منال لاشين تكتب : ساويرس يسيطر على صحف وقنوات قبل الانتخابات البرلمانية

مقالات الرأي


■ حصل نجيب فى أقل من ثلاثة أشهر على امتياز إعلانات شبكة الحياة واليوم السابع والوطن

■ يملك حصة فى المصرى اليوم وفيتو وقنوات «أون تى فى»

■ حين جرى التعاقد بين الحياة وساويرس كان أول تعليق على فيس بوك: الوفد تحالف مع المصريين الأحرار

التاريخ يعيد نفسه مرتين لأننا لا نستمع له فى المرة الأولى، هذه المقولة الإنجليزية الشهيرة نطبقها فى مصر بطبعة خاصة جدا وخطرة جدا، التاريخ عندنا يعيد نفسه مائة مرة وأحيانا ألفًا لأن آفة مصر النسيان التام والزهايمر، لا ثورة ولا عشر ثورات تمحو تاريخنا مع الوقوع فى ذات الحفر ونفس الخطايا، خلال نظام مبارك كان الاحتكار سيد الموقف، تركنا أحمد عز ينتشر ويتوغل ويتمدد فى سوق الحديد وتركنا عائلة ساويرس تنتشر وتتوغل فى سوق الاتصالات والعقارات والأسمنت والسياحة حتى كانت تمثل ربع البورصة المصرية، كنا ننظر ببلاهة أو دهشة أو تآمر خلال فترة تكوين هذه الاحتكارات الاقتصاديات، وسقط مبارك ولم تسقط الاحتكارات التى بنيت فى عهده وبرعاية رسمية، نحن نفسر الاقتصاد الحر بأنه حرية كل واحد أن يدخل فيما يشاء وبأى حجم فى أى صناعة أو مجال.

الآن بنفس المنطق نترك احتكارا آخر ينتشر ويتوغل ويتمدد فى أهم وأخطر صناعة أو مجال، مجال الإعلام المرئى والمكتوب صحافة وإعلام، تصورا أننا نتكلم ليل نهار عن أهمية الإعلام وخطورة الإعلام وضرورة تنظيم الإعلام ولجان تشريعية وأخرى معاونة لوضع قوانين وتشريعات الصحافة والإعلام، ولكننا نتجاهل ما يحدث فى صناعة الإعلام وسوق الصحافة من تمدد احتكارى ينطبق عليه كل مخاطر ومساوئ الاحتكارية فى الاقتصاد، بالإضافة إلى طبيعة الإعلام الخاصة جدا فى التأثير وبناء الرأى العام، وعلاقة الإعلام بالسياسة وهى علاقة عضوية خاصة خلال مواسم السياسة الكبرى مثل انتخابات الرئاسة أو انتخابات البرلمان أو الحشد لبعض القضايا السياسية، ولذلك فإن الاستحواذات والاحتكارات فى مجال الإعلام والصحافة أخطر مليون مرة من الاحتكارات فى مجال الحديد أو الأسمنت، لأن الإعلام يتعلق بالبشر وتوجهاتهم السياسية والاجتماعية وأصواتهم الانتخابية، وتتضاعف مخاطر الاحتكار فى الإعلام والصحافة حين يتعلق الأمر برجل سياسى بصورة مباشرة جدا وطموح سياسى مشروع جدا وهائل جدا عن نجيب ساويرس واستحواذاته فى مجال الإعلام أتحدث وأكتب ربما تنفع الكتابة.

1

سياسى مستجد

لم يمارس نجيب السياسة فى عهد مبارك وهذا لا ينفى أنه أحد أعمدة نظام مبارك الاقتصادية لكنه لم يجد منصبًا سياسيًا على مقاسه فى ذلك العهد، ولذلك ما إن قامت ثورة 25 يناير حتى بادر نجيب ساويرس بإطلاق حزب سياسى وهو حزب المصريين الأحرار، ومن الموضوعية القول إن نجيب تعامل مع الحزب بنفس المهمة التى يتعامل بها مع أى بيزنس يدخله، لم يبخل على الحزب ولا مرشحيه فى أول انتخابات برلمانية بالمال والدعاية وأنفق الملايين من الجنيهات لبناء حزب قوى شاب وحل حزبه الثالث فى انتخابات مجلس الشعب التى فاز بأغلبيتها الإخوان، وخلال فترة حكم مرسى تأرجحت علاقة نجيب بالحزب، لكنها عادت بعد ثورة 30 يونيو أو بالأحرى عادت علاقة نجيب بالحزب قوية، وانتعشت آمال الحزب فى توفير ساويرس للحزب كل الإمكانات ليحصل الحزب على مقاعد تمكنه من الاقتراب من الأغلبية، وتحقيق أول حكومة حزبية فى مصر بعد ثورة يوليو، فى سبيل هذا الحلم المشروع جدا لأى سياسى أو حزب استعان الحزب بالآليات الحديثة فى هذا المجال، شركات لاختبار مدى شعبية المرشحين والاختيار بينهم بناء على الشعبية ورضا المواطنين فى دوائرهم، ودورات تدريبية للنواب خاصة الشباب، واستعداد تام للدعاية والوصول للناخبين من خلال المؤتمرات واللافتات واللحمة وإلخ إلخ إلخ.

2

يد الإعلام أطول

أى سياسى مستجد أو عريق يدرك بالطبع أهمية وسائل الإعلام فى أى حملة انتخابية أو أهمية الإعلام فى شغلانة السياسة فى مصر، ولذلك قد يبدو مثيرا للدهشة والقلق أن ملياردير الاتصالات العالمى يدخل بقوة بيزنس جديدًا وخطيرًا، وأن الرجل الذى ينتقل ما بين أكبر شركات الاتصالات فى العالم مالكا لهذه وبائعا لأخرى قد قرر أخيرا أن يحقق مكاسب أو يلعب فى بيزنس الإعلام ليزيد من ثروته وأملاكه، فمهما بلغت أرباح الإعلام فإنها ستظل أقل من مستوى بيزنس ساويرس العالمى، ولذلك من حق البعض أن يربط ما بين شهوة بيزنس الإعلام التى تملكت ساويرس مؤخرا وبين طموحه السياسى والحزبى ونحن على اعتاب انتخابات مجلس النواب، فالعلاقة بين الإعلام والسياسة علاقة عضوية خاصة فى مصر، ولذلك لا يمكن أن نتجاهل الصفقات الجديدة لشركة ساويرس فى مجال الإعلام، التى تضاف إلى تواجده فى الإعلام، وهذه الصفقات الجديدة جرت بعد عودة إيهاب طلعت لمصر وتوليه منصب العضو المنتدب فى شركة ساويرس، خلال العودة التى لا يزيد عمرها على ثلاثة أشهر، فى هذه الفترة القصيرة وفق إيهاب طلعت أوضاعه ومشاكله المالية وتخلص من المشاكل القضائية وجرت صفقات مهمة تتقاطع مع الإعلام فضائياته وصحفه.

3

نادى ساويرس الإعلامى

آخر صفقات الملياردير نجيب ساويرس الإعلامية هو الحصول على عقد الوكالة الإعلانية لشبكة قنوات الحياة ومالكها هو الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد، وهذه تفصيلة فرعية لكنها ذات دلالة، فشبكة رئيس حزب الوفد تعاقدت مع شركة رئيس جزب الأحرار، وكانت الوكالة الإعلانية للحياة قبل ذلك لشركة شويرى وهى شركة كبرى فى العالم العربى، ولاشك أن منافسة شركة بهذا الحجم تتطلب التضحية بالكثير من الأموال للشبكة التى تعد من أهم الشبكات الفضائية فى مصر، قبل الحياة كانت لشركة ساويرس تقاطعات إعلانية أخرى، حصلت الشركة على عقد الوكالة الإعلانية لمؤسسة «اليوم السابع» بكل مشروعاتها الجريدة والموقع المهم العام والمواقع المتخصصة الحالية والمستقبلية، لكن الوكالة فى حالة «اليوم السابع» كانت بالمشاركة مع وكالة أخرى، ووصل قطار ساويرس للوكالات الإعلانية إلى صحيفة مهمة أخرى وهى الوطن، وإذا كانت الشركة قد أجرت هذه التعاقدات المهمة فى هذه الفترة القياسية فماذا سيحدث فى الأشهر القادمة لو صارت شهوة نجيب الإعلامية على هذا المنوال والشكل والسرعة، ماذا سيصيب خريطة الإعلام من تغييرات، خاصة أن لنجيب ساويرس مساهمته السابقة فى مجال الإعلام فضائياته وصحفه، فقبل هذا وذاك فإن نجيب ساويرس شريك مساهم فى جريدة المصرى اليوم وهى أعلى الصحف المستقلة توزيعا ورسوخا فى مصر، وبعد ذلك أطلق ساويرس جريدة «فيتو»، وقبل هذا وذاك لدى ساويرس قناة «أون تى فى»، وخلال فترة حكم الإخوان تخلى ساويرس عن ملكية القناة ولكن ظهر فيما بعد أن التخلى لم يكن سوى محطة مؤقتة فى عهد مرسى وإخوانه، وبعد 30 يونيو انتهت هذه المرحلة وعادت الأمور لطبيعتها أو بالأحرى عادت ملكية القناة لنجيب ساويرس، وهكذا فإن تقاطعات ساويرس المالية مع الإعلام تشمل ثلاث مؤسسات صحفية بمواقعها الإخبارية المختلفة، وجريدة أسبوعية بموقعها الإخبارى، وشبكتين فضائيتين مهمتين، وهذه التشكيلة لا بد أن تثير التساؤلات المشروعة جدا فى علم الاحتكارات والاستحواذات سواء كان الاحتكار فى عالم الأسمنت أو دنيا الإعلام.

4

سجن الاحتكار

كانت خطيئة مبارك أو إحدى خطايا عهده أنه لم يول للاحتكارات والكيانات الكبيرة قدرًا كافيًا من الاهتمام والقواعد بل القيود التى يعرفها العالم الرأسمالى، والاحتكار هو أن تصل لحجم فى سوق ما يمكنك من أن تؤثر فى خريطة أو مصائر هذا السوق، ولا يشترط أن يكون هدف المحتكر أو الكيانات الكبيرة إفساد السوق أو التأثير عليه، ولكن يكفى أن تكون لديك هذه القدرة على التأثير المباشر والحاد، والاحتكارات أنواع وأشكال بعضها رأسى والآخر أفقى ولكن فى جميع الأشكال فإن القدرة على التأثير فى السوق هى العنصر الحاسم، ولذلك فإن بعض الدول تشترط موافقة الحكومة على أى استحواذ أو اندماج يصل بالكيان الجديد إلى 25% من حصة السوق، ولذلك فإن الحجم الكبير والتقاطعات المالية مختلفة الأشكال لنجيب ساويرس فى الإعلام يجب أن تثير قلق بعض الحكماء، فالعبرة ليست بقدرة نجيب ساويرس بالتدخل فى سياسة الصحف أو القنوات، ولا شك أن الصحافة والإعلام المصرى قد دخل اختبارات عديدة ونجح فى الحفاظ على استقلاليته وحريته، بل إن الإعلام ساهم بمواجهاته الشجاعة للإخوان فى التعجيل بثورة 30 يونيو، ولكن الاطمئنان لشجاعة أو استقلال الصحافة أو الإعلام لا يكفى عند مناقشة هذه القضية المهمة والخطيرة، لأن الدول لا ترتكن إلى الأخلاق أو المبادئ فى صياغة قوانينها وقواعدها، فمواجهة الاحتكارات ومخططات السيطرة يجب أن تقوم بها الدول والحكومات عبر قواعد حاسمة ومحددة وقاطعة، وإذا كان من حق ساويرس أن يهرول قبل الانتخابات فى عقد تعاقدات إعلانية فى الصحف والفضائيات فمن حقنا أن نتساءل عن توقيت هذه الشهوة أو الرغبة المفاجئة للتوسع فى مجال الميديا، وهل لهذه التوسعات علاقة بالانتخابات البرلمانية القادمة، وهل يؤثر التعاقد الجديد بين الحياة وشركة ساويرس على خريطة التحالفات الانتخابية فى برلمان ثورة 30 يونيو، وهل العلاقة الإعلانية ستؤثر على العلاقة السياسية؟ وهل يحاول ساويرس بهذه التوسعات فى عالم الميديا والتقاطع المالى لشبكات فضائية وصحف أن يبنى إمبراطورية إعلامية أم غطاء أو ظهيرًا إعلاميًا لطموحاته السياسية أم أنها مجرد بيزنس جديد قرر ساويرس أن يكون الأول والأكبر فى مجاله، وإذا كانت هذه الأسئلة تخص ساويرس فإن هناك أسئلة مهمة تخص الدولة، فالاحتكارات والكيانات الكبرى مقلقة وخطرة فى كل المجالات ومصر دفعت ثمنا فادحًا ولا تزال تعانى مع تجاهل تنظيم حاسم وجاد للاحتكارات والاستحواذات، وإذا كانت المعاناة كبرى والفاتورة ضخمة فى حالة الحديد أو الأسمدة أو الأسمنت فإن الفاتورة ستكون اكبر فى حالة الإعلام، خاصة حينما يرتبط الأمر برجل ذى طموح سياسى مشروع جدا ولديه تطلعات مشروعة للسيطرة على البرلمان ومن ثم تشكيل حكومة، فكل حزب أو أى حزب فى العالم يخطط إلى الفوز بأغلبية البرلمان وتشكيل الحكومة بل ويخطط أيضا للفوز برئاسة الجمهورية، فهذه طموحات مشروعة لأصحاب الأداء الحزبى، ولذلك فإن تغييرات خريطة الملكية للإعلام حتى فى الإعلام الغربى تقابل بالاهتمام والتحليل والتعليق وربط العلاقات ورصد التشابكات، يحدث ذلك دون اتهام أو غضب، ودون أن يكون فى هذا الاهتمام والتحليل اتهام لأحد سواء فى عالم السياسة أو دنيا الإعلام، ولذلك فأولى بمصر التى تمر بفترة حرجة وحاسمة ألا تتجاهل التزاوج بين السياسة والإعلام، مثلما تجاهلت يوما أيام مبارك التزاوج بين السلطة والثروة، ومثلما تجاهلت فى زمن مبارك وضع قواعد للملكية والاستحواذ فى كل الأسواق والمجالات، لأن الحرية الاقتصادية فى كل دول العالم الرأسمالى تمر عبر قواعد تضمن عدم اللعب فى الأسواق أو حتى القدرة فى التأثير عليها، وخلافا لما يردده بعض رجال الأعمال فى مصر فإن حرية البيزنس فى العالم الرأسمالى مرهونة بعدم الاضرار بحرية الآخرين أو مجرد القدرة على الاضرار بحرية الاخرين، وعلى رأس هذه الحريات حرية الحصول على الآراء والمعلومات على بلاطة حرية الإعلام، ولذلك فان اى مخطط لاستغلال هذه الحرية استغلالا سياسيا يقابل بكل حسم.