لفظ (الرزق) في القرآن الكريم

إسلاميات



(الألفاظ) في العربية لها دلالات حقيقة، ودلالات مجازية، ودلالات شرعية، ودلالات عرفية. واللفظ الواحد يَحمل في سياق ما معنى محدداً، ويحمل في سياق ثان معنى آخر، وهكذا فاللفظ نفسه لا يحمل الدلالة ذاتها في سياقاته المختلفة، بل تتعدد دلالاته بتعدد السياقات التي يرد فيها، لكن تبقى هذه الدلالات السياقية على صلة ما بالمعنى الأصلي للفظ.

ومن الألفاظ الدالة على ما ذكرنا لفظ (الرزق)، فقد ورد في القرآن الكريم بمعان مختلفة، بحسب السياقات التي ورد فيها. وسنقف مع هذه المعاني ، بادئين بالتعريف اللغوي لهذا اللفظ.

تفيد معاجم اللغة أن لفظ (الرِّزق) - بكسر الراء - في أصله اللغوي يدل على عطاء لوقت، ثم يُحمل عليه غير الموقوت، والاسم: الرزق، وجمعه أرزاق. يقال: ارتزق الجند: أخذوا أرزاقهم. قال الأزهري: يقال: رزق الله الخلق رِزقاً - بكسر الراء - والمصدر الحقيقي رَزقاً - بفتح الراء - والاسم يوضع موضع المصدر. والرزق: عطاء الله جل ثناؤه. يقال: رزقه الله رزقاً. و(الرزق) يقال للعطاء الجاري تارة، وللنصيب تارة، ولما يصل إلى الجوف، ويُتغذى به تارة، يقال: أعطى السلطان رزق الجند، ورُزقت علماً. و(الرازق) يقال لخالق (الرزق)، ومعطيه، والمسبب له، وهو الله تعالى، ويقال ذلك للإنسان الذي يصير سبباً في وصول الرزق. و(الرزاق) لا يقال إلا لله تعالى.

ولفظ (الرزق) ورد في القرآن الكريم في ثلاثة وعشرين ومائة موضع (123)، ورد في واحد وستين موضعاً (61) بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا} (المائدة:88)، وورد في اثنين وستين موضعاً (62) بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {كلوا واشربوا من رزق الله} (البقرة:60).

وذكر المفسرون أن لفظ (الرزق) في القرآن الكريم ورد على عدة معان هي على النحو التالي:

(الرزق) بمعنى (العطاء)، من ذلك قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} (البقرة:3)، يعني: مما أعطيناهم ينفقون ويتصدقون. ونظيره قوله عز وجل: {أنفقوا مما رزقناكم} (البقرة:254)، أي: مما أعطيناكم. ونحو هذا كثير في القرآن.

(الرزق) بمعنى (الطعام)، من ذلك قوله سبحانه: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا} (البقرة:25)، أي: أُطعموا. ومثله قوله عز من قائل: {قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} (البقرة:25)، أي: أُطعمنا.

(الرزق) بمعنى (المطر)، من ذلك قوله تعالى: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} (الذاريات:22)، يعني: المطر. قال ابن عاشور: (الرزق) أطلق هنا على (المطر) على طريقة المجاز المرسل؛ لأن المطر سبب لحصول (الرزق) بأنواعه. ومن هذا القبيل، قوله سبحانه: {وما أنزل الله من السماء من رزق} (الجاثية:5)، قال الطبري: هو الغيث الذي به تُخرج الأرض أرزاق العباد وأقواتهم.

(الرزق) بمعنى (النفقة)، من ذلك قوله سبحانه: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} (البقرة:233)، يعني نفقة المولود كائنة على والده. ومن هذا القبيل قوله عز وجل في أموال السفهاء: {وارزقوهم فيها واكسوهم} (النساء:6)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: {وارزقوهم}، يقول: أنفقوا عليهم. وقال الطبري في معنى الآية: أنفقوا على سفهائكم من أولادكم ونسائكم الذين تجب عليكم نفقتهم من طعامهم، وكسوتهم في أموالكم...وعلى سفهائكم منهم، ممن لا تجب عليكم نفقته، ومن غيرهم الذين تلون أنتم أمورهم، من أموالهم فيما لا بد لهم من مؤنهم في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.

(الرزق) بمعنى (الثواب)، من ذلك قوله سبحانه: {بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران:169)، أي: يثابون على ما قدموا من أعمال وتضحيات. ونظيره قوله جلَّ وعلا: {يرزقون فيها بغير حساب} (غافر:40)، أي: يثابون فيها ثواباً غير مقدر. قال ابن كثير: أي: لا يتقدر بجزاء، بل يثيبه الله، ثواباً كثيراً، لا انقضاء له، ولا نفاد.

(الرزق) بمعنى (الجنة)، من ذلك قوله تعالى: {ورزق ربك خير وأبقى} (طه:31)، قال البغوي: يعني: الجنة. ومثله قوله سبحانه في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: {وأعتدنا لها رزقا كريما} (الأحزاب:31)، يعني: الجنة.

(الرزق) بمعنى (الشكر)، وذلك قوله سبحانه: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (الواقعة:82)، قال الطبري: وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب. وقد ذكر عن الهيثم بن عدي: أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان، بمعنى: ما شكر.

(الرزق) بمعنى (الفاكهة)، وذلك قوله تعالى: {وجد عندها رزقا} (آل عمران:37)، فسر كثير من الصحابة والتابعين (الرزق) هنا بـ (الفاكهة)، قالوا: وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف.

والمتأمل في أغلب المعاني التي جاء عليها لفظ (الرزق) في القرآن الكريم، يجد أن السياق الذي ورد فيه هذا اللفظ، قد أكسبه دلالة زائدة على المعنى الأصلي له، غير أن جميع تلك الدلالات لا تخرج في المحصلة عن معنى (العطاء)، وهو الأصل اللغوي لمعنى (الرزق)، فهي صادرة عنه، وراجعة إليه، ودائرة في فلكه.