"العناية الملطفة" أفقٌ جديد في عالم الطب

الفجر الطبي



مع انتشار الأمراض المزمنة كالسرطان والسيدا والسكري، يجد عددٌ كبير من المرضى أنفسهم متروكين ومهملين، فييأسون من الحياة ويمسي جسدهم منهكاً من العلاجات الكيميائية القوية التي تهدّ حيلهم وتسرق منهم فرح الحياة والإستمتاع باللحظات المتبقية. ويطال إهمال الأقارب وإجهاد الجسد بالعلاجات أحياناً حياة المريض بأسرها فتتسارع عقارب ساعة الموت ويضحي الألم رفيق المريض، مانعاً إياه من الموت بسلام.

انطلاقاً من هذه الفكرة وإحاطةً للمريض الذي يعاني من أمراضٍ مزمنة لا أمل في الشفاء منها، نشأ طب العناية الملطفة (soins palliatifs) الذي يهدف إلى تحسين نوعية حياة المريض في مواجهة المراحل المتقدمة للمرض، وتخفيف المعاناة النفسية، والروحية، والجسدية، والاجتماعية.

وتطال العناية الملطفة ذوي المريض فتقدّم لهم الدعم اللازم لقبول الواقع والتأقلم مع وضع المريض، كما تساعدهم على تقبل فكرة الوفاة عند حدوثها واعتبار أن الموت هو جزءٌ لا يتجزأ من الحياة.

وفي حين ينتشر هذا النوع من العناية في الدول الأوروبية، يبقى مفهومها في لبنان ملتبساً على العديد من الأشخاص. وفي هذا الإطار، يوضح الدكتور إيلي مبارك، المتخصص في العناية الملطفة في حديثٍ لـ النهار ان هذه الطريقة في المعالجة لا تنوب عن عمل الطبيب المعالج إنّما تأتي مرافقةً ومتمّمةً له ، مشيراً إلى انه من حق كل مريض أن يحصل على العناية الملطفة ففي أحيان كثيرة، وخاصةً في المراحل الأكثر تقدماً من المرض، لا يحتاج المريض فقط إلى الدواء والعلاج، إنما إلى شخصٍ يسمعه، إلى معالجٍ نفسي، أو رجل دين، أو حتى مجرد الشعور بالإحاطة والاهتمام .

ويستطرد مبارك، وهو رئيس الجمعية اللبنانية للعناية الملطفة (ALSP) (Amour, lumière, sérénité, paix)، قائلاً: لا تعتمد العناية الملطفة على شخصٍ واحد إنما على فريقٍ كامل متكامل، مؤلف من طبيب متخصص في العناية الملطفة، وممرض، ومساعد ممرض، ومعالج نفسي، ومساعد اجتماعي، ومعالج فيزيائي، ومعالج انشغالي، ومقوم نطق، ومستشار قانوني، ومقوّم نطق، وأخصائي تغذية، وفريق روحي، ومتطوعين .

ولفت مبارك إلى ان العناية الملطفة تشمل كلّ الأعمار ولا تفرّق بين طفلٍ وعجوز .

وأشار إلى ان مستشفى المشرق هي أول مستشفى لبنانية فرنكوفونية تعترف بالطب الملطف (منذ عام 2012) وتحتوي على فريق متنقل للعناية الملطفة ، إلا انه ذكر من جهةٍ أخرى انه يجوز تقديم هذه العناية أيضاً في المنازل، طبقاً للحالة الصحية للمريض، ورغبته كما رغبة أسرته .

وأوضح ان قرار اللجوء إلى العناية الملطفة يمكن ان يكون قراراً شخصياً من المريض أو من أسرته، أو من الطبيب المعالج .

وأسف مبارك لكون العناية الملطفة غير معترف بها حتى الآن في لبنان، وغير مسجلة في نقابة الأطباء، مشيراً إلى انه ما من قانون يحمي المتخصص في هذا المجال .

في المقابل، أشاد بالخطوة الإيجابية الأولى، إذ اعترفت وزارة الصحة منذ حوالى السنة باختصاص الطب الملطف .

ويبقى الإصغاء والحضور من أهم العوامل للعناية الملطفة ،وفق مبارك الذي أمل أن تتعاون الأجهزة الطبية كافةً لجعل الطب الملطف أكثر انتشاراً بغية تأمين راحة المريض.

وتعمل الجمعية اللبنانية للعناية الملطفة ،على محاولة إدخال هذا الطب في لبنان ليتمكن كل مريض على فراش الموت من اختبار السعادة في أصعب ظروفه، ويموت في ما بعد بسلام، متصالحاً مع نفسه ومع من حوله ومع ربّه.