نتنياهو في مرمى نيران الحرب الإسرائيلية على غزة


ما كادت الحرب على قطاع غزة تضع أوزارها في السابعة من مساء يوم الثلاثاء 26 أغسطس الماضي عقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية مصرية حتى انهالت الانتقادات على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اليمين واليسار على حد سواء.

ووفق محللين سياسيين ووسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن المستقبل السياسي لنتانياهو أصبح مهددا وأنه يصارع من أجل البقاء والحيلولة دون تفكك الائتلاف الحكومي الذي يقوده على خلفية تداعيات الحرب على غزة خصوصا مع بدء الكنيست الإسرائيلي عملية تحقيق وتقييم لأداء الجيش والمستوى السياسي خلال الحرب التي استمرت 51 يوما.

يقول المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله لوكالة أنباء الشرق الأوسط: العدوان على غزة كشف شخصية نتنياهو الحقيقية أمام الرأي العام الإسرائيلي، فهو أفضل متحدث لبق.. أفضل رجل علاقات عامة لكنه رجل مرتبك بلا كاريزما يخاف حسم الأمور سواء كان الحسم بالحرب أو السلام .

وأضاف: نتنياهو ظهر بصورة الرجل الباهت غير القادر على إدارة إسرائيل في المعارك الكبرى، وأصبح يتعرض لضغوط من اليسار على اعتبار أنه أدخل إسرائيل في حرب كانت في غنى عنها، واليمين على اعتبار أنه فشل فى إدارة المعركة ضد غزة وأنه كان عليه الاستمرار في الحرب للقضاء على حماس .

وشنت إسرائيل حربا واسعة على قطاع غزة سمتها عملية الجرف الصامد استمرت لمدة 51 يوما من السابع من يوليو وحتى السادس والعشرين من أغسطس الماضي وأسفرت عن استشهاد نحو 2150 فلسطينيا وإصابة أكثر من 11 ألفا آخرين، فضلا عن تدمير البنى التحتية والآلاف من المنازل، بحسب إحصاءات فلسطينية رسمية. كما أسفرت عن مقتل 67 جنديا و4 مدنيين من الإسرائيليين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، حسب بيانات رسمية.

واعتبر المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطالله أن نتنياهو لم يكن يريد الحرب لاعتبارات شخصية وسياسية ولأن تكوينه يبتعد عن الذهاب لا للسلم ولا للحرب أو لأن خبرته العسكرية قليلة .

وأضاف: استمرار حشره في الزاوية من قبل شركائه في الائتلاف واتهامه بالمرونة وانعدام الشجاعة ووصل الأمر إلى الكتاب الذين يتهمونه بأنه جبان وكذلك من متطرفي حزبه وعلى رأسهم داني دانون الذي أقاله كنائب لوزير الدفاع دفعوه إلى هذا الخيار مرغما، وإلى الكمين الذي كان يخشاه .

ويرى عطاالله أن المشكلة الأكبر لنتنياهو هي من داخل حزبه الليكود، فهناك مجموعات من المتطرفين سيطرت على الحزب فى آخر انتخابات داخلية في صيف العام الماضي بعد الفوز على مرشحى نتنياهو كانت تريد استمرار الحرب وعلى رأسهم داني دانون .

وتابع: شعبية الليكود ارتفعت فى استطلاعات الرأي الأخيرة، لكن شعبية نتنياهو تراجعت بشدة .

وأظهر استطلاع للرأي العام في إسرائيل نشره موقع صحيفة هآرتس العبرية عقب وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية نهاية الأسبوع الماضي تراجع شعبية نتنياهو بشكل كبير.

وكشف الاستطلاع أنه بعد اتفاق وقف إطلاق النار عبر 52% من الجمهور الإسرائيلي عن رضاهم من أداء نتنياهو خلال الحرب، في حين أكد 40% أنهم غير راضين عن أدائه.

وأشارت هآرتس إلى أن رضا الجمهور عن أداء نتنياهو في استطلاعها السابق تعدى نسبة 77%، ما يدلل على تراجع شعبيته بنحو 25 نقطة وبنسبة تقارب 30%.

ويرى عطالله أن نتنياهو إذا استطاع الفوز فى الانتخابات المقبلة على رئاسة الليكود، فإن وضعه السياسي سيتحسن، لكنه إذا خسر فان مستقبله السياسي سيكون على المحك ومهددا بدرجة كبيرة.

وحول مستقبل الائتلاف الحكومي، قال عطاالله: لن يستقر..فالاستطلاعات الأخيرة تشير إلى ارتفاع شعبية افيجدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا ونفتالي بينيت رئيس حزب البيت اليهودي وهما من أحزاب اليمين المتطرف، وهذا ما سيجعل الاثنين يسعيان الى افتعال مشاكل لتفكيك الائتلاف والانتقال الى انتخابات مبكرة .

وأضاف ليبرمان يطمح في رئاسة الوزراء، فى حين يسعى بينيت لأن يكون صاحب نفوذ أكبر فى اتخاذ القرار الاسرائيلي من خلال زيادة عدد مقاعد حزبه فى الكنيست.

وتدلل وسائل إعلام إسرائيلية على عمق المأزق السياسي لنتنياهو بقراره عدم عرض اتفاق وقف إطلاق النار على المجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية والسياسية الكابينت للمصادقة عليه خشية ان يفشل في إقناع المجلس بذلك وهو ما يشير إلى عمق العزلة التي يعيشها داخل الائتلاف الحكومي الذي يقف على رأسه.

ويرى محللون إسرائيليون أن نتنياهو يحاول عقب وقف إطلاق النار تسويق واختلاق نصر سياسي وعسكري كبير في محاولة لقطع الطريق أمام منتقديه من حزب الليكود وأحزاب اليمين في الائتلاف الحكومي.

وأشاروا إلى أنه أنهى العملية العسكرية على غزة في ظل ظروف غاية في السوء قياسا بالظرف الذي بدأت فيه العملية حيث خرج بصدع في ثقة اليمين وناخبي اليمين، كما تلقت صورته كـ سيد الأمن ضربة قوية.

ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن مسئول بارز في حزب الليكود قوله إنه تفاجأ من طبيعة خطاب نتنياهو الذي حاول فيه تسويق نصر عسكري وسياسي غير موجود على أرض الواقع، وأنه كان يتوقع منه أن يصارح الجمهور بالثمن الكبير الذي كانت ستدفعه إسرائيل لو احتلت غزة.

وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي عقده بالقدس المحتلة بعد يوم من اتفاق وقف إطلاق النار إن إسرائيل وجهت لحماس أقوى ضربة على الإطلاق وإنها لم توافق على أي من شروطها في الهدنة.

وبعدها بثلاثة أيام، أشار في حديث للقناة العاشرة الإسرائيلية، إلى أنه لم يستجب لأي من مطالب حماس بقوله لا ميناء، ولا مطار، الرواتب (لموظفي الحكومة)، معتقلي شاليط، لا شيء ، معتبرا أن حماس معزولة، ولا تستطيع تهريب السلاح .

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التخلي عن الشراكة مع حماس ونبذها ليتسنى البدء بعملية سياسية تفضي إلى اتفاق سلام.

وخير نتنياهو أبو مازن بين السلام مع إسرائيل أو حماس، قائلا: يجب الاختيار بين السلام مع إسرائيل أو حماس فإما واحد أو اثنان . وأضاف: على أبو مازن أن يختار طريق السلام وأنا اعتقد أنه من الصواب له أن يختار ترك حماس التي لا تدعو فقط لتدميرنا بل تدعو لإسقاطه وقامت فعليا بالسعي لإسقاطه .

ورفض نتنياهو الانتقادات الموجهة إليه بالانفراد بقرار وقف إطلاق النار، وقال فى حديثه التليفزيونى لقد تم تفويضي باتخاذ القرار بشأن وقف إطلاق النار . وأردف: اتخذت القرار مع وزير الدفاع (موشيه يعالون) ورئيس هيئة أركان الجيش (بيني غانتس) .

ووفقا لتحليلات إسرائيلية، فإنه في حال مواصلة تدهور التأييد لنتنياهو في استطلاعات الرأي، سيحاول سياسيون من اليمين المتطرف ركوب الموجة لتحطيمه في مرحلة متقدمة، من بينهم وزير الخارجية ليبرمان.

وكان ليبرمان انتقد عبر موقعه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك توقيع اتفاق وقف إطلاق النار رافضا من حيث المبدأ الحديث عن ترتيبات وتسويات مع حماس.

وقال: محظور أن نتوصل إلى تسوية وترتيبات مع حماس وطالما بقي هناك شيء اسمه حماس يصبح التوصل إلى تسوية أمرا مستحيلا . داعيا إلى ضرورة العمل على إسقاط سلطة حماس في غزة وتمهيد الطريق لقيادة معتدلة في القطاع.

وقال ليبرمان حماس ليست شريكا في أي تسوية مهما كان نوع هذه التسوية لا تسوية سياسية ولا أمنية ونحن في حزب إسرائيل بيتنا نعارض وقف إطلاق النار الذي يتيح لحماس في ظله الاستمرار في مراكمة القوة وإدارة المعركة القادمة متى أرادت ذلك وفي التوقيت المناسب لها وطالما لم ندمر حكم حماس فان تهديد الصواريخ قائم ويجب علينا أن نصر على منع حماس من تحقيق أي انجاز سياسي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار .

وانضم وزير الاقتصاد ورئيس حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف نفتالي بينيت أيضا لفريق المتعجلين على نهاية نتنياهو قائلا إنه سيحاسب أبو مازن وحماس على حد سواء، وأنه أصبحت لدينا دولة أنفاق في القطاع .

وكانت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي بدأت هذا الأسبوع عملية تحقيق وتقييم لأداء الجيش والمستوى السياسي في الحرب الأخيرة ضد قطاع غزة.

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن المسئول الأول الذي استمعت إليه اللجنة كان نتنياهو وأنه من المقرر أن يمثل أمامها كل من رئيس المجلس للأمن القومي يوسي كوهين ورئيس الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي،يليهم باقي المسئولين في الأجهزة الأمنية والحكومة، ومن ضمنهم رئيس أركان الجيش بيني غانتس.