أحمد فايق يكتب : هبة رجل الغراب.. مصر التى خارج استوديوهات التوك شو

مقالات الرأي



■ كيف صنع جيل كابتن ماجد ومازنجر رموزا لجيل ساندى وتامر حسنى؟


■ المصريون وجدوا أنفسهم فى شخصيات تعيش فى مجتمع مفتوح وعلاقات جنسية فى العلن


■ فتاة مجتهدة نجحت فى تحقيق أحلامها بدون استخدام جسدها


كلنا من أم واحدة أب واحد بس حاسين باغتراب.....

حينما سمعت هذه الكلمات للعظيم سيد حجاب بصوت العظيم على الحجار للمرة المليون بكيت، وعشت لحظات غير مسبوقة بين الشجن والبكاء والضحك.. كنت أشاهد حلقات تترات لصاحبة السعادة إسعاد يونس، هذه الحالة الوجدانية أصابتنى حينما سمعت تترات مسلسلات المال والبنون و الأيام و الشهد والدموع و بوابة الحلوانى و ليالى الحلمية و المال والبنون و ذئاب الجبل و أبو العلا البشرى ، الصدمة الاولى أن هذه المسلسلات أصبحت الآن من التراث وليست قريبة فقد تقدم بنا العمر وأصبحنا نبكى حينما يشدو محمد الحلو ماتسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا.. وما تنتهيش دا إحنا يا دوب ابتدينا ، فقد تسرسبت السنوات وأصبح مواليد الثمانينيات جيل وسط، التصنيف العمرى فى دول العالم المتقدمة يقول إنه حتى سن الـ25 عاما يطلق عليهم youth أو شباب، ومن 25 عاما حتى الـ60 يطلق عليهم adult أى ناضج ومافوق الـ60 يطلق عليه لقب senior أى حكيم، علميا لقد تخطينا مرحلة الشباب، وهناك جيل جديد لا يعرف شيئا عن أدهم صبرى وكابتن ماجد ومازنجر والدكتور نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق والشياطين الـ13، هناك شباب لم يرتبطوا بكتابات مجلة الشباب وليست لهم علاقة بروزاليوسف ومجلة طبيبك الخاص، هناك جيل يضحكون علينا حينما يعرفون أن أحمد عبدالعزيز كان فتى أحلام البنات ووائل نور رمز الشباب وأننا نسمع محمد محيى وحميد الشاعرى وعلاء عبدالخالق، هناك جيل لا يعرف زووم سلمى الشماع و النادى الدولى و اخترنالك و بانوراما فرنسية و عالم البحار و عالم الحيوان و العلم والايمان و تاكسى السهرة ومجلدات ميكى وسمير.

هذه الذكريات ربما تخطر ببالك وأنت تشاهد مسلسل هبة رجل الغراب وتسأل نفس السؤال: هل جيل الشباب سينظرون إليه باعتباره تراثاً يتذكرون به شبابهم بعد 20 عاما؟ هبة رجل الغراب ليس مجرد مسلسل عادى بل أصبح رمزا من رموز جيل جديد نحاول أن نتعامل معه، جيل ولد منفتحا على العالم، جيل تغيرت على يديه 18 حكومة وشاهد 5 رؤساء جمهورية فى أربع سنوات، ونحن ظللنا 30 عاما مع رئيس واحد.

المفارقة هنا أن مواليد الثمانينيات هم أنفسهم من يصنعون الدراما التى يحبها جيل الشباب الآن، وجيل الثمانينيات هم أنفسهم صناع هبة رجل الغراب، هو المسلسل الظاهرة الذى يحتاج الكثير للحديث عنه، لكن قبل هذا علينا أن نعرف من هم رموز هذا الجيل؟ هل هم تامر حسنى وشيرين وساندى وأحمد مراد وكارمن سليمان ورنا سماحة ودنيا سمير غانم وايمى سمير غانم؟!

مسلسل هبة رجل الغراب الآن أصبح المسلسل الأكثر مشاهدة فى مصر ليس لأن هناك جيلاً كاملاً تحمس له، بل لأنه تحول إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية توضح لنا الازدواجية التى يعيشها المصريون، أجمل ما فى المسلسل أنه يبتعد بأجوائه وشخصياته عن مصر التى نشاهدها فى برامج التوك شو، مصر المليئة بالصوت العالى والمظاهرات والسياسة والخلافات هى جزء من مصر الكبيرة ومجرد تفصيلة فى حياتنا اليومية، لكنها للأسف الشديد تحتل كل برامج التوك شو، وأصبحت بقية حياتنا مهملة لا نراها على الشاشة إلا من خلال مسلسل مثل هبة رجل الغراب.

أولا المسلسل مقتبس من مسلسل أمريكى يحمل اسم ugly betty أو بيتى القبيحة وهو مسلسل أمريكى شهير دراما كوميدى من إنتاج هيئة الإذاعة الأمريكية، والمسلسل الأمريكى نفسه مقتبس من مسلسل كولومبى يحمل اسم أنا بيتى أقبح واحدة ، لكنه تم تمصيره بشكل جيد فنيا وأصبح مشابها لمجتمعنا.

على مستوى الدراما نحن أمام ثانى أكبر مسلسل فى تاريخ الدراما المصرية من حيث عدد الحلقات -ليالى الحلمية 135 حلقة بأجزائه الخمسة- نجح فى عمل موسم جديد للدراما العربية بعيدا عن زحام رمضان، ومسلسل مصرى سحب مشاهدى الدراما التركية نحوه. على المستوى الفنى نحن أمام صورة جيدة فيها الحد الادنى من مسلسل شيك ، الابتكار فى البساطة وليس فى حركة كاميرا مزعجة أو كادرات فيها فذلكة.

الموضوع تستطيع أن تجزم بأنك شاهدته ألف مرة قبل ذلك ولن تمل لو شاهدته مليون مرة أخرى، الفارق هو فى الحرفية ودرجة المصداقية وتقبل المشاهد له، هبة ليست إلا نموذجا لفتاة مجتهدة لا تعتمد على الجمال الشكلى أو الجسدى أو الإغراءات الأخرى لأنها لا تمتلك هذه المقومات، لكنها فى المقابل تعتمد على اجتهادها وموهبتها فى العمل حتى تصل إلى الدرجة الأعلى فى مجال الموضة، فى عالم هبة الكثير من الشخصيات فتيات ونساء يشبهن المانيكان، يركزن على التفاصيل، هبة بالنسبة لهن كائن ثانوى لا يلتفتن له كثيرا، هبة تعبر عن ملايين من فتيات مصر ممن يعانين من نفس الأزمة، يردن النجاح والاجتهاد فى العمل دون الاعتماد على جمالهن أو مقوماتهن الانثوية، لذا وجدت هذه الفتيات والنساء أنفسهن فى شخصية هبة، هنا يجب أن أشير إلى دور إيمى سمير غانم فى تجسيد شخصية هبة واللمسات الفنية التى تؤكد أننا أمام موهبة طاغية مازالت فى رحلة اكتشاف نفسها، وكأن عائلة سمير غانم معجونة بماء الموهبة من الأب الذى يعيد اكتشاف نفسه من جديد منذ مسلسل شربات لوز ، ودنيا سمير غانم التى أصبحت علامة من علامات هذا الجيل.

إيمى لم تصب بأمراض النجومية وقبلت أن تخرج على الشاشة بمواصفات شكلية غير جميلة تختلف مع جمالها الطبيعي، قبلت أن تضع نظارة كلاسيكية وتكبر وجهها وتضع لمسات تجعل من شكلها سيئاً، حتى طريقة سيرها وملابسها لا تشعر بأنها فتاة، كل هذه اللمسات لخدمة الشخصية وليست لخدمة نجومية إيمى وهذا هو الفارق بين الممثل الذى يريد أن يستمر وبين من يعيش فى برج عاجى معتقدا نفسه أن هناك طرقاً أخرى للوصول لقلب الناس غير الموهبة.

اجتماعيا نستطيع أن نرى المسلسل الأول الذى يتعامل مع العلاقات بين الرجال والنساء داخل طبقة معينة وطبيعة مجموعة خاصة باعتبارها علاقات مفتوحة، لا تحتوى هذا الكم من العقد والتطرف الذى ابتلينا به خلال 40 عاما مضت، فى الأحياء الشعبية من الصعب أن تسير فتاة غير محجبة فى الشارع ستسمع الكثير من التوصيفات والانتقادات التى لن تتحملها، رغم أن نفس الحى فيه بيت الدعارة وكل الممارسات التى يدينها لكن فى السر، فى مسلسل «هبة رجل الغراب» ترى الكثير من الفتيات المصريات نفسها فى ريهام حجاج وريم مصطفى وغيرهما ممن يستطعن أن يتعايشن مرتديات ما يردن من أجمل خطوط الموضة دون تحرش أو مضايقة من أحد، شوارع القاهرة نراها فى المسلسل بعين جميلة ترى أجمل ما فيها وتؤكد أن هناك مصر أخرى غير التى نراها فى برامج التوك شو.