صحيفة: الحرب تعزز مكانة عباس.. وحماس تعمل تحت مظلة السلطة لأول مرة منذ سنوات
يسعى الفلسطينيون إلى استثمار الجولة الأخيرة من الحرب الأطول والأقسى على قطاع غزة، بالوصول إلى إنجاز تاريخي وكبير، يتمثل في إنهاء الصراع مع إسرائيل من جذوره، وذلك عبر إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، ولو بعد فترة طويلة نسبيا، وليس مجرد تفاهمات مرحلية حول جزء من الوطن (غزة).
وساعدت الحرب الأخيرة على القطاع، التي خلفت أكثر من 2000 قتيل و10 آلاف جريح ودمارا هائلا لا يمكن إعادة بنائه خلال أعوام قليلة، على تعزيز وحدة الفلسطينيين التي لا يمكن إقامة دولة فلسطينية من دونها.
ولأول مرة منذ أن سيطرت حماس على قطاع غزة في يوليو (تموز) 2007، تكون منظمة التحرير طرفا في اتفاق يخص القطاع. وتبدو هذه هي النقطة الأهم في الاتفاق الأخير وما يميزه عن اتفاق 2012 الذي أبرم بين حماس وإسرائيل فقط برعاية مصرية.
وقال مسؤول فلسطيني كبير لـ«الشرق الأوسط» السعودية: «نحن أمام تفاهمات بين المنظمة وإسرائيل وتعيدنا إلى اتفاقات سابقة بين المنظمة وإسرائيل، وهذه ستكون إحدى أهم الضمانات». وأضاف: «هذا ليس اتفاقا بين إسرائيل وفصيل، ونحن رأينا نتيجة الاتفاقات مع فصيل بعينه، كل عام أو اثنين تندلع حرب جديدة». وتابع: «وحدة الفلسطينيين تحت مظلة المنظمة هي الضمانة الحقيقية لتجنب حرب جديدة». وأردف: «كان للحرب فضل كبير علينا.. نحن بدأنا متفرقين.. كانت حماس ترفض حتى الدور المصري في البداية، ولكن انتهينا متفقين وموحدين، المطلوب الآن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة». ويبقى هذا الأمر رهنا باستمرار تعاطي حماس مع زعامة عباس التي تعززت أكثر فأكثر، بفضل أدائه السياسي أثناء الحرب الذي استطاع من خلاله الجمع بين التناقضات كافة، والتعاطي مع دول متناحرة إقليميا، وتوظيف إمكاناتها في دعم لاتفاق وقف النار.
وأظهر أحدث استطلاع للرأي نشره المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي، أمس، وأجري خلال الفترة من 14 - 19 أغسطس (آب) الحالي وشمل عينة عشوائية مكونة من 1000 شخص يمثلون نماذج سكانية من قطاع غزة أعمارهم 18 عاما فما فوق، أن أغلبية الجمهور الفلسطيني «راضون» عن أداء عباس خلال العدوان على قطاع غزة. وأجاب 54 في المائة من العينة بأنهم راضون عن أداء الرئيس الفلسطيني أثناء العدوان، و38.6 في المائة بالنفي، و7.4 في المائة أجابوا بـ«لا أعرف».
وينتظر الآن أن تبدأ مرحلة ثانية من المفاوضات الشهر المقبل في القاهرة من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي يعالج القضايا الخلافية التي تتركز على طلب حماس من إسرائيل الإفراج عن مئات الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الضفة الغربية عقب خطف وقتل ثلاثة شبان إسرائيليين في 12 يونيو (حزيران) الماضي، وطلب عباس الإفراج عن قدامى المعتقلين الفلسطينيين الذين أسقطت فكرة الإفراج عنهم بعد انهيار محادثات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وطلب إسرائيل أن تسلم حماس وغيرها من جماعات النشطاء في غزة جميع أشلاء ومتعلقات جنود إسرائيليين قتلوا في الحرب، وطلب الفلسطينيين إقامة ميناء بحري في غزة يسمح بنقل البضائع والبشر إلى القطاع ومنه، وإعادة بناء مطار ياسر عرفات في غزة الذي افتتح عام 1998 ولكن أغلق عام 2000 بعد أن قصفته إسرائيل.
وقال فيصل أبو شهلا، القيادي في حركة فتح وعضو الوفد الفلسطيني لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، إن «القيادة الفلسطينية تسعى الآن بعد انتهاء الحرب إلى اتفاق نهائي وشامل لإنهاء الاحتلال». وأَضاف قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعرف أنه لا توجد أي ضمانات لحماية شعبنا سوى بإقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال، وليس عبر تفاهمات مرحلية».
ووضع الفلسطينيون أثناء الحرب خطة من مرحلتين؛ الأولى: إنهاء حرب غزة عبر رفع الحصار عنها وإعادة إعمارها: والثانية: الانطلاق نحو إقامة الدولة الفلسطينية. واتفق الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) مع رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل على ذلك أكثر من مرة ودون لبس. وأوضح أبو شهلا: «هذا هو التوجه الآن؛ قرار السلم وقرار الحرب وجلب الدولة سيكون بالإجماع وليس قرار أي فصيل». وأضاف: «اتفقنا على ذلك».
ويخطط عباس للتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطلب إجلاء إسرائيل عن أراضي الدولة الفلسطينية المعترف بها، حتى وقت وتاريخ محدد ومعلوم، ويريد أن يكون ذلك طلبا عربيا فلسطينيا مشتركا، أي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ضد دولة عضو تحتل أرض دولة أخرى عضو.
وأخذ عباس قوة إضافية لمثل هذه الخطوة بعدما عملت حركة حماس لأول مرة منذ سنوات (عندما كلف عباس إسماعيل هنية تشكيل الحكومة عام 2006) تحت مظلته من خلال الوفد المفاوض في القاهرة الذي شكله بنفسه وزوده بالتعليمات المناسبة.
وبعد مئات الساعات من المفاوضات توصل الوفد إلى اتفاق مع إسرائيل حول وقف النار في غزة.
وأقرت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بدور عباس الرئيس في وقف العدوان. واتصل، أمس، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح، بعباس وشكره على الجهود التي بذلها للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع وحقن الدماء. وخلال الفترة الماضية لم تتوقف الاتصالات بين مشعل وعباس.
وكان الطرفان توصلا إلى اتفاق يعالج قضايا فورية تشمل وقف العدوان ووقف استهداف إسرائيل، وفتح المعابر من أجل حركة الأفراد والمعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع، وتضيق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 متر إلى 100 متر إذا صمدت الهدنة، وتوسيع إسرائيل نطاق الصيد البحري قبالة ساحل غزة إلى ستة أميال بدلا من ثلاثة أميال مع احتمال توسيعه تدريجيا إلى 12 ميلا.
وتبقى بنود أخرى رهنا باتفاق مصري - فلسطيني، يفتح الباب نحو عودة السلطة إلى غزة بقوة كبيرة، مثل فتح معبر رفح الذي يتطلب من السلطة الفلسطينية تسلم مسؤولية إدارته والانتشار على طول الحدود، وهو طلب مصري وافقت عليه حماس، إضافة إلى مسألة إعمار غزة التي ينتظر أن يعقد مؤتمر دولي بشأنها بداية الشهر المقبل في القاهرة ويستهدف جمع أكثر من 6 مليارات دولار لإعادة الإعمار الذي اتفق كذلك أن تكون حكومة التوافق الفلسطينية مسؤولة عنه بالكامل