محمد الباز يكتب: اعترافات فنانات أحمد زويل

مقالات الرأي


أسس المسابقة فى العام 2004 وكانت أول فائزة بها هى مى فاروق.. وياسمين على تقول إنه كتب شهادة ميلادها فى عالم

الغناء

بالنسبة لى كان السؤال صعبا بالفعل .

ما الذى قدمه أحمد زويل لمصر؟ وجدت من يبالغ فى قيمة الرجل، رغم أن هؤلاء فعليا لا يقدمون دليلا ماديا ملموسا على شىء له قيمة أضافه زويل، أو حتى حاول أن يضيفه إلى سجل إنجازات الوطن، والذين يهيلون عليه التراب أحيانا ما يبالغون فى سحب أى وكل ميزة يمكن أن تجدها فيه.

لكن المفاجأة أننى وجدت إنجازا هائلا قدمه زويل إلى مصر والمصريين.. وأتمنى من حضراتكم ألا تتعاملوا مع ما سأقوله بسخرية.

استطاع أحمد زويل بداية من العام 2005 أن يقدم للحياة الفنية المصرية عددا من الفنانات والمطربات الرائعات بالفعل – وهذا كلام جاد لا سخرية فيه – فيكفى أن تعرف أنه قدم لمصر مطربة عظيمة مثل مى فاروق، وصاحبة صوت وإحساس خاص ومميز اسمها مروة ناجى وأخريات يمكن أن تتعقب أنت ظهورهن على المسرح الفنى.

لكن كيف فعلها أحمد زويل.

فى العام 2004 كان أحمد زويل ضيفا على صالونها الثقافى الذى كان يتحدث من خلالها كل عام، أعلن عن مسابقة للإبداع الفنى، تكون تحت رعايته هو، وكان يتم ترشيح المطربات من قبل الموسيقيين الكبار، فى فبراير 2005، كانت الفائزة الأولى هى المطربة مى فاروق صاحبة الصوت الساحر.. وكانت قيمة الجائزة خمسة آلاف جنيه قدمها زويل من ماله الخاص، وسلمها بنفسه لمى فى صالون الأوبرا.

من بين المطربات اللاتى حصلن على جائزة زويل أيضا كانت المطربة أميرة سعيد التى كانت وقتها طالبة بمرحلة الدراسات العليا بالمعهد العالى للموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، رشحتها لزويل أستاذتها وقتها الدكتورة رتيبة الحفنى، وبعد أن حصلت أميرة على الجائزة قالت : أنا مش مصدقة نجاحى ووقوفى للغناء أمام علم من أعلام مصر البارزين الدكتور أحمد زويل، خاصة عندما قام بتكريمى وأثنى على أدائى لأغانى أم كلثوم، فهذه الخطوة رفعت كثيرا من أسهمى الفنية.

المطربة ياسمين على كانت الأكثر حديثا عن دور أحمد زويل فى حياتها الفنية، ياسمين قالت إنها فى العام 2006 كانت دار الأوبرا تجهز احتفالا للدكتور أحمد زويل، وتمت مسابقة لأحسن صوت، وفزت بالمركز الأول،فأهدانى الدكتور زويل جائزة باسمه، وقال لى صوتك حلو يذكرنى بأم كلثوم، وسوف يكون لك شأن كبير فى المستقبل، لكن عليك أن تحافظى على موهبتك ولا تبدديها فى الموجة السائدة الآن، والتى تخصم من رصيد الفنان ولا تضيف له، وعن نفسى أعتبر أن جائزة زويل هى شهادة ميلادى الحقيقية فى عالم الغناء.

من بين شهيرات المطربات اللائى لعب الدكتور أحمد زويل دورا كبيرا فى حياتهن الفنية، كانت المطربة مروة ناجى التى عرفها الجمهور المصرى أكثر من خلالها مشاركتها المتميزة فى برنامج ذى فويس والتى شاركت بعد ذلك فى مسلسل تفاحة آدم الذى لعب بطولته خالد الصاوى، من بين مؤهلات مروة ناجى أنها إلى جوار كونها صوليست بدار الأوبرا المصرية، ومثلت مصر فى العديد من المهرجانات العربية والدولية، وحاصلة على جوائز كثيرة فى الغناء العربى منها جائزة المجمع العربى للموسيقى العربية والجائزة الثالثة مناصفة بمهرجان الموسيقى العربية فى دورته العاشرة، إلا أنها أيضا حاصلة على جائزة الدكتور أحمد زويل.

فى العام 2010 أدخل أحمد زويل تعديلات على المسابقة الفنية التى تحمل اسمه، ففى هذا العام نظمت دار الأوبرا المسابقة حول أداء الأغانى من التراث القديم من موشحات وأدوار ومواويل وطقاطيق ومونولوجات وقصائد، ومن بين الشروط التى حددتها دار الأوبرا للمتسابقين ألا يتجاوز عمر المتسابق 30 عاما، وأن يكون ملتحقا بإحدى فرق الموسيقى العربية التابعة لدار الأوبرا أو الهيئة العامة لقصور الثقافة أو بإحدى الكليات أو المعاهد الموسيقية، وتم تحديد جائزة نقدية للفائز الأول قيمتها 5 آلاف جنيه إلى جانب مشاركته بفقرة فنية خلال صالون الأوبرا الثقافى الذى يحضره الدكتور زويل بنفسه.

فى 2012 كان هناك خبر طريف جدا جرت أحداثه على هامش مسابقة الدكتور أحمد زويل الفنية، فقد سعت دار الأوبرا المصرية إلى إعادة مبلغ 100 جنيه مصرى ( حوالى 17 دولارًا) إلى الفنانة كارمن سليمان التى فازت فى برنامج آراب أيدول.. وهذا المبلغ هو رسوم دفعتها كارمن للمشاركة فى مسابقة أحمد زويل الفنية التى كان من المقرر إقامتها فى أواخر عام 2011، ولكن تم إلغاؤها لظروف أمنية مما أدى إلى قيام دار الأوبرا بالبحث عنها لرد الرسوم، فلولا أن كارمن سليمان حصلت على المركز الأول فى مسابقة آراب أيدول لكانت هى الأخرى حصلت على جائزة الدكتور أحمد زويل، ولكانت اعترفت أيضا بأنه كتب شهادة ميلادها الفنية.

التفاصيل كثيرة.. وهذه نماذج فقط ممن قدمهن الدكتور أحمد زويل، وحملت سيرتهن الذاتية اسمه وجائزته، لكن المطربات لسن الهدف من ذكر هذه التفاصيل، خاصة أننا نقدرهن ونقدر الدور الكبير الذى يلعبهن، خاصة أن مى فاروق واحد من القليلات اللاتى أعدن للغناء العربى رونقه.. وتعمل مروة ناجى على الطريق لتصنع لها لونا يميزها عن الأخريات.

موضوعنا بالأساس هو أحمد زويل، لا يمكن أن تنفى عنه حبه للغناء، وارتكانه إلى الموسيقى، فى بدايات عودته إلى مصر، وكانت حفلات أضواء المدينة لا تزال تشكل جزءا مهما من ليالى المصريين، حضر زويل حفلا كانت تحييه الفنانة الكبيرة سميرة سعيد، وعلى المسرح وأثناء غنائها كشفت سميرة أن زويل قابلها صباح يوم الحفلة فى الفندق الذى تقيم فيه، وطلب منها أن تغنى له شيئا من أغانيها القديمة، وأنها ورغم عدم تحضيرها لشىء من أغانيها القديمة، إلا أنها تكريما للدكتور زويل ستغنى ولو من دون موسيقى شيئا قديما لها، وبالفعل غنت سميرة أغنيتها الشهرة قال جانى بعد يومين.

الرجل عاشق للغناء إذن، ويمكن أن نسمع منه ذكرياته مع المطربين المصريين، أو عن اصطحابه لأغانى مطربيه المفضلين معه فى أمريكا، لكن أن يسجل الرجل باسمه مسابقة للغناء والإبداع الفنى ويخصص لها جائزة تبلغ خمسة آلاف جنيه، ويحرص على أن يسلمها بنفسه فى حفل تقيمه دار الأوبرا سنويا، يستمع فيه إلى الصوت الجديد الذى اكتشفه، فهنا نحن أمام جانب جديد من جوانب أحمد زويل، وهى جوانب على أى حال لا تزال قادرة على إدهاشنا.

وهنا لابد أن نضع بعضا من الملاحظات المهمة.

أولا: فى الوقت الذى اهتم فيه أحمد زويل بتأسيس والإشراف على مسابقة للإبداع الفنى ليكتشف من خلالها المواهب الفنية ويقدمها إلى الحياة الفنية المصرية، لم يبادر بتأسيس والإشراف على مسابقة للإبداع العملى، يكتشف من خلالها علماء جدد، ومبدعون صغار فى مجالات العلم، لم يفكر أن يخصص باسمه الذى يعتز به كثيرا جائزة علمية، لمن يعملون فى الأبحاث والمعامل، لم يرهق نفسه فى البحث عن النابغين فى المدارس والكليات العلمية، فهؤلاء مزعجون، يمكن أن يخرجوه من حالة الروقان الكبيرة التى يسعى إليها، والتى توفرها له مسابقة فنية، فما الذى يجعله يرهق نفسه فى متابعة بحوث ودراسات من شباب مصرى يريد أن يقدم شيئا، فى الوقت الذى يستطيع فيه أن يستمع إلى صوت جميل، يوفر له استرخاءً وراحة نفسية؟

ثانيا: خلال إشرافه على المسابقة الفنية التى تحمل اسمه كان أحمد زويل ودودا جدا ومجاملا جدا مع المطربات الفائزات، للدرجة التى يمكن أن تقابل كلاما لطيفا جدا تقوله كل مطربة عن زويل وطريقة حديثة معها، واستقباله لها، وهو ما لم نقابله على الإطلاق فى دنيا العلم، وشباب العملاء، فلم أقابل عالما أو باحثا شابا يتحدث عن تعامل زويل معه، ولا عن حديثه معه، ولا عن كلماته التى أثرت فيه، بل على العكس تماما، سمعت من مقربين من أحمد زويل ويعرفون سلوكه مع طلاب العلم جيدا أنه غير متعاون مع الشباب على الإطلاق، ولا يرحب بهم فى معمله أو بيته، ولا أتحدث هنا بالطبع عن الفريق المعاون له، بل أتحدث عن طلاب العلم المصريين الذين يقصدونه فى الولايات المتحدة، أثناء زياراتهم لها، فلا هو يرحب بهم، ولا هو يقدم لهم من علمه أو من نصائحه شيئًا.

ثالثا: يدلنا هذا السلوك من أحمد زويل على أنه تقريبا يريد أن يعلق الباب خلفه، فالباب الذى دخل منه إلى نوبل لا يريد أن يعبره أحد غيره بالتأكيد، وخاصة من المصريين، ولذلك فهو لا يساهم فى تأسيس مناخ علمى فى نفس التخصص، بل على العكس تماما إنه يجهضه.. ولذلك فليس لأحمد زويل مدرسة علمية فى مصر، فى الوقت الذى يمكن أن نرصد مدارس علمية، يقف على رأسها علماء كبار، كل ما ينقصهم أنهم لم يحصلوا على جائزة نوبل مثل أحمد زويل.

رابعا: وراء قصة مسابقة أحمد زويل للإبداع الفنى وجائزته التى كان لها دور كبير فى اكتشاف عدد من المواهب ملاحظة مهمة، ليست جديدة، ولكن يتم تأكيدها هنا من جديد، فأحمد زويل كان يأتى مصر ليأخذ، ليشعر بالراحة، معظم الندوات التى يحاضر فيها ثقافية وفنية، الندوات العلمية نادرة جدا، بل تكاد تكون غير موجودة، معظم من يقابلهم من الفنانين، لم يكن حريصا أبدا على أن يتواجد فى مجتمعات العلماء وهى كثيرة.

ولن أذيع سرا عندما أقول إن الفنان الكبير عادل إمام يحمل حالة من الاستياء الشديد من أحمد زويل، سعى زويل إلى التعرف على عادل إمام، قابله وجلس معه، تعامل مع زويل على أنه صديقه، لكن فجأة فترت العلاقة بين عادل وزويل، بدأ الفتور من عند صاحب نوبل، ليكتشف عادل إمام أن زويل كان يسعى فقط ليلتقط معه بعض الصور، رغم أنه لا يحتاج لذلك.. لكن هذا ما حدث، وربما يعرف عادل إمام الآن أن ما جرى كان طبيعيا، فالرجل بعد سنوات من الهجرة يأتى للاستعراض، ولإشباع نقص داخلى عانى منه طويلا، ولن تكون مفاجأة لعادل إمام بعد ذلك، عندما يعرف أن زويل يقول عنه كما يقول عن الآخرين أن الجميع يسعون إلى صداقته والتقاط الصور التذكارية معه.

أخيرا: هل بقى شىء يمكن أن نقوله عن حالة اهتمام زويل المبالغ فيه بالفن والفنانين والفنانات وانصرافه بشكل يكاد يكون كاملاً عن تشجيع العلم وشباب العلماء المصريين، بقى بالطبع.. فنحن أمام حالة درامية نفسية كاملة، صاحبها على استعداد لأن يفعل أى وكل شىء من أجل أن يبقى فى دائرة الضوء فقط.. وهذه هى مشكلة أحمد زويل الكبرى.