خروتشوف

منوعات



ولد نيكيتا سيرجيوفيج خروتشوف في قرية كالينوفا في محافظة كورسك في 15 ابريل 1894 وقاد الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.. ومن أبرز علاماته الفارقة هي أنه عمل سكرتيرا أول من 1953 إلى 1964 حيث حل ليونيد بريجنيف محله ، كما كان رئيسا للوزراء بين عامي 1958-.1964. و قاد ما يسمى بسياسة تجريد الاتحاد السوفييتي من الستالينية ، و تنبني البرنامج الفضائي السوفييتي. وتبني سياسة التعايش السلمي مع العالم الرأسمالي.

عمل في شبابه في مناجم و أصبح في فترة الحرب الأهلية مفوضا سياسيا ، و في عام 1929 أوُفد إلى موسكو للدراسة في أكاديميتها الصناعية، وبقى فيها حتى عام 1931 حين عاد إلى أوكرانيا وأخذ يتسلق فيها بسرعة أعلى المناصب الحزبية، فعمل سكرتيراً لعدة لجان حزبية 1931، ثم انتخب عضواً في اللجنة المركزية 1932، فعضواً في مجلس السوفييت الأعلى 1937، فسكرتيراً أولاً للحزب الشيوعي الأوكراني، وعضواً مرشحاً للمكتب السياسي 1939 وهو منصب رفيع يعتبر شاغله من قادة الإتحاد السوفييتي الفعليين.

وفي الحرب العالمية الثانية تولى خروتشوف نقل الصناعات السوفييتية من أوكرانيا نحو الشرق إنقاذاً لها من الاجتياح الألماني. ثم عمل في المجالس الحربية في الجبهتين الغربية والجنوبية الغربية، وشارك في تنظيم حرب الأنصار خلف الخطوط الألمانية، وساهم كمفوض سياسي في الجيش في الدفاع عن ستالينجراد. .وفى عام 1943 مُنح رتبة فريق، وعندما حرر السوفييت كييف في نوفمبر 1943 عاد إلى العمل كسكرتير أول للحزب الشيوعي الأوكراني.

وفي ديسمبر 1949 انتقل خروتشوف إلى موسكو حيث أصبح أحد سكرتيرى اللجنة المركزية للحزب، واكتسب سمعة طيبة في مجال السياسة الزراعية. وفي أكتوبر 1952 وفي المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفييتي، انتُخب عضواً في المجلس الرئاسي للجنة المركزية ولأمانة سر اللجان.

كما ساند خروتشوف بحماس منقطع النظير ستالين في سياسة التطهير الحزبي التي أودت بحياة الملايين من البشر ، و من ضمنهم البلاشفة و معظم قيادة الحزب في فترة لينين ، كما صادق على أحكام السجن والإعدام بحق الآلاف بتهمة الخيانة والعمالة والعداء للشعب. وقد واصل في أوكرانيا التي أسند إليه ستالين سلطات الحكم الحزبية والحكومية فيها سياسة القمع و التصفيات والاستبداد الستالينية. كما عاد لتبؤ منصب المفوض السياسي أثناء ما يسمى بالحرب الوطنية العظمى أو الحرب العالمية الثانية إذ كانت مهمته الأساسية العمل كصلة وصل بين ستالين وجنرالات.

ومما ظل يفتخر به خروتشوف طوال حياته أنه ساهم في معركة ستالين الدامية . وقد عاد إلى أوكرانيا بعد انتهاء الحرب وما لبث حتى سحبه ستالين إلى موسكو ليعينه مستشارا مقربا له. وبعد احتدام الصراع على السلطة بعد رحيل ستالين عام 1953 خرج خروتشوف منتصرا بسهولة.

و أثناء محاكمات موسكو الستالينية عام 1936 كان اشد المتحمسين لها، وينقل عنه قوله : إن أي شخص يبتهج للنجاحات التي أحرزتها بلادنا ، و الانتصارات التي حققها حزبنا بقيادة العظيم ستالين ، سوف يجد عنده كلمة واحدة فحسب تناسب المرتزقة و الكلاب الفاشستية من عصابة التروتسكي زينوفييت .. هذه الكلمة هي الإعدام . من الجدير بالذكر أن من مجموع كوادر الحزب القيادية في منظمة موسكو البالغ عددهم 146 نجى فقط عشرة من التصفيات الجسدية والإعدامات.

في المؤتمر العشرين للحزب المنعقد في فبراير عام 1956 أي بعد 3 سنوات على رحيل ستالين أقرت الخطوط الكبرى لتقرير خروتشوف ، ثم دعي المندوبون إلى جلسة خاصة مفاجئة ، تم تحديد يوم 24 فبراير 1956 موعداً لها حيث استمعوا إلى تقرير خروتشوف عن عبادة الفرد ونتائجها ومساوئها مع بحث حول القيادة الجماعية وفوائدها، وندد بجرائم ستالين وغروره وبمساوئ بوليسه السري وبأخطائه يوم شن الألمان هجومهم على الاتحاد السوفييتي وديكتاتوريته بعد الحرب العالمية الثانية في الداخل والخارج، وقد أحدث التقرير ضجة في العالم الشيوعي ومع أن النص الكامل للتقرير ظل سراً إلا أن ملخصه كان في متناول قادة الحزب الشيوعي وبعض قادة بلدان المعسكر الاشتراكي حتى أصبح السر معلوماً، وانتشرت روح التنديد بستالين والإشادة بخروتشوف في عدة بلدان اشتراكية مسببة العديد من التصفيات والخلافات الحزبية وممهدة الطريق أمام انقسام الحركة الشيوعية بين موسكو وبكين.

لقد فاجأ حقا خروتشوف العالم بإدانته لستالين وجرائمه ، لكن كل الوقائع فيما بعد كشفت أن إدانة ستالين لم تكن تعني قط إدانة الستالينية و التجرد منها . وقد ظلت الأنظمة الستالينية في أوروبا الشرقية والتي أطلقت عليها جزافا المعسكر الاشتراكي عبر سلسلة من حكومات الجبهات الوطنية ، والقبضات الحديدية وإبعاد العمال عن الحكم بدون أي تغيير، عاكسة صورة الاتحاد السوفييتي .

كانت الظروف المعيشية للجماهير ما بعد الحرب قاسية ، وكانت منظومة العمل المعروفة ( ستاخانوفيزم) ظالمة و المطبقة على مصانع الإنتاج الضخم ، إذ تم تعيين آلاف العمال المسلحين من قبل الأحزاب الشيوعية التقليدية الحاكمة لقمع أي حركة اعتراض سياسية ، ما يذكرنا بفرق الموت البعثية إبان الحرب العراقية الإيرانية ، والمكلفة بإعدام أي جندي يتراجع إلى الخلف أو يبدي تراخيا في القتال.

و هناك من رأى بأن احتلال أوروبا الشرقية قد قوى مؤقتا سلطات ستالين ، إلا أن اليد المتيبسة للبيروقراطية كان لا بد أن تقع في حالة تضاد مع الخطة الاقتصادية القائمة، ومبادئ الماركسية اللينينية، ما خلق شرخا بين الطبقة العاملة و البيروقراطية ، والذي بدوره دفع الكثير من العمال الثوريين إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية العمالية لم تكن تتحقق إلا بثورة سياسية . وكانت أحداث هنغاريا أواخر عام 1956 أفضل تعبير عن الثورة السياسية، إذ قامت في هذه الفترة نشاطات معارضة حيوية ، واعتراضات لمثقفين وطلبة أحدثت انشقاقات وتكتلات في الحزب الشيوعي الحاكم ، ما فتح قنوات عديدة تعبر خلالها الطبقة العاملة عن معارضتها و انتقاداتها للبيروقراطية و التحريفية. وقد بلغت الثورة السياسية في اكتوبر مرحلة متقدمة و تبنى العمال برنامج لينين للعام 1919 لمواجهة البيروقراطية.

تأسست في بودابست مجالس عمالية ( سوفييتات) و أجرت انتخابات لانتخاب زعامتها العمالية و طالبت بإصدار قرارات لصالح العمال منها رفع رواتب العمال إلى أقصاها ،وتشريع حرية الصحافة لكل شرائح المجتمع باستثناء الثورة المضادة الرأسمالية... ولتحقيق هذه الأهداف قام العمال بإضرابين عامين و تمردين في هنغاريا.وقد تأثرت القوات السوفيتية المحتلة بهذه النشاطات الثورية ما أدى إلى انسحابها لإرسال قوات أخرى بدلا عنها موثوق من ولائها فيما بعد حين تهدأ الأوضاع.

لقد أدان خروتشوف في المؤتمر العشرين ستالين لكنه سحق الثورة السياسية في هنغاريا بأساليب قمعية أساءت إلى الشيوعية ومبادئها . وإن سياسة التعايش السلمي مع الغرب الرأسمالي التي تبناها خروتشوف لا تناقض سياسة ستالين اللاأممية والتي تنبع من الفكرة القائلة بإمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد ، ونبذ الثورة العالمية ضد الرأسمالية والاستغلال، وقد ظلت الأحزاب الشيوعية التقليدية في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث وبلدان أخرى كثيرة غيرها كقطع شطرنج تتم التضحية بها متى ما شاءت مصلحة الدولة البيروقراطية السوفيتية. كما استمر الاتحاد السوفيتي يدعم الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط والعالم الثالث بذريعة معاداتها للامبريالية ، وتبنيها الطريق اللا رأسمالي للوصول للاشتراكية.

كما برزت بشكل أكثر وضوحا الشرائح البيروقراطية ، ما ينفي الادعاء بأن في الاتحاد السوفييتي و أقماره قد زالت الطبقات ، و تحققت الاشتراكية وفق المنظور الماركسي اللينيني. و كانت عبادة الشخصية مألوفة في الأحزاب الشيوعية التقليدية الحاكمة و خارج الحكم. و على المستوى الثقافي كانت الجدانوفية هي التي تتحكم بالحياة الثقافية في معظم بلدان المعسكر الشرقي ، وأحزاب اليسار التقليدي.