محرقة الشجاعية الأولى.. صبرا وشاتيلا الثانية
صبرا وشاتيلا غزية.. هكذا وصفها أحد الفارين من الموت من حي /الشجاعية/ ، شرق مدينة غزة ، إلى مستشفى /الشفاء/ الذي أصبح ملجأ ليس فقط للجرحى والشهداء بل لعشرات الآلاف الذين يطلبون الحماية من القصف الوحشي الإسرائيلي الذي فاق كل تصور في أحد أبرز الأحياء التاريخية لمدينة غزة.
توقف الزمن الليلة الماضية عندما هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي بعشرات الطائرات ومئات الدبابات وآلاف الجنود بيوت الصفيح والإسبست والمساكن البدائية لآلاف المدنيين القاطنين على أطراف الحي الذين اعتقدوا لوهلة بأن فقرهم وقهرهم وعلاقتهم المتجذرة بمتطلبات الحياة اليومية دون التوغل في السياسة وأبعادها قد يشكل لهم حماية من الحمم الملتهبة القادمة من الشرق على الحدود بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
مئات الجرحى والشهداء وعشرات الجثث تحت الأنقاض ، وأطفال هائمون ، ونساء عاثرات الحظ يبكين ظلم الواقع ، وحصارا ظالما ، وعدوا شرسا وهمجيا لا يفرق بين صغير وكبير ، أو مقاوم وعجوز لا يقدر على المشي .. فيما أصوات عربات الإسعاف التي تحاول التقدم لانتشال الجرحى والشهداء سرعان ما تختفي وتعود ليتضح بعد ذلك أن الاحتلال يمنعها من أداء أقدس مهمة لها ، بل ويقتل المسعفون بداخلها في رسالة مفادها أنكم جميعا في قبضة إسرائيل وسنقتلكم فرادا وجمعى .
تقول وزارة الصحة الفلسطينية إن طواقم الدفاع المدني والإسعاف تمكنت من انتشال 40 شهيدا وأكثر من 200 جريح ضاقت بهم مستشفى /الشفاء/ التي وصل إليها أيضا عشرات الآلاف من سكان الحي الذين اضطروا لمغادرته تحت النار .
وأفاد الناطق باسم الوزارة في غزة ، الدكتور أشرف القدرة ، بأن من بين الشهداء أسامة الحية ابن القيادي في حركة /حماس/ خليل الحية وزوجته هالة أبو هين وطفليه خليل وأمامة في قصف استهدفهم في حي /الشجاعية/.. فيما قتلت القذائف أحد المسعفين ، وأصابت مسعفين اثنين آخرين بجروح أثناء تأديتهم مهمتهم الإنسانية في نقل الجرحى والشهداء.
وأضاف أن هناك أعدادا كبيرة من الشهداء لا زالوا مجهولي الهوية ، ووصلوا إلى المستشفى ، موضحا أن الساعات التي مضت تعتبر الأعنف استهدافا لمنازل المواطنين ، حيث تعالت مناشدات المواطنين منذ الساعة 12 ليلا بوجود عدد كبير من الضحايا في منازلهم التي تنهال عليها القنابل والقذائف من كل صوب .. مشيرا إلى أن التنسيقات كانت تجرى على قدم وساق بين الطواقم الطبية واللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي بدوره تواصل مع الجانب الإسرائيلي ، إلا أن الاحتلال رد على الصليب الأحمر بأن /الشجاعية/ منطقة عمليات عسكرية مغلقة ، ويحظر دخول سيارات الإسعاف لها.. الأمر الذي دفع الطواقم الطبية إلى أن تبادر من تلقاء نفسها رغم المخاطر الجمة محاولة منها لإنقاذ المواطنين وانتشال الضحايا ولازالت الطواقم الطبية تقوم بواجبها المقدس وسط استهداف مركز للمناطق الشرقية لمدينة غزة، حسب الدكتور القدرة.
ويفترش مئات الفلسطينيين الأرصفة المجاورة لمستشفى /الشفاء/ يحتمون بجدران متهالكة فيما طائرات الاحتلال الإسرائيلي تحوم كغربان تخطط لالتقاط صيدها من بين الهاربين والنازحين الجدد ، وكأنها لم تكتف بتوغلها في دمهم فجرا.
الحاجة أم حسين ، التي تأخذ زاوية في المستشفى على كرسيها المتحرك تقول ، لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ : حسبي الله ونعم الوكيل ، هذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها تهجيرنا من بيوتنا .. متسائلة ماذا يريدون منا؟، فنحن منذ ثماني سنوات لا حياة لنا ، ولا مستقبل لأولادنا ، واستنجدنا بالقريب والبعيد ولا أحد يجيبنا .
أما المواطن أحمد جندية فيقول : إن منزله الواقع شرق حي /الشجاعية/ يتعرض للقصف منذ ليلة أمس ، وأن عائلته محاصرة ، وفجأة انقطع الاتصال ولا يدري ما الذي حدث لهم.
ويضيف لــ /قنا/ أنه حاول الاتصال لساعات في الصليب الأحمر الدولي دون نجاح .. مناشدا المنظمات الحقوقية والإنسانية بالتدخل ، على الأقل ، لإبلاغه بمصير أخوته واخواته المحاصرين منذ الليلة الماضية في ظل انقطاع الاتصال.
من جانبه ، يقول الشاب محمود أبو سالم : لقد قصف بيت جاري ، وهربت أنا وعائلتي إلى الغرب الساعة الثانية فجر هذا اليوم ، وسمعت أصوات استغاثة من منزل جاري ، ولم أتمكن من إنقاذهم لأن حراكي إلى الخلف كان يعني موتي وعائلتي .
وأضاف أن ما تقوم به إسرائيل هو جنون وغير مسبوق ، ويستهدفنا نحن ؛ لأن المدنيين فقط هم الذين يقتلون والاحتلال لا يستطيع مواجهة رجال المقاومة الذين قتل منهم حتى الان حسب معلوماتنا أعدادا بسيطة .
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /الأونروا/ قالت ، من جانبها ، إن غزة تتجه نحو كارثة حقيقية في حال استمرار العمليات الحربية، ومستوى اللجوء والنزوح الكبير من أحياء عديدة في قطاع غزة إلى داخل المدن. وقال عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لـ/الأونروا/ ، في حديث ل/ قنا/ ، إن الأعداد في مدارس /الأونروا/ وصلت حتى صباح اليوم إلى خمسة وستين ألف مواطن ، ولكن هذه الأعداد قد ترتفع خلال ساعات إلى أكثر من خمسة وثمانين ألفا.. مشيرا إلى أن احتياطي /الأونروا/ من الفراش والأغطية والأدوات الصحية نفدت تماما، وأن /الأونروا/ تواجه مشكلة حقيقية في كيفية استيعاب هذه الأعداد الرهيبة التي لا تملك أي شيء وتركت وراءها كل شيء.
ووجه أبو حسنة نداء إلى المجتمع الدولي والمانحين العرب والقطاع الخاص في الدول العربية، بالتحرك العاجل لمساعدة /الأونروا/ لأنها الجسم الوحيد الذي بقي متماسكا يقدم خدمات هو وبقية منظمات الأمم المتحدة لكافة سكان قطاع غزة ، مشيرا إلى أن الأزمة ليست في مدارس /الأونروا/ فقط ، بل هناك مدارس حكومية ومؤسسات خاصة فتحت أبوابها لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الناس.
وحول منشآت /الأونروا/ ، التي تعرضت لأضرار حتى اللحظة ، قال أبو حسنة إن 69 منشأة من منشآت وكالة الغوث تعرضت إلى أضرار مختلفة خلال العمليات العسكرية وشملت مدارس وعيادات ومخازن .
ثلاث ساعات من الكهرباء يوميا وانقطاع متواصل في المياه ، ومجتمع أنهكته ثمانية أعوام من الحصار، تتوج فيه إسرائيل الآن فعلتها بمذبحة دامية طالت المئات من الفلسطينيين.. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح.. إلى متى تبقى غزة ضحية لإرهاب الدولة المنظم؟!.