احمد فايق يكتب : كيف نجح علماء مصر فى اختراق فرنسا وألمانيا من صناعة المدمرات البحرية وحتى تأمين الجيوش؟

مقالات الرأي



لا تنبهر كثيرا بالمنظومة الصحية فى فرنسا فقد ساهم فيها أطباء مصريون



المشهد هذه المرة كان مختلفا، حينما دخلنا معهد علوم البحار وبناء السفن، سألنا عن رجلنا، قلنا أين البروفيسور عبدالمقصود؟ كان هناك اربعة مدرسين بالجامعة، انتفضوا فجأة واشاروا جميعا إلى مكان مكتبه، طرقنا الباب لنرى رجلا مصريا أصيلا فى الشكل والمضمون، يتحدث العربية بركاكة، بدأنا معه رحلتنا التى جعلتنا نلتزم الصمت ساعات انبهارا به وبشخصيته ونجاحه، ففى كل دقيقة كنا فيها معه نكتشف أننا أمام رجل عظيم، إنه ليس عميدا لمعهد علوم البحار وبناء السفن فى جامعة هامبورج الالمانية، بل هو معجزة علمية فى عالم البحار، مصطفى عبدالمقصود تخرج فى كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، ثم هاجر إلى ألمانيا، وتخصص فى مجالات الهندسة البحرية، فى الطريق إلى منزله اندهشنا أكثر، فقد اختار مكاناً هادئاً بعيداً عن الصخب، لا تستطيع أن تصله بالمواصلات العامة، ويجب أن تسير على قدميك حتى تصل إلى هذا المنزل الأوروبى الجميل، وفى بعض الأحيان تشعر كأنك مراقب أو هناك عيون تتابعك باهتمام وشغف، هو ليس منزلاً فخماً داخل محمية أوروبية، بل هو بيت العالم الكبير، فى الداخل استقبلتنا زوجته الألمانية قائلة بالعربى «أخلا وسخلا» وتقصد «أهلا وسهلا»، فى الداخل وجدنا الصالون المدهب المصرى الشهير، وبدأت ملامح شخصيته تتضح لنا، عربيته ليست ركيكة لكنه لم يتحدثها منذ سنوات بانتظام، كان يجب أن ينتفض المدرسون بالجامعة بمجرد سماع اسمه، وكان يجب أن تشعر بالمراقبة حول منزله، فنحن قابلنا مصمم أكبر مدمرة بحرية فى العالم!

ليس هذا فحسب بل كتبت عنه صحيفة ألمانية أنه مجنون لأنه يدعى أنه صمم حاوية نقل بضائع تحمل 185 ألف طن وطولها 200 متر، لكن حينما سألت الصحيفة إدارة الموانئ فى ألمانيا، فقالوا لهم هو ليس مجنوناً لقد نجحت تجاربه العلمية فى هذا الشأن والحاوية ستدخل الخدمة خلال أسابيع.

هذا العبقرى المجنون يشرف على أكبر معمل اختبار جودة سفن فى أوروبا، ولا تستطيع أن تدخل سفينة ألمانية الخدمة دون أن تحصل منه على خاتم الجودة، هل تعرف أهمية ميناء هامبورج؟ إنه ثانى أكبر ميناء فى العالم، ويتسبب فى دخل للمدينة قدره 80 مليار دولار!

لقد قابلنا هذا الرجل أثناء تصوير الموسم الثانى من برنامج «مصر تستطيع» الذى يعرض على قناة النهار اليوم، لكننى تألمت لأنه لم يتصل به أحد حتى الآن كى يطلب منه خبراته فى مشروع تنمية قناة السويس، مصر تمتلك الخبير البحرى الأول فى العالم، ولا تعرف عنه شيئا.

أثناء تصوير الموسم الأول من البرنامج كنت أعتقد أننا نجحنا فى تمشيط ألمانيا شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بحثا عن العقول المصرية، لكننى اكتشفت أن أكبر بلد صناعى فى العالم مازال فيه الكثير من المصريين ممن ساهموا فى صناعة الأسطورة الالمانية.

لكن هذه المرة كانت الرحلة بين فرنسا وألمانيا، فريق العمل مكون من 3 أفراد، المخرج ثروت مصطفى «33 عاما» والمخرج المنفذ مؤمن خاطر «26 سنة»، معنا 2 كاميرا وبعض المعدات الخفيفة التى نستطيع حملها، وطبقا للميزانية المرصودة كان المطلوب أن نجوب 12 مدينة فى فرنسا وألمانيا خلال 17 يوماً للبحث عن العقول المصرية المهاجرة، وعنوان مصر تستطيع يجمعنا كلنا.

لقد نجحنا فى الموسم الاول فى تقديم مجموعة من أهم العلماء المصريين لصناع القرار فى مصر، ثلاثة من مجلس علماء مصر وهم المهندس هانى عازر والمهندس إبراهيم سمك والدكتور هانى النقراشى كان لنا شرف التسجيل معهم لقناة النهار اليوم.

بعضهم يشرف الآن على مشروعات مهمة وضخمة، المهندس هانى عازر يشرف على بناء 6 أنفاق جديدة أسفل قناة السويس، و13 نفقاً آخر جديدة أسفل القناة للصرف الصحى والمياه والكهرباء، والمهندس إبراهيم سمك يشارك فى تحويل 8 محافظات مصرية للعمل بالكامل بالطاقة الشمسية، وعالم الآثار ممدوح الدماطى أصبح الآن وزيرا للآثار.

هناك آخرون أثبتوا أن مصر تستطيع لكن تسببت البيروقراطية فى مواجهة أفكارهم لتطوير مصر، منهم الدكتور هانى سويلم المدير الأكاديمى لقسم هندسة المياه جامعة أخن، وأحد أهم خبراء التنمية المستدامة فى العالم، وهو الذى أنقذ نهر الراين الألمانى من التلوث، ويجرى تصميمات للسدود المائية وقياس جودة الموانع المائية وتوفير الطاقة، وحتى الآن يرفض الحصول على الجنسية الألمانية تمسكا بجواز السفر المصرى، هذا الرجل وضع تطويرا شاملا لنظام التعليم الأساسى فى مصر، ووضع تصورا لمناهج دراسية فى الفترة من الصف السادس الابتدائى وحتى الثالث الاعدادى، ووضع هذا التطوير خبراء تعليم وتنمية من مصر ودول الاتحاد الأوروبى، وحصل على جائزة أفضل مشروع تنموى فى العالم من الأمم المتحدة، وبدلا من تكريمه فى مصر وتشييد التماثيل له، غرق فى البيروقراطية، ولم يصدر أى وزير تعليم فى مصر قرارا بتطبيق المناهج الجديدة حتى الآن، ورغم هذا لم يفقد العالم المصرى الأمل، وواصل طريقه من خلال الجمعيات الأهلية بعيدا عن الفساد الحكومى.

هناك مشهد رأيته بنفسى يوضح كيف تتعامل البيروقراطية الحكومية المصرية مع علمائنا، اتصل بى العالم هانى سويلم وكان سعيدا، مؤكدا أنه سيتناول الإفطار مع المدرسين وأهالى منطقة الوراق فى مدرسة حكومية، ثم سيبدأ دورة تدريبية للمدرسين لنقل خبراته لهم، وبالفعل ذهبت إلى هناك، كنت سعيد الحظ بالتعرف إلى هانى سويلم فى ألمانيا، وأعرف جيدا من هو، لذا لم أندهش كثيرا حينما رأيت حوله 6 من المساعدين جميعهم يحمل لقب مدرس جامعى، هؤلاء المساعدون من أمريكا والبرازيل ومصر وألمانيا، كان فى المدرسة وكيل الإدارة التعليمية لمنطقة الوراق وبعض المسئولين، سارعوا بالترحيب بمساعدى الدكتور هانى ولم يلتفتوا إلى قيمة هذا الرجل الكبير، ابتسم لى هانى سويلم فى هذه اللحظة قائلا «مش مهم.. المهم إنهم يطوروا التعليم»، ولا أدرى كيف يطور هؤلاء التعليم وهم على هذا المستوى من التفكير والذكاء!

فى الموسم الثانى قابلت أسماء عظيمة من علماء مصر فى ألمانيا وفرنسا، نجحوا فى مجالات الهندسة والطب، بأطباء يجعلونك تسأل: لماذا يفشلون فى مصر ويصبحون أهم علماء فى الخارج؟ هناك نماذج واضحة ومؤلمة فى هذا المجال، سأكتفى بسرد سطور عن بعض نجوم «مصر تستطيع» الموسم الثانى، فالمساحة لا تكفى لهم جميعا، ربما يساهم هذا فى أن تستفيد مصر منهم ومن علمهم، لقد قابلتهم جميعا وعلى يقين تام بأنهم على استعداد تام لمساعدة مصر.