منال لاشين تكتب : الموجة الجديدة لشركات النصب الإلكترونى تنطلق من أوروبا

مقالات الرأي



■ هشام رامز طلب من الإماراتيين التعاون فى ضبط شركات النصب الإلكترونى.. واستجابت الإمارات فهربت الشركات إلى دول أوروبية

تتغير أسماء الشركات والأشخاص، وتتبدل موديلات البيع والشراء ومجالات الاستثمار، ولكن تظل القاعدة واحدة، علاقة صاغها كاتب فى ذروة أزمة شركات توظيف الأموال، أو الموجة الأولى على يد الريان والسعد وإخوانهما، قال الكاتب: إن العلاقة بين المودعين والشركات هى علاقة الطماع بالنصاب، مواطن يحلم بالربح السريع الهائل، هذا المواطن الطماع سلم أمواله لشركات ترتدى عباءة الدين، ولكنها تقدم 24% ربحًا شهريًا، فى ذلك الوقت كانت الفائدة فى البنوك لا تتجاوز الـ 8%، كل نصف خبير، أو حتى مواطن رشيد كان يرى النهاية أو حتى يتحسسها، ولكن الطمع أعمى الجميع، كان من المتوقع بعد كارثة شركات توظيف الأموال الإسلامية أن يعى الجميع الدرس، وأن يبحث عن ربح معقول من خلال مشروعات واضحة ومحددة وتعمل على أرض الواقع، ولكن موجات شركات توظيف الأموال لم تتوقف، تخفت أحيانا، ولكن سرعان ما يستيقظ المجتمع على شركة جديدة لتوظيف الأموال.

ولأن الجميع يساير التطور فإن شركات توظيف الأموال عادت بشكل حديث، الاستثمار فى الأوراق المالية والفوركس والبورصات العالمية، وبدلا من الذهاب بشنطة الفلوس لمقر الشركة، أصبحت الشركة عبارة عن صفحة على فيس بوك، وبدلا من عشرات الموظفين فى شركات توظيف الأموال، تحول العملاء أنفسهم إلى موظفين بالقطعة لدى الشركة، وكانت معظم الشركات تستغل سهولة الإجراءات لتأسيس الشركة فى الإمارات أو تحديدا دبى، فتقوم بتأسيس شركة «أى شركة» فى مركز دبى للخدمات المالية، وبرخصة الشركة تبدأ رحلة جمع الأموال وكله بالدولار، ولكن التطورات الأخيرة دفعت بهذه الشركات إلى العمل أو الهرب إلى دول أخرى أوروبية، فالموجة الجديدة لشركات النصب الإلكترونى تنطلق من لندن واستراليا ونيوزيلندا.

1

الهجرة من دبى

لم تترك بعض الشركات دبى عن طيب خاطر ولا نتيجة تطور الأعمال أو تحقيق نتائج جبارة أدت إلى التوسع فى الأعمال، لكن وراء الهجرة من دبى قصة نجاح مصرية فى متابعة هذه الشركات التى تخدع ملايين المصريين، وتستنزف الدولارات من مصر فى وقت تشتد الحاجة فيه إلى العملة الصعبة، بحسب معلومات البنك المركزى المصرى فإن هذه الشركات تسببت فى خسارة مصر نحو مليار دولار فى العام الماضى، وكان محافظ البنك المركزى هشام رامز فى زيارة عمل للإمارات وفتح ملف هذه الشركات التى ينطلق بعضها من دبى، وتدعى للمصريين أنها شركة مرخص لها العمل بالخدمات المالية من مركز «سلطة دبى للخدمات المالى» والمركز هو السلطة المختصة بمراقبة الشركات، وقال هشام رامز للمسئولين الإماراتيين إن الإمارات وقفت مع مصر ودعمتها بكل الوسائل وأنها لم تدخر وسعا لدعم مصر، وأضاف: إننا نعرف من الأجانب أن الإمارات تقوم بدعمنا فى كل المحافل. وشرح المحافظ للمسئولين أن مصر تخسر سنويا ملايين الدولارات بسبب هذه الشركات، وقد استجابت الإمارات بالفعل، وأصدرت سلطة دبى بيانا بأن شركة ستار كابيتال غير مرخص لها بالعمل فى الخدمات المالية، كما اضطرت شركة أخرى تعمل فى استثمارات الذهب لترك دبى وأعلنت لعملائها أنها ستعمل من لندن، وبدأت شركة ستار كابيتال فى العمل من خلال ترخيص من نيوزيلندا، واختارت شركة ثالثة أستراليا للحصول على رخصة عمل.

ولذلك فإن الموجة الجديدة من شركات النصب الإلكترونى ستكون مواجهتها أصعب لأن معظم الدول الأجنبية لم تتضامن مع مصر أو تقدم لها الدعم لمواجهة هذه الشركات مثلما فعلت الإمارات، ولذلك نحتاج إلى إجراءات أكثر صرامة لمواجهة الموجة الجديدة التى تستنزف مليار دولار كل عام.

2

أزمة ستار

شركة ستار كابيتال واحدة من أشهر الشركات التى كانت تعمل فى مجال الفوركس والاستثمار فى الأوراق المالية، وكانت ستار كابيتال تضع ضمانة مهمة للاستثمار عبر الشركة، وهى ألا تتجاوز الخسارة 3% فقط، لأن نظام الاستثمار على الانترنت يتوقف بمجرد تجاوز الخسارة 3%، وبذلك تضمن الشركة للعميل 97% من أمواله، وأرباحًا من 10% إلى 5% شهريا.

فى البداية كانت الشركة تسمح للعميل بسحب الأموال والأرباح خلال خمسة أيام، واعتمدت الشركة على حملة دعاية خرافية على فيسبوك والإنترنت، فالجميع يسأل عن «ستار كابيتال» والجميع يتغنى بأرباحها وإنجازاتها، وأكد بعض الشباب أنهم حققوا أرباحًا هائلة خلال أشهر قليلة، ولا شك أن مدير الشركة هانى لطفى استطاع بذكاء أن يبنى للشركة سمعة طيبة فى البداية، فقد قدم مثلا خطابا للعملاء تحدث فيه عن إنجازات الشركة، وكان من بين الإنجازات انتهاء الاستحواذ على شركة إم إيه سى كابيتال وتغيير اسم الشركة إلى ستار كابيتال، وكأن تغيير اسم الشركة هو إنجاز أو بالأحرى دليل على قوة ومتانة الشركة، والحقيقة أن شركة إم إيه سى كابيتال كانت قد واجهت مشاكل وشكوكًا من عملائها، وأدت المخاوف بالعملاء إلى سؤال سلطة دبى للخدمات المالية عن وضع الشركة، وهل للشركة الحق فى العمل بمجال الخدمات المالية، وعلى أثر هذه الشكوك ظهر الكيان الجديد ستار كابيتال، وسرعان ما مرت الشركة الأخيرة بمشاكل مالية، وقد أثرت هذه المشاكل على دورة رأس المال، فاصبح حصول العميل على أمواله يتطلب 65 يوما بدلا من الخمسة أيام، وسرعان ما عجزت الشركة عن الوفاء بالأرباح التى وعدت بها، ولم يغلق هانى لطفى حساب الشركة على الإنترنت مثلما فعل غيره، لكنه أرسل «إيميلاً للعملاء»، وعد فيه بسداد أموال العملاء على ثلاث دفعات، لكنه خص إعادة الأموال للعملاء الذين استثمروا 10 آلاف دولار فأقل، أما كبار العملاء فلم يأت لهم ذكر ولا خبر.

وقد كانت فكرة إعادة الأموال لصغار العملاء فقط نقطة أخرى تكشف ذكاء مدير الشركة، لأن كبار العملاء فى مثل هذه الشركات يترددون ألف مرة قبل تقديم بلاغ للنائب العام، فى الغالب فإن وظائفهم الحساسة ومراكزهم الكبيرة تجعلهم يحجمون عن تقديم بلاغات أو حتى الاعتراف بأنهم وقعوا ضحية لمثل هذه الشركات، ومن ناحية أخرى فإن بعض كبار العملاء يستثمرون أموالهم غير المشروعة فى مثل هذه الشركات، فهى شركات غير مسجلة فى البورصة أو الهيئة العامة للاستثمار وبعيدة عن أيدى وأعين الضرائب، ولذلك يمكن إخفاء أموالهم التى حصلوا عليها من الفساد فى مثل هذه الشركات، ولذلك لم يجرؤ الكبار على تقديم بلاغ ضد هذه الشركة أو الشركات الأخرى، والآن وبعد أن سددت ستار كابيتال معظم المبالغ لصغار العملاء فإنها استعادت صفحتها على فيس بوك، ولكن التصريح هذه المرة من نيوزيلندا وهناك رقم للتصريح ورقم آخر لشركة أخرى تعمل مع أحد البنوك، ولكن مرة أخرى فإن العملاء ليس لديهم لا الحق ولا القدرة فى الوصول للشركة فى نيوزيلندا، والأهم ليس لدى عملاء ستار كابتيال ولا غيرها الوصول إلى أصحاب الشركة فى حاله ضياع أموالهم، وهذا ما حدث بالضبط مع شركة أخرى توقفت مند شهر تقربيا عن سداد المستحقات للعملاء وأغلقت موقعها أو صفحتها على فيس بوك بمنتهى منتهى السهولة.

3

حلم الثراء بالذهب

تاريخيا كانت ولاية كاليفورنيا بأمريكا مرتعًا للمجرمين الفارين من العدالة وبقايا الهنود، وبدأت أولى خطوات تعمير الولاية الشهيرة بحلم الثراء بالذهب، فقد اكتشف الذهب بها فى القرن الثامن عشر وسرعان ما انتشر الخبر، فسافر كل القادرين على السفر لها بحثا عن الذهب، وكان المغامرون من أمريكا اللاتينية بنسبة أكبر وهاجر آلاف الأوروبيين لها بحثا عن الذهب، وانتهت فورة الذهب بخيبة لمئات الالوف من المغامرين، وكانت هذه النهاية هى مصير مئات بل آلاف العملاء لشركة أخرى من شركات النصب الإلكترونى، والشركة تعمل هذه المرة فى مجال التنقيب عن الذهب والمضاربة فى بورصة الذهب العالمية، والشركة مسجلة فى جزر فرجين البريطانية، وهى واحدة من أشهر مراكز غسيل الأموال وشركات الأوف شور، وهى شركات لا تكشف عن المساهمين فيها، والشركة تعمل فى مصر منذ ثلاث سنوات، ولها فرع أو مركز فى دبى أو هكذا تم الترويج للشركة لان أحدا من العملاء الذين نُصب عليهم لم يتصلوا بالشركة أو أحد العاملين بها، الشركة تدعى «فيرجين جولد»، وعندما شعر بعض العملاء بالقلق وطلبوا التعامل مع الشركة مباشرة، كان الرد أن التعامل مع الشركة يتطلب شراء 50 ألف سهم، وقيمة هذه الاسهم يتقرب من المليون دولار «تحديدا 875000» دولار، ولذلك وافقوا على التعامل مع أفراد داخل مصر، وأقل استثمار هو شراء 2000 سهم بسعر 3650 دولارًا، وعرضوا طريقين للأرباح أحدهما أن يكون الربح ثابتًا 100 دولار، أما الطريقة الثانية للأرباح الأخرى فهى نسبة 24% من قيمة أونصة الذهب.

ومثل كل الشركات فإن هناك عمولة 10% على كل عميل جديد يستطيع العميل القديم ضمه للشركة أو بالأحرى اللعبة، وترتفع العمولة إلى 15% إذا اقنعت 10 عملاء للشركة.

ودورة رأس المال 45 يومًا، ولذلك يحصل العميل على الأرباح كل 45 يومًا، وفجأة أغلقت الشركة أبوابها أو صفحتها على الإنترنت، ولم يعرف العملاء أين ذهبت أموالهم أو لماذا توقفت الشركة، ولكن بعض المتعاملين الكبار مع الشركة والذين ورطوا العملاء الجدد قدموا تفسيرًا للإيقاف، فالشركة باعت كل الأسهم الخاصة بالذهب وانتهت المرحلة الأولى ولم يتبق سوى التعامل مع بورصة الذهب، لكن الشركة قررت الاستثمار فى البلاتين، وهذه المرة الحد الأدنى للاستثمار هو 10 آلاف دولار، ومقر الشركة تغير مثلما غيرت نشاطها، خسر العملاء ولكن المندوبين حققوا أرباحا طائلة، فأحد المندوبين حصد 800 ألف دولار خلال جذبه العملاء للشركة.

وكانت الشركة ترسل لكل عميل على الإنترنت شهادات ملكية بكل 100 سهم، والشهادة تحمل اسم والرقم القومى للعميل، والشهادة موقعة من كل من مدير الشركة ورئيس مجلس الإدارة، والشهادة باللغة الإنجليزية، لكن كل العملاء لا يعرفون هل الشهادة صحيحة أم مزورة، وهل كانوا يتعاملون مع الشركة الأم أم وقعوا ضحية نصب بعض الأشخاص فى مصر، لأن مثل هذه الطريقة فى الاستثمار تفتقد أى مستندات أو أوراق أو مقر للشركات ولذلك يسهل اختفاء الشركة كما تختفى إبرة فى كوم قش، ومعظم الشركات تنصح عملاءها بإيداع الأموال فى حسابات الشركة وليست حسابات بنكية، وقد كانت شركة فرجين جولد من هذا النوع، لكن حتى الشركات التى كانت تسمح للعملاء بوضع الأموال فى حسابات بالبنوك كانت تقوم بلعبة أخرى، لعبة قائمة على طمع العملاء فى مزيد من الأرباح والأموال السهلة، فالشركة تمنح العملاء 5% زيادة فى الأرباح فى حالة وضع الأموال فى حساب الشركة وليس فى حسابات بالبنوك، وبالإضافة إلى الـ5% زيادة فى الأرباح، فإن الشركات كانت تروج أن إيداع الأموال فى حسابات الشركة يعفى العميل من دفع ضرائب، ولذلك لا يترك مندوبو هذه الشركات أى أثر وراءهم استعدادا للحظة الأخيرة، لحظة الفرار باموال العملاء، بما فى ذلك البلد الذى حصلت منه على الترخيص، وحجج الهروب من دولة الترخيص تفطس من الضحك، إحدى الشركات التى رفضت سلطة دبى للخدمات المالية منحها ترخيصًا للعمل فى الخدمات المالية، قالت بمنتهى البجاحة إن دبى لم تعد مركزًا ماليًا قويًا وجاذبًا للأموال، وذلك للتغطية على فشلها فى الحصول على ترخيص بالعمل تحت مظلة سلطة دبى للخدمات المالية، وهو أحد أقوى المراكز المالية فى العالم، وليس فى العالم العربى فقط.

4

عباءة الدين

بعد أكثر من ربع قرن من تجربة شركات توظيف الأموال الإسلامية بمصر، لا يزال الدين هو العباءة التى يخفى فيها كل من الطماع والنصاب طمعهم ونصبهم، فعلى صفحات الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعى عشرات بل مئات الفتاوى بأن الاستثمار فى البنوك حرام، ولكن الاستثمار فى هذه الشركات حلال، لأن هذه الشركات تعمل فى التجارة والمضاربة وليس لها سعر فائدة ثابت مثل البنوك، ولذلك فإن معظم شركات النصب الإلكترونى تقوم بترك نسبة الفائدة مفتوحة وليست ثابتة، وتستخدم هذه الشركات كلمات مثل المضاربة والمرابحة، وذلك لكسب ثقة الشيوخ والحصول على فتاوى بمشروعية الاستثمار فى هذه الشركات، وأن الاستثمار بها حلال، ولكن السعى للحلال هو مجرد غطاء للطمع والنصب فى آن واحد، فإن كان المقصود هو المال الحلال فقط لكان عائد هذه الشركات مساويًا أو أقل من عائد البنوك، ولكن كل الشركات تضع عائدًا يزيد على عائد البنوك بأكثر من ثلاثة أو أربعة أضعاف، وإذا كانت الرغبة فى المال الحلال هى الهدف الفعلى للتعامل مع هذه الشركات فإن مصر وكل دول الخليج العربى بها بنوك وفروع ومعاملات تتوافق مع الشريعة الإسلامية، لكن عائدها لا يرقى إلى ربع أو نصف عائد البنوك، ولذلك فإن حجة الدين هى مجرد غطاء للرغبة فى الربح السريع غير المبرر، الرغبة فى ربح سريع بدون عمل أو جهد حقيقى، هذه الرغبة أو بالأحرى الطمع ادى بمئات المصريين لمنح أموالهم إلى شاب لا يعرفون إلا اسمه الاول، اسمه عمرو، وقد استغل عمرو علاقته بأحد الموظفين بشركة تداول أموال شرعية تعمل فى مجال البورصة، وكان عمرو يصطحب بعض الشباب لمقر الشركة، وحصل منهم على آلاف الدولارات لاستثمارها فى الفوركس، وبعد ثلاثة أشهر أو أربعة اختفى عمرو وترك المندوبين يشرحون للضحايا أنهم خسروا أموالهم فى الاستثمارات، مرة أخرى يدفع بعض المصريين ثمن طمعهم، ولكن مصر تدفع ثمنا باهظا لهذا الطمع، فشركات النصب التى تعمل بالدولار هى خطر على الأمن القومى المصرى، فهى تستنزف عملة مصر فى أحوج وأشد الحاجة إليها، عملة نشترى بها قمحًا لعيش المصريين وفولاً وعدسًا للغلابة وغازًا لأنابيب البوتاجاز، وفى ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة وفى ظل انخفاض دخل مصر من الاستثمار الأجنبى المباشر ومن السياحة، وهى مصادر رئيسية ومهمة للدولار لمصر، فى ظل هذه الأزمة فإن مصر تحتاج إلى إجراءات حاسمة وجديدة لمواجهة هذا الاستنزاف، ووقف هذا النزيف للاحتياطى المصرى من الدولار، مرة أخرى مواجهة شركات النصب الإلكترونى هى ضرورة أمن قومى لأن مصر لم ولن تتحمل خسارة نحو مليار دولار سنويا بسبب لعبة الطمع والنصب التى أصبحت عرضًا مستمرًا، عرضًا يتطلب اهتماما خاصة من الحكومة ورئيسها إبراهيم محلب.