"داعش" تستهدف الأقلية السُّنية في لبنان

عربي ودولي


أصبح هذا المشهد مألوفًا بشكل مزعج، رجل يجبر على الانحناء أرضًا، ومن ثم تقطع رقبته من قبل مسلح ملثم. ولكن المميز في الفيديو الذي صدر مؤخرًا، هو أن الجندي اللبناني المنحور كان من نفس المذهب السني الذي ينتمي إليه جلادوه.

ويلخص قتل علي السيد هذا، الأسبوع الماضي، معضلة السنة في لبنان، حيث إنهم أصبحوا وبشكل متزايد كل من المصدر والضحايا للإسلاميين الراديكاليين الذين يسعون للحصول على موطئ قدم في لبنان. وعن هذا يقول نبيل رحيم، وهو شيخ سني مسلم من هيئة علماء لبنان: “هذه هي مشكلتنا. معظم الحكومة لا تقبل أو تثق بنا، وداعش تريد قتلنا… إنها تنظر إلى أهل السنة الذين لا يؤيدونها على أنهم حتى أسوأ من أتباع الطوائف الأخرى”.

وبعد أن سيطرت داعش على ما يقرب من ثلث كلٍّ من سوريا والعراق وادعت بناء “الخلافة” في جميع أنحاء المنطقة، يخشى لبنان، مع توازناته الطائفية القابلة للاحتراق وحكومته الضعيفة، من أن يصبح الهدف التالي للتنظيم. حتى الآن ليس لدى داعش الكثير في لبنان، وهو البلد الصغير الذي لا يزال يشتهر بنواديه الليلية وحاناته الشاطئية أكثر من متطرفيه، ولكن التطرف يتزايد والصراعات بين السنة والشيعة والمسيحيين والدروز على السلطة قد تجعل من السهل زعزعة استقراره.

وسوف يكون على داعش في طريقها لتحقيق هذا الهدف مواجهة العدو اللدود حزب الله، وهو الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، والتي تهيمن على الحكومة، وكانت القوة غير الحكومية الوحيدة التي سمح لها بالاحتفاظ بسلاحها بعد الحرب الأهلية في لبنان.

ولكن السنة في لبنان، وهم ثاني أكبر مجموعة بعد الشيعة، قد يكون من السهل استغلالهم، حيث إنهم يشتركون بنفس الشعور من التعرض للتمييز والتهميش وغياب القيادة القوية، وهو الشعور الذي دفع العديد من السنة العراقيين والسوريين إلى تحمل وحتى دعم داعش.

ويقول رحيم، الذي يعيش في المدينة الساحلية طرابلس: “نشطاء داعش الفعليين عددهم صغير جدًا هنا”. ويضيف: “لكن خوفي هو إذا وجدت داعش بطريقة ما وسيلة لإقامة قاعدة لها هنا، سوف يكون هناك مئات ممن هم على استعداد لتقديم الدعم لها في الشمال”.

والشمال هو معقل السنة في لبنان، وهو واحد من أفقر مناطقها. العديد من الشباب ينضمون إلى الجيش لتغطية نفقاتهم. واليوم، تحاول رابطة رحيم التفاوض على إطلاق سراح ما يقرب من 30 جنديًا استولت عليهم إما داعش أو جبهة النصرة، عندما استولى المسلحون لفترة وجيزة على بلدة عرسال الحدودية الشهر الماضي. هذه المجموعات تطالب بإطلاق سراح الرفاق الإسلاميين المسجونين بمقابل إطلاق سراح الجنود، وجاء قتل سيد كتحذير دموي أول.

وينتمي الجنود المخطوفون إلى مختلف الطوائف، ولكن السنة يرون رفض الحكومة حتى الآن لمبادلة السجناء أو دفع ثمن إطلاق سراحهم باعتباره علامة على اللامبالاة. وهم يشيرون في هذا الصدد إلى الصفقات التي عقدها المسؤولون اللبنانيون سابقًا لإطلاق سراح الحجاج الشيعة والراهبات المسيحيات من قبضة المتمردين السوريين.

ويقول سالم الرافعي، وهو أكثر شيوخ السلفيين تأثيرًا في طرابلس، والذي يجلس اليوم في منزله معالجًا ساقه التي حطمت عظامها رصاصة أطلقت عليه وهو في طريقه الى الحدود للتفاوض مع الخاطفين: “الفقر ليس هو المشكلة الأكبر، إنه القمع”. وأضاف: “لقد تعرضت للهجوم وإطلاق النار. ولكن، هل فعلت الحكومة أي شيء؟”.

ورجال الدين، مثل الرافعي، يقولون إنهم يعارضون داعش، ولكنهم ليسوا معتدلين. يتهمهم النقاد بأنهم مقربون جدًّا من المسلحين، ويشيرون إلى أنهم ساعدوا الانتحاريين في الذهاب إلى سوريا أو العراق. رحيم وكذلك الرافعي يرفضون بدورهم هذه الاتهامات، ويقولون إن فهمهم للآراء الإسلامية يجعلهم وسطاء فعالين مع المتطرفين، وإنهم إذا ما نجحوا، فسوف يتمكنون من تعزيز الثقة السنية في الدولة.

وفي الساحة الرئيسة في طرابلس، ترفرف رايات إسلامية سوداء، وتعلق صور لرجال قتلوا في سوريا، وبعضهم كانوا يقاتلون مع داعش. ولكن الخطر لا يكمن في كل السكان السنة في طرابلس، يقول رجال الدين، بل في مجموعة صغيرة من المتعاطفين مع داعش في الأحياء الفقيرة.

ويعتقد رجال الدين هؤلاء أن هناك حوالي 20 مجموعة صغيرة مؤيدة لداعش في طرابلس، ويبدو أن المال يصل لهذه المجموعات من قبل التنظيم. وقال أحد رجال الدين: “تحتاج الحكومة للمساعدة في جعلنا أقوى”. وأضاف: “حصلت على تحذير من أمن الدولة من أنني الآن في خطر، ولكنهم لم يمنحوني الحماية. كل ما يتطلبه الأمر لقتلي هو رصاصة واحدة”.

ويمكن تشغيل شرارة الاقتتال الطائفي في مختلف أنحاء البلاد بسهولة من قبل المتشددين. وحتى من دون محاولة التقدم على الإطلاق؛ حيث يمكن أن يشتعل العنف الطائفي عن طريق بتر رقبة أحد الجنود الشيعة. وعن هذا يقول رحيم: “هذا هو الخوف الأكبر. إن الطائفية هي غرق قارب يمكن أن يغرق بنا جميعًا”.