباعى.

وللحد من عمليات التهريب عبر الحدود فإن على السلطات المصرية التفاهم مع مجتمع القبائل المحلية.. كثير من أفرادها يتمتعون بنفوذ هائل على الحدود بسبب الزيجات المشتركة على مر الأجيال.. وبسبب تشغيل شبكات التهريب المربحة.

أهم هذه القبائل.. قبائل أولاد على ويقدر عدد سكانها بنحو 750 ألف نسمة.. وقبائل الهمايمة والفوايدة والجوازى.. أتت إلى الصحراء الغربية منذ قرون مضت قادمة من السواحل الليبية.. وتتمتع بعلاقات تاريخية مع منطقة برقة الليبية.

وكما هو الحال فى سيناء فإن نجاح القاهرة فى هذه المساعى لا يزال غير واضح.. ويتأكد ذلك بالدور الذى يلعبه التهريب فى منطقة عانت كثيراً من افتقار التنمية.. بجانب قلة فرص العمل.. وضعف الخدمات المدنية والبنية التحتية.. لكن.. ذلك لم يمنع قيادات القاهرة من عقد اجتماعات مع شيوخ تلك القبائل لتحفيزهم على مزيد من التعاون.. بضاف إلى ذلك أن ليبيا منشغلة بالسيطرة على الجزء الشرقى منها مما يساعد على تهدئة حدودها مع مصر.

أما منطقة الحدود المصرية فهى منطقة واسعة ووعرة وتحرسها قوة أمنية صغيرة تقف فى المقام الأول على طول ممر ضيق يشبه المنطقة الحدودية الغربية.. ويبقى التهريب أيضا مثار قلق كبير.. خاصة فى ظل التقارير التى تشير إلى شبكات الإتجار الإيرانية التى تنقل الأسلحة والصواريخ إلى حلفاء بلادها فى غزة.

إن منطقة شمال غرب السودان وجنوب غرب مصر منطقة صحراوية لا تضم سوى عدد قليل من الطرق الضيقة التى تؤدى إلى مجتمعات من الواحات الصغيرة.

أما الجنوب الشرقى وصولا إلى منطقة البحر الأحمر فمنطقة جبلية.. ولكنها تضم عدداً من المراكز السكانية الصغيرة.. وطرق ساحلية سريعة وواسعة.. الجزء الأكبر من سكان المنطقة الجنوبية يتواجد على طول نهر النيل.. كما أن عدد السكان يأخذ فى التناقص بسرعة مع الاقتراب من أسوان وبحيرة السد العالى.

يتولى الإشراف على الجزء الجنوبى فيلق واحد من الجيش متصل بشكل رسمى بالجيش الأول ويتمركز فى مدينة أسيوط.. وهناك فيلق آخر متصل بالجيش الثالث متمركز فى الشمال الشرقى من الغردقة على ساحل البحر الأحمر.. ويقدم المساعدة فى الكشف عن شبكات التهريب على طول الساحل.

بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة فإن من المستبعد وقوع غزو من جهة الجنوب وحتى مع وجود مجموعة صغيرة من القوات متمركزة فى تلك المنطقة فإن الجيش سيكون قادرا على الدفاع عن الطرق ووقف أى تقدم.. ومثل الحدود الغربية مع ليبيا فإن الدفاع عن كل جزء من الحدود الجنوبية أمر مستحيل ولكن الجيش المصرى يقوم باللازم.

إن القوات المسلحة المصرية مطالبة بردع المهربين ومحاربة الجهاديين ومنع الاضطرابات الإقليمية من اختراق البلاد.. مما يعنى أنها يجب أن تركز طاقتها داخل الحدود.. وتؤخر المشاركة فى عمليات خارجية.

ومن غير المرجح أن تتغير هذه العوامل فى المدى القصير.. سوف تستمر القوات المسلحة منشغلة بالقضايا المحلية.. مع فرصة مناسبة للمشاركة فى العمليات العسكرية الإقليمية إذا ما تلقت مساعدات مالية كبيرة وكانت جزءاً من تحالف أوسع.