عصام زكريا يكتب : «الحرب العالمية الثالثة».. فن التخريب!

مقالات الرأي


يبدأ فيلم «الحرب العالمية الثالثة» على طريقة أفلام محمد سعد وهنيدى التى تبدأ ببطل من حى شعبى يزعم الفتونة والقوة ولكنه فاشل فى هذا الفيلم ليس مسروقا من فيلم «ليلة فى المتحف» ولكنه يشبهه جدا.

هكذا يبدأ فيلم «الحرب العالمية الثالثة» الذى يدور، مثل الفيلم المذكور، حول شاب يدخل متحفا للشمع تتحول فيه المنحوتات الشمعية إلى شخصيات من لحم ودم منذ منتصف الليل وحتى صباح اليوم التالى، ويصبح عليه أن يحبط بمساعدة شخصيات التماثيل الطيبة محاولة لتدمير العالم تقودها تماثيل رموز الشر فى المتحف.

عند هذا الحد ينتهى الشبه ويتخذ «الحرب العالمية الثالثة» مسارا مختلفا تصبح فيه الكوميديا مصرية خالصة. يشكر صناع الفيلم على تنويه الاعتراف بالاقتباس، وهو اعتراف المبدع الحقيقى الذى يثق فى نفسه، ويثق أن لديه شيئا يقوله بعد الاقتباس.

ينجح صناع «الحرب العالمية..»، أحمد فهمى وشيكو وهشام ماجد وأصدقائهم والمخرج أحمد الجندى فى حشد فيلمهم بالشخصيات والـ«إيفيهات» الأصلية، مصرية الموضوع والروح، ولكن الأكثر من ذلك هو نجاحهم فى إعطاء عملهم معنى، ومغزى، مختلفان معبران عن صناع الفيلم وعن المجتمع الذى يعيشون فيه الآن.

من عرابى ومحمد على وتوت عنخ آمون إلى رأفت الهجان وبكار والناصر صلاح الدين، مرورا بهتلر ونابليون وهولاكو ودراكولا من رموز الشر، إلى أم كلثوم وبوب مارلى ومارلين، أو نرمين، مارلو، من رموز الفن، يصوغ صناع «الحرب العالمية..» لوحة فسيفساء خلابة مليئة بالسخرية والضحك الهستيرى، يمضون فيها إلى أبعد حد ممكن من تجاوز الخطوط الصفراء والحمراء فى الكوميديا المصرية.

فى هذه اللحظة التى يتساءل فيها كل المصريين بمختلف انتماءاتهم عن تاريخهم العام، وتاريخ جماعتهم وطائفتهم وحزبهم السياسى الخاص، يأتى صناع «الحرب العالمية...» ليخربوا لهم هذا التاريخ، أو بالتحديد نظرة كل منهم المتعصبة والضيقة للفئة التى ينتمى إليها.

أبو الهول «حارس» يحصل على أى رشوة حتى لو كانت «سيجارة فرط» ليسمح بمرور أى شخص إلى أى مكان، وتوت عنخ آمون أجمل ملوك مصر يتحول إلى شاب بدين غبى، محمد على رجل طيب ولكنه ضعيف، ورأفت الهجان يتخلى عن الجميع ليهرب إلى إسرائيل، وعرابى أشبه ببلطجى يريد استلال سيفه والضرب به طوال الوقت، أما صلاح الدين فهو مجرد رأس تمثال فقط تفشل فى استعادة جسدها وسرعان ما تذوب تحت تأثير النيران...بينما تسعى شخصية «علاء الدين» للحصول على جواز للسفر والهجرة إلى «ديزنى لاند» حيث تلقى ما تستحقه من اهتمام وتقدير!

ربما تكون محقا فى أن الفيلم «يمسخر» التاريخ، وينزع هالة التقديس عن تلك الرموز، ويفكك ويخرب التاريخ. ولكن إذا اعتبرت أن تلك مصيبة، فإن نظرتك تلك هى المصيبة لأنها دليل على أنك لا تعى جيدا طبيعة الكوميديا ووظيفتها، وعلى أنك أسير للتفكير المتصلب الذى يرى العالم بلون واحد، ويرفض أن يمنح نفسه إجازة قصيرة أو فسحة صغيرة لإعادة التفكير فى الأشياء.

مبدئيا فإن المعنى الكلى للفيلم يؤكد قيمة هذه الرموز، وهو يستخدم النكتة ليس فقط من أجل التحرر من الصورة الجادة والمتجهمة وغير الواقعية لهذه الرموز، ولكنه يساهم أيضا فى الاقتراب من هذه الرموز والألفة معها وحبها وتقديرها فى نهاية المطاف.

تتبلور فكرة الفيلم فى ثلثه الأخير، عندما تنجح عصابة تديرها امرأة اسمها هويدا – أنعام سالوسة- فى العثور على تعويذة فرعونية تبث من خلالها الأرواح فى التماثيل الميتة، ومن خلال بعث رموز الشر تسعى للسيطرة على مصر والعالم، وتبدأ نشاطها بإخفاء الهرم الأكبر وطلب فدية من الحكومة المصرية قبل أن تقوم بإخفاء بقية معالم الحضارة والهوية المصرية.

هنا يحدث الفعل الدرامى الذى يؤثر على حياة هذه التماثيل التى تشبه أصولها الحقيقيين والذى يساهم فى تحولهم إلى أبطال جديرين بالرموز التى «يمثلونها». وهنا يتضح المغزى الفعلى من وراء الفيلم. التماثيل التى تشبه صورتها هم أبناء هذا العصر الذين يعيشون فقط على ذكرى حضارتهم ويسيئون إليها بحاضرهم المخزى، وما بقى من جديتهم واعتزازهم بأصولهم هو ما يدفعهم إلى التمثل والتمسك بهذا الماضى ومحاولة إحيائه فى الحاضر.

تنجح قوى الخير داخل المتحف فى صد غزوة الأشرار بمساعدة أسدى قصر النيل، والبطل البشرى، الفاشل والأحمق، الذى يتخلص من فشله وحماقته ويصبح بطلا حقيقيا ينقذ وطنه، والعالم، من المؤامرة.

صحيح أن الفيلم ينتهى بمزيد من الإيفيهات والتفكيك...وهو أمر طبيعى لأن الواقع نفسه خارج دار العرض كما هو، يحتاج إلى قبلة حياة تبث فيه الروح من جديد.